بنيس و زعزع يخطفان الأنظار تألق في سهرة أول أمس فنانان في لونين مختلفين، المالوف القسنطيني والطرب الأندلسي المغربي، وهو ما أعطى لهذه الحفلة نكهة خاصة تذوقها عشاق الفن الأصيل بطعم الروحانية الصوفية التي قدمها المطرب الفاسي عبد الفتاح بنيس ونوبة الماية بروحها الصلدة من صلابة الصخر العتيق التي قدمها المطرب طارق زعزع. اليوم الثالث من فعاليات المهرجان الثقافي الدولي للمالوف الذي يحتضن طبعته الرابعة المسرح الجهوي بقسنطينة كان فضاء لهذا الثنائي الذي تغنى بألحان مستخلصة من المدرسة الزريابية التي ألهمت عازفي العود بأروع الإيقاعات، حيث أبحر الفنان طارق زعزع بمحبيه في خلجان نوبة الماية عبر قصيد "فاح الزهر فاح" وقد أدت فرقته معزوفات على مختلف الآلات من الكمان إلى الطار وحتى العود. وأظهر الفنان قدرة على أداء الأغنية الكلاسيكية التي تعد ميدانه الأصيل منذ نعومة أظافره، فغنى بعربية فصحى "طير الأياك صاح، أقبل الصباح والليل ولى، ما ظل صباح وأحنا في أنشراح، ما بين اللقاح والورد يحلى" إلى أن يقول "سيد الملاح يهدي الكأس براح، ويداوي الجراح من هو في غلة" وكان الجمهور ذواق لهذه الأبيات الشعرية الأصيلة التي أداها على إيقاع وصلات موسيقية خفيفة. وفي الوقت الذي كان يؤدي فيه المطرب طارق زعزع أغانيه، كانت فرقة عبد الفتاح بنيس في الكواليس تتهيأ للاختبار أمام جمهور سماعي يملك إحساس رهيف في مجال التراث. وبعد فترة الراحة بين الجزئين دخلت الفرقة الفاسية بلباسها التقليدي تحت تصفيقات الجمهور القسنطيني الذي كان ينتظر بشغف أبناء فاس لاكتشاف الأغنية الصوفية الأندلسية التي تمتد جذورها في العاصمة الروحية للمغرب مدينة فاس وأدت الفرقة مقتطفات نوبة الرصد من نغمة مغاربية أصيلة وتعرف هناك بإسم (رصد القناوي) وكانت البداية بانصراف، تبعته ببطايحي ثم تلته بميزان قدام، وختمت العرض الغنائي إنشاد من طبع الرصد وموال يبرز الخصوصية الموسيقية المغربية التي قال عنها المطرب بنيس أنها تختلف جذريا عن المالوف القسنطيني وحتى الأندلسي المتداول في الجزائر. وكانت آلة العود تحتكر الجلسة الفاسية رغم وجود بعض الآلات، ولكن لم تكن بالشكل الذي ظهر به العود، وقد تجاوب الجمهور الذي تتبع العرض حتى نهايته، وككل مرة تمنح محافظة المهرجان للفرق الدرع والشهادة الشرفية. ومن جهة أخرى انطلقت الورشات التكوينية، حيث أعطى محافظ المهرجان الأستاذ جمال فوغالي إشارة البدء بملحقة المعهد الجهوي للموسيقي بالمركز الثقافي بن باديس، ويشرف عليها كل من الاستاذ سمير بوكريديرة والاستاذ جمال سمار. كما أحتضن المسرح الجهوي على هامش المهرجان أول محاضرة حول "مراحل تصنيع العود الرمل" قدمت من طرف مختص من إسبانيا هو كارلوس بانياغوا. فيما يعرف المعرض الفني توافد العديد من محبي التراث وذلك لأكتشاف مختلف الآلات الموسيقية التقليدية مثل الناقرة والطار النحاسي وغيرها من الآلات التي صنعت الموسيقى الكلاسيكية.