قسنطينة - لا يزال سكان قسنطينية في احتفالهم بعيد عاشوراء متمسكين باقتناء أفضل ما جادت به الأسواق من أنواع المكسرات مهما كان ثمنها غاليا من أجل تحضير صينية أو سلة "القشقشة " وتقديمها في هذه المناسبة الدينية. وتظل العائلات القسنطينية تتمسك بهذه العادة العريقة التي توارثتها عن الأجداد منذ العهد العثماني لإحياء يوم عاشوراء المبارك الذي يصادف العاشر محرم حيث تقدم على شراء "القشقشة" التي هي عبارة عن تشكيلات تضم مختلف أنواع المكسرات من لوز وجوز وبندق وفول سوداني وتين مجفف وتمر وحلوى وفستق حلبي. و من خلال تجوال بالأسواق الشهيرة بوسط المدينة على غرار سوق "بطو" و السويقة يلاحظ أن معظم الباعة قد غيروا نشاطهم التجاري منذ أسبوع حيث ازدانت طاولات عرض سلعهم بكل أنواع هذه المكسرات التي تعرض بتشكيلات مختلفة داخل سلال صغيرة من القصب لجلب المشترين. وعلى الرغم من أن أسعار هذه المكسرات قد ارتفعت مقارنة بالسنوات الماضية و لم تعد في متناول جميع الأسر إلا أن اقتناءها في مثل هذه المناسبة الدينية "يعتبر أكثر من ضروري" كما قول سعدون (60 سنة) الذي صادفته وأج بأزقة المدينة العتيقة وهو يفاوض أحد الباعة لاقتناء بعض المكسرات. ويضيف هذا المتسوق "على الرغم من أنني لا أستطيع تناول هذه المكسرات لأن ليس لي أسنان إلا أن أحفادي وأولادي لن يسمحوا لي بدخول المنزل اذا عدت دون شرائها". وتفضل جل العائلات القسنطينية الالتقاء والسهر حول صينية "القشقشة" بعد تناول وليمة عشاء هذه ليلة عاشوراء المباركة حيث تحضر ربات البيوت أطباق تقليدية دسمة تكون "الشخشوخة" أو "التريدة" سيدة مائدتها بلحم الديك الرومي. وفضلا عن كون هذه المناسبة الدينية تزيد في ألفة أفراد العائلة الواحدة التي تجتمع في أجواء حميمية وبهيجة حول مائدة العشاء فعلى مستوى مناطق أخرى بهذه الولاية وخاصة الريفية منها تمثل مناسبة محمودة تنحر فيها الأضاحي. ويشترك في هذه الأضاحي بعض العائلات ميسورة الحال حيث يقتسموها فيما بينهم ويتصدقون بشيء منها على الفقراء والمحتاجين حتى يعيشوا بدورهم فرحة هذا اليوم المبارك الذي تكثر فيه الصدقات وتحل به البركات. وهناك من العائلات من تكون قد تركت قسطا من لحم أضحية عيد الأضحى سواء في الثلاجة أو خلال تحويله إلى "قديد " كما كان يحدث في القديم وذلك لطهيه ليلة عاشوراء في التفاتة توصل المواسم بعضها ببعض. كما يعد يوم عاشوراء فرصة لتبادل أحاسيس المودة والرحمة بين الأهل والأصدقاء و التعبد والاستغفار. ففي هذا اليوم نجى فيه الله نبيه موسى عليه السلام من بطش فرعون و أصبح يوما للصوم كما سنه المصطفى عليه الصلاة والسلام و يطبعه الإكثار من العبادة والزكاة.