غلاء أسعار المكسرّات يفقد «القشقشة»نكهتها بقسنطينة لم تعد عاشوراء تحظى بذات الاهتمام و المكانة التي كانت تزخر بها في أوساط العائلات القسنطينية في الماضي، حيث بدأ الاحتفال بها يفقد نكهته الخاصة الذي ميّزته لعقود طويلة عن باقي مناطق الوطن لانفراد سيرتا و ضواحيها بعادة «القشقشة» التي كان القسنطينيون يحرصون على انتقاء و اقتناء ألذ ما جادت به سوق المكسرّات لتزيين صينية سهرة عاشوراء الخاصة، غير أن غلاء الأسعار حوّلها إلى عبء يقلق الكثيرين لما يفرضه من مصاريف إضافية إلى ميزانية الأسرة المرهقة من توالي الأعياد و المتطلبات الاجتماعية. و إن استمرت عادة تغيير الكثير من التجار لنشاطهم المعتاد بما يتماشى و المناسبة من عرض لشتى أنواع المكسرات و الحلويات المغرية طمعا في الربح، فإن الإقبال على ما يعرف بالقشقشة لم يبق كما كان في الماضي، لأن الظروف المادية للكثير من العائلات لم تعد تسمح بإضافة أعباء جديدة إلى ميزانية الأسرة خاصة بعد توالي المناسبات المعروفة بمصاريفها الكثيرة كان آخرها عيد الأضحى الذي تجاوزت فيه أسعار الأضاحي ال 50ألف دج. و في جولة بأسواق و محلات بيع المكسرات بقسنطينة آثار اهتمامنا تضاعف أسعار مختلف أنواع المكسرات التي لم تعرف في الواقع انخفاضا بسبب امتداد موسم الأعراس على طول السنة، حيث أكد عدد من المواطنين الذين تحدثنا إليهم بسوق «بطو» بوسط المدينة بأن أجواء الاحتفال بعاشوراء لم تعد نفسها لأسباب كثيرة أهمها ارتفاع أسعار الخضر و الفواكه و اللحوم و أيضا المكسرات، مما أفقدها نكتها المعتادة لاعتمادها على تحضير أشهى الأطباق التقليدية، و الالتفاف حول صينية القشقشة و السهر على وقع تكسير و تقشير و طحن المكسرات إلى غاية ساعة متأخرة من الليل. و قد تراوحت أسعار المكسرات بين 1300دج و 1700دج للمنتوج بلا قشور و بين 400 و 1000دج لتلك المحتفظة بقشورها، و هو ما وصفه أغلب من تحدثنا إليهم بغير المعقول و المهدد باندثار أهم المناسبات و المواسم الدينية رغم أهميتها في جمع شمل العائلة و نشر المودة و المحبة. و ذكرت إحدى السيدات التي اكتفت بشراء 250غ من كل نوع من المكسرات و التي كلّفتها رغم قلتها 1540دج بأنها اضطرت لتغيير العديد من العادات لعدم قدرتها على توفير ظروف الاحتفال المناسبة، حيث قالت أنها لم تعد تضع القشقشة في صينية كما في السابق و أصبحت تكتفي بعرضها في صحون صغيرة ترفقها لصينية الشاي. و علّقت ساخرة»حتى كاوكاو الفقراء غلى شأنه، و لم يعد في متناول البسطاء «إشارة إلى سعر الفول السوداني الذي ارتفع إلى 400دج بعدما كان في الأشهر الماضية أقل من 300دج. و أكد عدد من الزبائن عدم احتفالهم بعاشوراء و توقفهم عن ممارسة بعض العادات التي كبروا عليها لاعتقادات دينية، فيما برّر آخرون بأن التهاب الأسعار وراء اكتفائهم بتحضير ما يعرف عند البعض بالنفقة و هو إعداد طبق تقليدي غالبا ما يكون «تريدة الطاجين»، أما القشقشة فتم اختزالها في أنواع محدودة جدا من المكسرات غير المكلّفة كالفول السوداني و اللوز. و لا زالت بعض العائلات تحرص على شراء سلال القشقشة المكوّنة من تشكيلات تضم مختلف أنواع المكسرات كاللوز و الجوز و الكاوكاو و التمر و الحلويات و التين المجفّف...و التي يتم تغليفها بغلاف شفاف مزّين بأشرطة ملوّنة عادة ما تقدّم للعرسان الجدد. و تحسّر بعض الشيوخ عن عاشوراء زمان مسترجعين ذكريات من الماضي كالحاج عطوي ابراهيم الذي قال أن أجمل الصور التي لا تزال راسخة بذهنه عن هذه المناسبة تلك التي تخص تجوّل الأطفال بين البيوت لجمع الحلويات و هم يرددون أغاني تشيد بكرم و جود بعض العائلات و تنتقد بخل البعض الآخر «هاذي دار سيدهم كل يوم اتزيدهم، هاذي دار بوم بوم في البروم». و ثمة من العائلات التي لا زالت تحافظ على عادة ذبح «السردوك «كما ذكرت إحدى السيدات التي قالت أنها كبرت على عادة انتقاء ديك أحمر لأعداد طبق التريدة، آسرة بأنها لا زالت تستمتع بتنظيفه و تحضيره على الطريقة التقليدية مثلما وجدت عليه والدتها و جدتها. و قال آخرون بأن احتفالهم بعاشوراء لا يتعدى حدود الصوم و الدعاء في اليومين التاسع و العاشر، فيما ذكرت بعض النساء حرصهن على الحفاظ على عادة قص خصلة من الشعر من باب تقديمها كزكاة على حد قولهن. و مهما يكن تبقى عاشوراء تزخر بمكانة خاصة في قلوب الكثيرين، الذين قد يتدّينون من أجل إحياء عادات الأولين و بالتالي إدخال البهجة إلى قلوب أفراد العائلة و بالأخص صغارها. مريم/ب