حلت مع بداية الأسبوع الجاري سنة 2963 التي تتزامن حسب المؤرخين مع الثاني عشر من شهر جانفي من كل سنة ميلادية وعرفت المناسبة احتفالات بعاصمة الأوراس لم تفوتها عديد العائلات وبعض المناطق خاصة تلك التي لا تزال متمسكة بقوة ومحافظة على تراثها الأمازيغي والتي تحيي المناسبة بمشاركة جماعية للسكان ومن بين هذه المناطق قرية "علي النمر" أو "بوزو" كما كانت تسمى سابقا بمروانة والتي ارتأينا زيارتها لاستطلاع أجواء الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة. سلكنا الطريق الوطني 77 الذي يقطع جبال الأوراس الشامخة التي احتضنت الثورة التحريرية بالأمس وهو طريق يتيح لمستعمليه التمتع بمناظر طبيعية في أعالي مرتفعات الجبال على طول المسافة التي تربط بين باتنة ومروانة المقدرة ب 40 كيلومترا كما أن هذه الجبال التي كانت تمثل في زمن غابر آلهة للسكان القدامى حسب بعض المؤرخين ساهمت في صقل الشخصية القوية لسكانها على امتداد العصور وتربط السكان ليومنا هذا علاقة حب بهذه الجبال وما تمسك السكان بتقاليدهم إلا دليل قاطع على ذلك رغم عديد المتغيرات التي لم تؤثر في كثير من مناطق الأوراس على غرار علي النمر كالمداشر المنتشرة في أعالي أريس وتكوت وإيشمول حتى أن بعضا من سكان القرى والمداشر لا يتقنون سوى الأمازيغية ولا يفهم العربية أو الدارجة المتداولة كما هو الحال ، ونحن في طريقنا إلى علي النمر تتراءى لنا هذه الأخيرة قبل الوصول إليها متربعة على سفح الجبل تقابلها مدينة مراوانة التي لا تبعد عنها إلا بمسافة قصيرة لا تتجاوز الثلاث كيلومترا والزائر ل "علي النمر" يدرك للوهلة الأولى أنه دخل نطاقا آخر هو أرض الأمازيغ ويتبين ذلك من خلال لوحات الإشارة وفور دخول المنطقة العمرانية وجدنا نصبا يتمثل في الزاد الأمازيغي مشيدا وسط هذا التجمع السكني والذي أصر السكان على تشييده للتعريف بهوية المنطقة الأمازيغية، وبعد ذلك كان لنا لقاء مع ابن المنطقة ياسين مرشيش المناضل في الحركة الأمازيغية والذي ساهم في تسطير برنامج خاص بإحياء مناسبة حلول السنة الأمازيغية الجديدة والذي تخلله في اليوم الأول وقفة ترحم وقراءة فاتحة الكتاب على روح الباحث عمار ميقادي وهو باحث في التراث الأمازيغي كان من بين المساهمين في إحياء التقويم الأمازيغي، وبعد ذلك تخلل البرنامج إقامة معرض للأكلات والأطباق التقليدية التي يتم إعدادها بالمناسبة وذلك بالمركز الثقافي في مروانة الذي احتضن أيضا أمسية شعرية واختتم البرنامج بحفل أحياه أبرز مطربي الأغنية الشاوية المحافظة حيث غنى ماسينيسا وجيمي وعلاوة طوطو وشبان آخرون من أبناء المنطقة وجرى الاحتفال في أجواء بهيجة وسط السكان الذين ابتهجوا بالمناسبة كونها تمثل جزء من الهوية الأمازيغية. ياسين عبوبو المناضل في الحركة الأمازيغية بالأوراس ياسين مرشيش للنصر الأمازيغية مهددة بالزوال والمدرسة تتحمل المسؤولية يرى ياسين مرشيش أحد مناضلي الحركة الأمازيغية بعاصمة الأوراس أن الأمازيغية تعرضت في سنوات ماضية للاضطهاد ما جعلها في الوقت الراهن تبدو غريبة في عقر دارها ووسط أهلها، واعتبر مرشيش الذي التقيناه على هامش الاحتفال بحلول شهر يناير وبداية السنة الأمازيغية، بأن إحياء التظاهرة الأخيرة يعد مناسبة للتأكيد والتذكير بوجود لغة وهوية اسمها الأمازيغية تعود جذورها لعصور غابرة. أجيال اليوم لا تعرف الأمازيغية لأنها ضحية المدرسة الجزائرية التقينا المناضل في الحركة الأمازيغية ياسين مرشيش خلال زيارتنا لقرية بوزو أو علي النمر كما تعرف بتسميتها حاليا والتي ينحدر منها مضيفنا وقبل لقائنا به قمنا بجولة بالمنطقة والتي سيكتشف زائرها حتما وللوهلة الأولى بعد دخوله إليها أنه على أرض أمازيغية لايزال سكانها متمسكين بأصولهم البربرية، حيث شدَ انتباهنا لوحات الإشارة على جنبات الطريق المكتوبة إلى جانب العربية بالأمازيغية ويتواجد وسط بوزو التي هي عبارة عن تجمع سكني صغير تابع لبلدية مروانة، نصب عبارة عن الزاد الأمازيغي سيلتفت إليه الزائر والذي أخبرنا أحدهم بأن السكان أصروا على تشييده للدلالة على أن المنطقة يقطنها الأمازيغ، وبعد هذا كان لنا لقاء بابن المنطقة ياسين مرشيش المعروف عنه في الأوساط الشعبية نضاله في سبيل القضية الأمازيغية والذي كان يشرف على تحضيرات الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة، وفي حديثنا إليه بمقر المركز الثقافي لمروانة تحسر محدثنا لما آلت إليه الأمازيغية في الوقت الراهن، وقال بأنها اندثرت في عقر دارها ووسط أهلها وأوعز المتحدث السبب الرئيسي لهذه الوضعية التي آلت إليها إلى المدرسة الجزائرية بالدرجة الأولى معتبرا أن سياسة التعريب التي انتهجت، انعكست بالسلب على الأمازيغية التي تعرضت في مقابل ذلك للتهميش والإقصاء، رغم أنها تمثل هوية شعوب منطقة شمال إفريقيا. الإسلام لا يلغي الهوية أكد ياسين مرشيش أن ما حدث في مناطق من شمال إفريقيا من اندثار للأمازيغية لم يحدث في مناطق أخرى من العالم رافضا المبرر الذي يستند إلى أن الإسلام جاء بالعربية ما يحتم تلاشي اللغة المحلية كما يفكر الكثيرون حسب محدثنا الذي أكد بأن الإسلام لا يلغي الهوية مستدلا على فكرته بأن بلدانا كثيرة بلغها الإسلام وبقيت شعوبها محافظة على لغاتها وهويتها بعد أن اعتنقت الدين الإسلامي، ومما زاد في استياء المناضل في الحركة الأمازيغية بالأوراس هو أن الأمازيغية باتت مهددة اليوم بالانقراض في ظل التطور التكنولوجي لاستخدام وسائط الاتصال المختلفة وهي التي لم تندثر طيلة قرون ماضية لم تستخدم وقتها وسائط الاتصال الحديثة المستعملة حاليا واعتبر المتحدث ذلك تناقضا صارخا لأنه يفترض حسبه استغلال الوسائط ومواقع التواصل الاجتماعي للترويج والحفاظ على التراث الأمازيغي. من لا يعرف لغته يصبح عدوها يرى المناضل في الحركة الأمازيغية ياسين مرشيش أن من يجهل لغته وهويته سيصبح حتما عدوها وقال بأنه لا يلقي اللوم على أجيال اليوم التي لا تعرف الأمازيغية معتبرا إياهم بضحايا المدرسة ويروي حادثة من الواقع وقعت له رفقة ابنه بالجامعة عندما نادى أحد الإداريين على ابنه المسمى يوغورطة على أساس جنس أنثى وهو ما استاء له لكون أن ما صدر هو من شخص ليس بالعادي ولا يعلم أن اسم يوغورطة هو لأحد الملوك النوميديين. محدثنا وفي رده على سؤالنا حول الحلول التي يراها هو للحفاظ على الأمازيغية، اعتبر بأن الحلول في يد مؤسسات الدولة مؤكدا بأن الأمر يتطلب توفر الإرادة السياسية للحفاظ على الهوية الأمازيغية رافضا ربط الفكرة بأي صراعات أو خلفيات مضيفا بأن حماية الأمازيغية ملقاة على عاتق الدولة وتأسف على انعدام قسم خاص بالأمازيغية بجامعة الحاج لخضر بباتنة ولعدم إقبال التلاميذ على دراسة الأمازيغية في الأطوار التعليمية مؤكدا في هذا السياق بأن الأمازيغية هي التي صنعت الفارق في تفوق التلاميذ بمنطقة القبائل وتأسف من جهة أخرى محدثنا لتراجع الاحتفال برأس السنة الأمازيغية حتى بالمناطق الريفية والجبلية التي يفترض أنها المحافظة على التراث عكس ما يحدث في المدن التي انسلخ فيها السكان من هويتهم الحقيقية، وأكد محدثنا في الأخير بأن اليونسكو حذرت من تراجع عدة لغات في العالم ومنها الأمازيغية التي أصبحت مهددة بالانقراض. الأستاذ الباحث في التراث الأمازيغي محمد مرداسي للنصر الأمازيغية تتلاشى لعدم بلورة مشروع مجتمع بعد الاستقلال أوضح الأستاذ محمد مرداسي الباحث في التراث الأمازيغي في حديث مقتضب مع النصر على هامش الاحتفال بحلول يناير بأن الاحتفال بحلول هذا شهر الذي يعني بداية السنة الأمازيغية أساسه تقويم فلاحي وأضاف بأن طقوس الاحتفال بيناير تعكس اعتقادا ساد لدى الشعوب الأمازيغية القديمة يعني الأمل بالنسبة لها في حلول سنة جديدة يكون فيها الغذاء وفيرا ويرى محمد مرداسي أن الأمازيغ كانوا يحيون بالفطرة مناسبة دخول شهر يناير منذ القدم قبل أن يُقرها شيشناق منذ 950 سنة قبل الميلاد وتزامن ذلك وتمكنه من دخول مصر وبسط حكمه فيها، ليصبح منذ تلك الفترة الاحتفال بيناير جزء من ذاكرة الأمازيغ. واعتبر الأستاذ محمد مرداسي أن الاحتفال بحلول يناير هو بمثابة عيد كل الجزائريين ولا يقتصر على منطقة معينة دون أخرى موضحا بأن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية يجب أن يكون في إطار خارج عن التشنج والتعصب مشيرا في هذا السياق إلى أن الدول المجاورة المتمثلة في تونس والمغرب أعطت للتراث الأمازيغي ومنه الاحتفال بيناير اهتماما كبيرا وحافظت عليه رغم أن تونس حسبه فيها نسبة التعريب أكثر من الجزائر غير أنها بقيت محافظة، وأكد بأن إحياء مناسبة شهر يناير تراجعت لدى العائلات الجزائرية، حيث عاد بنا ابن جبال الأوراس إلى أجواء الاحتفال بيناير في سنوات ما قبل الاستقلال، وقال بأن تلك الأجواء اختفت اليوم مرجعا السبب لوجود خلل بعد الاستقلال يتمثل في عدم بلورة مشروع مجتمع وفشل التخطيط المنتهج كالثورة الزراعية التي أكد بأنها تسببت في النزوح من القرى نحو المدن وجعلت هذه الأخيرة تفقد صفة التمدن وتتحول إلى أرياف موسعة لعدم أهلية واستعداد أهل الريف للاندماج في المدن والذين يتخلون وينسخلون من عاداتهم التي تمثل جزء من هويتهم ظنا منهم أنها تشكل عقدة، وألقى المتحدث اللوم أيضا في عدم الحفاظ على التراث الأمازيغي على غرار الاحتفال بيناير على المدرسة طيلة عقود مضت قال بأنها تغافلت فيها عن الأمازيغية مضيفا بأن " الشعوب على دين ملوكها".