وجدت نفسي مهمشا في سوق فوضوي يهيمن عليه اللصوص والمرتزقة يرى بأن الساحة الفنية الجزائرية أصبحت سوقا فوضويا يهيمن عليه التجار واللصوص والمرتزقة ويعتبر أغاني الراي بؤر الآفات الإجتماعية، مؤكدا تمسكه بالفن الراقي الملتزم والنظيف ولو بقي رهين المحبسين: التهميش والتغييب ما تبقى من عمره... المطرب والملحن يوسفي توفيق الذي يعتبر من أجل وأقوى الأصوات المتخرجة من مدرسة ألحان وشباب دفعة 1977 طالما تخصص في آداء القصائد والموشحات والأوبيريت الوطنية والتاريخية ومن "انتصرنا" إلى "حيزية" و "قال الشهيد" مساحات للإبداع المميز ثم الصمت...ولم يستسلم، قرر أن يقلب الوجه الآخر من موهبته ويفرض نفسه كمنشط لحصة "سهرة لحباب" وبرنامج "برج الأبطال" بالتليفزيون الجزائري ثم كممثل في المسلسل الثوري الجديد "عيسات إيدير" للمخرج الأردني كمال اللحام...إتصلنا به فكانت هذه الإطلالة على مساره الفني الممتد عبر أكثر من ثلاثة عقود من الزمن وآرائه وأعماله... *النصر: شاهدناك مؤخرا في العرض الأول من المسلسل الثوري الجديد "عيسات إيدير"...حدثنا عن يوسفي توفيق الممثل... -يوسفي توفيق: تقمصت في هذا العمل الجديد دور محام وأظهر في ثلاث أو أربع حلقات فقط...وهذه أول مرة يسند إلي دور في مسلسل تليفزيوني...بالرغم من أن المطرب والممثل شخصية واحدة يتقمص أدوارا بآداء مختلف فالأغنية تتطلب آداء صوتيا بأحاسيس نغمية والتمثيل يترجم موقفا معينا ويزاوج بين الآداء الصوتي والحركات والإنطباعات والأفكار المراد تمريرها لقد قدمت الكثير من أعمال الأوبيريت طيلة مساري الفني وتعتبر نوعا من التمثيل فوق الخشبة إذ تعتمد على سيناريو وحوار ، أتذكر أن أول دور من هذا النوع تقمصته من خلال أوبيريت، "قال الشهيد" للوزير والمدير المبدع عز الدين ميهوبي وألحان محمد بوليفة في سنة 1992 كما أن الغناء تقمص وإنصهار في القصيدة أو الأغنية يعكس خصوصيات وخصائص المطرب الحقيقي وليس المقلد والمزيف. *لماذا غاب يوسفي توفيق المطرب والملحن عن الساحة الغنائية التي اشتعلت فيها المنافسة؟ - أنا موجود... لكن الأضواء لم تسلط علي، تم تغييبي عن الخشبة.. وهي الساحة الفنية الحقيقية التي يواجه من خلالها الفنان جمهوره ويخضع لتقييمه على المباشر.. وليس هذا السوق الفوضوي الذي يستقطب من هب ودب من التجار واللصوص والمرتزقة... فالواقع يؤكد بأن الأصوات غير القابلة أصلا للغناء وما بالك بالتطور والتحسن والتي تسرق وتقلد إبداعات غيرها وحتى بصماتهم الشخصية وتصريحاتهم وأفكارهم هي التي تستقطب الأضواء وتحضير المهرجانات. أما ذوي البصمة المميزة والقيمة الفنية والفكرية فيتم تهميشهم. اللعبة كبيرة والفيروس مستفحل... كل المؤديين يتبنون نفس الأسلوب في الغناء أو بالأحرى في الأداء وكذا في الكلام ولا مجال للعمق، والإبداع والتجديد عندما تطغى الأمور السطحية المفتعلة ويسود الزيف.. اذا أردت أن أتنافس اختار من لديهم نفس الوزن والقيمة لهذا لن أدخل سوقهم. * أنت أحد خريجي مدرسة ألحان وشباب، وارتبط اسمك بأداء الكثير من القصائد والأوبيريت وجميعها ذات بصمة مشرقية... ألم تفكر وأنت ابن الغرب الجزائري يوما في أداء أغاني الراي التي اكتسبت شهرة عالمية؟ - لا ولن أجرب أداء أغاني الراي ولا حتى جملها الموسيقية وألحانها... انها عبارة عن بؤر للفساد والآفات الاجتماعية وتعرض أبناءنا لمخاطر لا حصر لها. ويمكن للباحثين والدارسين أن يثبتوا تورط مؤديها وملحنيها في ذلك، ولو نجحوا في ترويجها في السوق. بخصوص اللون الذي أؤديه أوضح بأنني أؤدي الطابع العربي ولو صنفتم أغنياتي في خانة الأغاني الشرقية هذا يعني أن الأغاني الجزائرية غربية لأن بلادنا لا تقع في المشرق العربي (يضحك)... لقد أديت القصائد والموشحات والأوبيرات، لكنني أديت أيضا الأغاني الكلاسيكية الفولكلورية الحبلى ببصمات البيئة التي تنتمي اليها، من خلال أوبيريت "حيزية" والأغنية السوفية "زينك والله سباني" وغيرهما من الأعمال بينما اللون العربي شامل يحمل الاحساس والفكر العربي من مراكش الى بغداد... أوضح أيضا بأنني ندرومي الجذور، عاصمي الإقامة وأحب وأحترم الأغنية الوهرانية الأصيلة على شاكلة أغاني احمد وهبي ذات اللهجة والنفحات الوهرانية الراقية ولم تتح لي الفرصة لأجربها.. * هل درست الموسيقى أم اعتمدت على الموهبة الخام عندما شاركت في مسابقة ألحان وشباب في السبعينات ؟ مستواي التعليمي متواضع وكانت بداياتي في عالم الفن في سنة 1972 كعازف على الكمنجة ثم التحقت بمعهد الموسيقى المحلي بوهران وبالضبط قسم الأصوات.. كنت اعزف وأغني ضمن المجموعة الصوتية.. ولفت أدائي انتباه أستاذي آنذاك الهاشمي حفيان وله الفضل في مشاركتي في مسابقة ألحان وشباب سنة 1977.. اتذكر أنني أديت موشحا أو موشحين لصباح فخري.. وكانت الانطلاقة.. أول أغنية خاصة كانت وطنية عنوانها "نسمة الحرية" من ألحان الهاشمي حفيان اديتها في أدرار بمناسبة العشرية الاقتصادية.. لقد تم اعتمادي كمطرب بالاذاعة والتليفزيون الجزائري واعددت برنامجا غنائيا ثريا وسجلت بعض الأغاني التي تم بثها مثل "انتصرنا" و"اعتراف" من أشعار سليمان جوادي وألحان نوبلي فاضل * كم عدد ألبوماتك ؟ - الحديث ذو شجون... لدي ألبوم واحد سجلته ومولته على حسابي بمصر لقد كان صديقي وزميلي نوبلي فاضل يدرس بالقاهرة وحمل معه مجموعة من اغنياتي وعندما استمع اليها فنانون هناك نالت اعجابهم وانتقلت الى مصر وساعدني سيد مكاوي لأشارك في مسابقة او امتحان للأصوات ونجحت وتم اعتمادي من طرف الاذاعة والتليفزيون المصري وفي 1990 سجلت أول وآخر شريط لي يضم العديد من الأغنيات من بينها "حنتقابل" و"ماحصليش" وتم تصويرهما وبثهما لاحقا التليفزيون الجزائري.. لقد تعاملت في هذا الألبوم مع عناصر من الفرقة الماسية وتعرفت على كبار الفنانين.. وبعد انطلاع حرب الخليج واجتياح العراق للكويت عدت الى الجزائر.. * هل صادفت مشاكل مع المصريين؟ لا فمن يحترم نفسه يرغم الآخرين على احترامه والاعتراف بقدراته ومواهبه لكن لم يكن التأقلم معهم سهلا. * ما رأيك في تداعيات مباراة كرة القدم بين المنتخبين الجزائري والمصري بالقاهرة في نوفمبر الفارط وكل ما وقع بعد ذلك في منافسات "الكان" ؟ بصراحة لست من عشاق كرة القدم واعتبرها لعبة شيطانية تفسد العلاقات بين الشعوب وتضرم نار الفتنة لقد تأسفت لأن الفنانين المصريين انخرطوا في اللعبة وقالوا كلاما غير لائق عن الجزائريين. وكم تمنيت لو جمع الفنانون الجزائريون شملهم واستدعونا ليكون ردنا فنيا على تهورهم.. فالجزائر فن وتاريخ ورجال ونفتخر بعروبتنا وجذورنا البربرية الأمازيغية. * هل تقصد بالرد الفني ركوب موجة الأغاني الرياضية الخماسية الرائجة هذه الأيام ؟ - الأغاني الرياضية او الوطنية لا تعني أن نشتم الغير.. ومن ركب هذه الموجة بهذه الطريقة لانقتدي به.. ولا أعتبر هذه النوعية تجارية بل فوضوية تزيد نار النزاع وتعكس الجهل واللامسؤولية بينما الأغاني والقصائد الوطنية الراقية والنظيفة تربطني بها علاقة وطيدة منذ بداياتي ويكفيني فخرا أن قصيدة "أنا ابن الجزائر" وهي من تلحيني رافقت أداء القسم الجمهوري من طرف الرئيس بوتفليقة في العهدة. * ألم تفكر في جمع أغانيك الوطنية على الأقل في ألبوم أو ألبومين؟ - أديتها في الحفلات وبثّ بعضها التليفزيون لكن امكانياتي المادية لا تسمح باصدار ألبوم على حسابي.. وفي سوق الفن لا يمكن أن يتبنى الأغاني الملتزمة التجار.. على حساب أغاني الراي التي يجنون منها أرباحا طائلة. * لماذا لا تشارك في المهرجانات؟ - لم أتلق أي دعوة للمشاركة في أي مهرجان وطني ولن أركض خلف المسؤولين وكم أتمنى أن تهتم وزارة الثقافة والتليفزيون الجزائري بالانتاج الجيد والمحترم. * كنت عضوا في لجنة تحكيم الطبعة الأخيرة من مدرسة ألحان وشباب.. ما رأيك في الأصوات المشاركة؟ - لفت انتباهي صوت الطالبة نادية قرفي وكان قابلا للتحسن والتطور لكن أبعدوها فاختل التوازن، أعتقد أن الفائزة بلقب أحسن صوت آمال سكاك تؤدي الأغاني بشكل جيد لكن صوتها غير جميل ولا تملك "الخامة" ولايتحمل المسؤولية أعضاء لجنة التحكيم وحدهم لأن المنافسة تعتمد أساسا على تصويت الجمهور .. والجمهور للأسف الشديد لايفرق بين المؤدي والمغني والمطرب وأشباههم. * وماذا عن يوسفي توفيق المنشط التيلفزيوني؟ - قبل أن أكون منشطا تليفزيونيا خاض تجربتين لا غير في كل من حصة "سهرة لحباب" في رمضان ما قبل الماضي وكذا "برج البطال" قمت بتنشيط العديد من الحفلات الفنية، لقد استفدت كثيرا من الاحتكاك بالفنانين الجزائريين والعرب من مختلف الجنسيات. * ألم تفكر في الهجرة بحثا عن الشهرة؟ - مكثت سنة بمصر وثلاث سنوات بين فرنسا وانجلترا حيث قمت بإحياء العديد من الحفلات في منتصف الثمانينات والى غاية بداية التسعينات مع النجوم مثل فهد بلان وسعاد محمد وعبادي الجوهر وهاني شاكر وغيرهم لكن الهجرة صعبة، فقررت الاستقرار نهائيا في بلادي مهما قست علي. * لو قال لك أحد أبنائك بأنه يريد أن يصبح مطربا ماذا تقول له؟ - أولا أنا متزوج وليس لي أبناء، فالأبناء يحملوننا مسؤوليات كبيرة جدا، وعموما أنا مع حرية الرأي والقرار .. ولا أخفي عليكم بأن مساري الفني صعب لكنني أواصل التحدي والانتظار وأرفض الطرق الملتوية. * مشاريعك؟ - بصراحة.. منذ 6 او 7 سنوات توقفت عن التخطيط وانتظر الفرص المواتية والجيدة ولو أن هناك حساسية كبيرة للأصوات القوية والجيدة في الوسط الفني الجزائري فلا تحظى بالامكانيات والدعم، تظل أمنيتي الكبرى هي أداء "ديو" مع المطربة التونسية أمينة فاخت التي أحييت الى جانبي العديد من الحفلات بباريس ولندن واعتبرها من أفضل وأجمل الأصوات التي تستثمر أحاسيسها في الغناء.