ما نخشاه العطش في رمضان و ليس انقطاعات الكهرباء تنقلنا مع أعوان التدخل السريع على مستوى الوكالة التقنية بشركة توزيع الكهرباء و الغاز بالخروب ، إلى ميدان عملهم بمنطقة الحميميم آنذاك، حوالي الساعة منتصف النهار ونصف في يوم تجاوز فيه زئبق درجة الحرارة الأربعين درجة، و دهشنا لشجاعة أعضاء الفريق المتدخل و حفاظهم على خفة روحهم كطريقة لنسيان متاعب يومياتهم الشاقة في رمضان و في فصل الحر عموما كما قالوا. فبمجرّد وصولنا إلى منطقة الحميميم سارع اثنان من الفريق الشاب المتكوّن من ثلاثة تقنيين إلى صعود أعمدة كهربائية لأجل إصلاح عطب على مستوى كوابل ذات الضغط العالي بعد أن قام الثالث بالتدابير الوقائية العازلة للكهرباء، و تحدثوا إلينا عن يومياتهم في شهر الصيام بعد نزولهم، حيث أسر لنا العون لعوبي ماهر الذي التحق بشركة سونلغاز منذ خمس سنوات بأن عملهم شاق شتاء و صيفا، لكن معاناتهم تتضاعف في شهر رمضان بشكل خاص لأنهم لا يستطيعون مقاومة العطش تحت أشعة الشمس الحارقة. و سرد ذات العون نيابة عن زميليه بوصبع زين العابدين و كاوة محمود اللذين كانا منشغلين بإصلاح العطب بأن صعوبة مهامهم تبدأ من مرحلة تسلقهم الأعمدة المعدنية التي تكون في فصل الحر أشبه بمقطع معدنية موضوعة على الجمر تحترق أيديهم لشدة سخونتها تحت أشعة الشمس التي تكون في أوج لهيبها في منتصف النهار، و حتى القفازات التي يرتدونها من باب الوقاية، لا تنجح في حمايتهم من لهب الأعمدة الكهربائية، لكن معاناتهم لا تتوّقف عند هذا الحد بل تستمر في الأعلى و هم يواجهون لسعات الشمس التي يضطرون للبقاء تحت رحمتها لساعات حسب مستوى و طبيعة العطب. ثمة من الزملاء من اضطروا لشرب الماء في رمضان وكثيرا ما يتعاطف المواطنون و هم يمرون على أعوان سونلغاز كما يحلو للكثيرين تسميتهم، و بشكل خاص عندما يرونهم في أعالي الأبراج الكهربائية ذات الضغط العالي و تحت لهب أشعة الشمس و قد يتساءلون عن سر مقاومتهم للعطش و التعب في مثل هذه الظروف، خصوصا في شهر رمضان المبارك، و هو ما أجابنا عنه الأعوان قائلين بأنهم أحيانا كثيرة يكونون على وشك قطع الصيام و شرب الماء للارتواء، لشدة العطش ، لكنهم يفضلون المقاومة و يخلدون للراحة في الظل لبضع دقائق قبل مواصلة أعمالهم الشاقة سواء تعلّق الأمر بالحفر لإصلاح عطب بالشبكات الأرضية أو البقاء متسلقين بين سماء و أرض عندما يتعلّق الأمر بالشبكات الهوائية. و ذكر بوحبيلة حسين رئيس المصلحة التقنية بالخروب و التابعة لمديرية علي منجلي بأن بعض عناصر مصلحته اضطروا لشرب الماء في رمضان الماضي خلال موجة الحر الشديدة التي شهدتها المنطقة في صيف 2012، مضيفا بأن بعض الأعوان الذين تدخلوا لإصلاح عطب مهم على مستوى بلدية ديدوش مراد لم يتوانوا عن قطع الصيام مرغمين بعد ساعات طويلة من العمل تحت أشعة الشمس الخانقة. رمضان 2012أصعب رمضان واجهه أعوان التدخل السريع و عن أصعب مرحلة أو أيام صيام عاشها الأعوان، أجمع عناصر الفريق بأن صيف 2012كان الأكثر قساوة في حياتهم المهنية حتى الآن، حيث أكد رئيس الفريق بأنه لم يعش و زملائه طيلة 10سنوات من الخبرة كابوسا أشبه بذلك الذي أرهقهم السنة الماضية لكثرة الأعطاب التي شهدتها المنطقة باعتبار أغلب الشبكات بالولاية شبكات هوائية معرضة لأشعة الشمس و هو ما يزيد من احتمال تسجيل أعطاب مفاجئة حسبه. وقال الأعوان بأنهم يخرجون صباحا من ديارهم لكنهم لا يعلمون متى يعودون إليها، لأن الأعطاب و التدخلات الاستعجالية تتحكم في أوقات أعمالهم مؤكدين بأنهم قد يضطرون للبقاء خارج البيت أكثر من يوم، مثلما حدث مع العون لعوبي ماهر و زملائه منذ أيام أين أجبروا على العمل في الميدان ليومين متتاليين لعدم تمكنهم من إصلاح عطب مهم بإحدى المناطق. و بدا أثر الإرهاق على وجوه الأعوان لكن ذلك لم يمنعهم من مواصلة مهامهم بكل حيوية و نشاط و بخفة روح قلما نراها في مثل هذه الوظائف الصعبة. و بخصوص تدخلاتهم أردف الأعوان بأنهم يتوّجهون عموما نحو الميدان بمجرّد تلقيهم شكاوي من السكان أو الزبائن فيسرعون بعد اتخاذ التدابير اللازمة من أجهزة و أدوات مناسبة لنوعية العطب، لحل المشاكل المتعلقة بالكهرباء و الغاز، و أحيانا أخرى يتلقون ذلك من المصلحة التجارية بشركتهم. لسعات الشمس الحارقة و العطش لا يقلّلان من عزيمتهم في التصدي للأعطاب و أسر البعض بأنهم لا يخشون خطر السقوط و حوادث الكهرباء في الشهر الفضيل لأنهم يحرصون على احترام التدابير الوقائية الضرورية، لكنهم يخشون العطش و الشعور بالدوار بعد ساعات طويلة من العمل و التدخلات السريعة على مستوى الأعمدة الكهربائية التي كثيرا ما يتراوح طولها بين 15 و 17 مترا خاصة بمولدات بالحقول الكهربائية التي تزيد عن 30ألف فولت، مثلما أكد أحد الأعوان الذي استرسل قائلا بأنه يطلب من أحد زملائه بأخذ مكانه بأعلى العمود، كلما شعر بعدم الراحة و خشي من الدوار و السقوط، مؤكدا تفهمهم لبعضهم البعض و عدم رفض أي كان منهم الاستجابة لطلب الزميل المتعب، بل يحرصون على تقديم المساعدة له أو الإسعافات في حال استدعى الأمر لذلك. و لم يكف الأعوان عن ترديد عبارة "ربي معانا"و هم يتحدثون عن خطر و قساوة الظروف التي يعملون بها سواء أيام البرد و خصوصا في الثلج عندما تتجمد حسبهم أجسامهم أو أيام الحر تحت ألسنة اللهب، و رغم كل ذلك لا يتأخر هؤلاء بشهادة رئيس مصلحتهم عن التطوّع لساعات عمل إضافية حين يستدعي الأمر ذلك لإرضاء الزبائن و تفهمهم لظروف المواطنين الذين قد يبيتون في الظلام إن هم لا يتدخلوا في الوقت المناسب و بشكل استعجالي لإصلاح الأعطاب المسجلة. المواطنون يكرموننا بفطور رمضان و سرد الأعوان الذين تابعنا يوما من أيامهم المهنية الصعبة كيف أن كرم المواطنين في شهر رمضان يخفف عنهم الإحساس بالملل و الاستياء عند إفطارهم خارج البيت، حيث يتسابق المواطنون لتقديم وجبة الإفطار لهم و بالأخص بالمناطق الريفية التي قال عنها العون لعوبي أنه يشعر براحة كبيرة عندما يعمل بها لكرم و جود و بساطة السكان. كما تحدث عن تفضيلهم للعمل بالمناطق التي تكون قريبة من المنابع المائية في مثل هذه الفترة الحارة حتى يتسنى لهم الاغتسال أو على الأقل تبليل المناشف أو قطع قماشية لأجل وضعها على رؤوسهم للتخفيف من حدة الحرارة و التمكن من مقاومتها لعدة ساعات أخرى، معترفا بأن الظروف تحتم عليهم أحيانا البقاء متسلقين على العمود الكهربائي تحت أشعة الشمس الحارقة لحوالي ساعتين. و المداومة من يوم إلى ثلاثة أيام لإصلاح الأعطاب الناجمة عن سقوط الكوابل الكهربائية ذات التيار العالي أو تلف المحولات الكهربائية و العوازل...و غيرها من المشاكل الصعبة.