الوداع الصعب لوحيد حليلوزيتش إذا كان ملايين الجزائريين قد تأثروا بإقصاء «الخضر» من ثمن النهائي المونديال بعد المباراة البطولية التي قدمها النجم مبولحي « و باقي الأبطال أمام ألمانيا و التي كانوا فيها قريبين من صنع «ملحمة تاريخية « أخرى، فإن المشهد الذي زاد في «تراجيدية « الإقصاء تلك الصور التي صنعها المدرب وحيد حليلوزيتش عندما أجهش بالبكاء من شدة التأثر بلحظة الفراق، لأن مواجهة «الألمان « كانت نقطة النهاية لمسيرته مع المنتخب الجزائري، رغم أنه كسب الرهان و أصبح مطلبا جماهيريا للبقاء على رأس «الخضر»، لكن «الكوتش فاهيد» أعلن عن قرار رحيله مباشرة بعد إنتهاء «الملحمة «الجزائرية بالأراضي البرازيلية، تاركا الجميع يتحسر، معتبرا الإنسحاب في هذه الظروف خسارة كبيرة للكرة الجزائرية، لأن هذا المدرب «عالمي» و أثبت دهاءه في هذا المونديال، بلمساته التكيتيكية، و التغييرات الكثيرة التي قام بها من مباراة لآخرى، مراعيا نقاط قوة و ضعف المنافسين، و مدرب «الألمان « لوف رفع قبعة «التحية « لحليلوزيتش و القراءة الجيدة لفريقه . حليلوزيتش الذي لم يتمكن من تمالك نفسه من شدة التأثر بعد نهاية مباراة سهرة أمس الأول إضطر إلى مقاطعة الندوة الصحفية التي كان من المقرر أن ينشطها بعد اللقاء، لأنه لم يكن قادرا على الكلام و الرد على اسئلة الصحافيين في « لحظة الوداع «، حيث فضل الإعتكاف مع لاعبيه في غرف تغيير الملابس بملعب بييرا ريو بمدينة بورتو أليغري، غير مبال بالعقوبات المالية التي ستسلطها عليه الفيفا، حيث كانت لحظات جد مؤثرة، لأن «فاهيد» كشف عن مشاعر جياشة تدل على تعلقه الكبير بالمنتخب الذي كان بمثابة العائلة الكبيرة التي أنسته «الغربة « في الجزائر، إلى درجة أنه أصبح «رب الأسرة» الذي يعتبر اللاعبين أبناءه الأوفياء، حيث إحتضنهم واحدا واحدا و بكى بين أحضانهم بحرقة كبيرة، و كأنه لم يكن يتصور أن يأتي اليوم الذي سيكون فيه «الفراق « حتميا بين هذا المجموعة التي تعب في بنائها على أسس صحيحة. بنى منتخبا صنع الأمجاد بعد فترة إنهيار دموع حليلوزيتش و التي أجبرت الكثير من الجزائريين على البكاء معه كانت عرفانا من هذا «الباتريوت « البوسني بجميل الكرة الجزائرية التي مكنته من تحقيق حلم حياته، رغم أنه كان بالمقابل صانع «الحلم « الذي إنتظره «الخضر» على مدار 32 سنة، بالتأهل إلى ثمن نهائي المونديال، و لو أن مسيرة التقني الفرانكو بوسني مع المنتخب الوطني عرضته لموجة من الإنتقادات سواء من طرف التقنيين و حتى الجماهير فضلا عن تعرضة لحملة إعلامية شرسة، بدليل «سيناريو « المباراة الأولى في هذا المونديال ضد بلجيكا، حيث حملت الأغلبية حليلوزيتش كامل المسؤولية في الهزيمة، مع إنتقاد طريقة لعبه و كذا الخيارات التي راهن عليها، إلى درجة أن السواد الأعظم من الجزائريين تشاءم بخصوص مستقبل «الخضر « في هذه التظاهرة، لكن هذا الإنتقادات سرعان ما تحولت إلى عبارات مدح و ثناء، لأن منتقدين « فاهيد « أصبحوا يشيدون بقدراته و دهائه بعد النجاح في الفوز على كوريا ثم التأهل إلى ثمن النهائي، قبل أن يرتقي إلى مصاف «بطل قومي» بعد المردود البطولي الذي قدمته التشكيلة الوطنية في مباراة ألمانيا، و الذي أكد من خلاله على أن حليلوزيتش نجح في بناء منتخب متكامل، بعدما أحسن الإستثمار في الفرديات الجزائرية لتشكيل مجموعة منسجمة، أصبحت لها مكانتها في الخارطة الكروية العالمية، بعدما كان «الخضر» و إلى وقت ليس ببعيد غير قادر على الصمود أمام إفريقيا الوسطى و تانزانيا، لكن لمسة «فاهيد» إتضحت بصورة جلية على النخبة الوطنية، سيما من الناحية التكتيكية. نبذ النجومية و فرض صرامة كبيرة لتشكيل مجموعة مستقبلية رحيل حليلوزيتش و إن ترسم مباشرة بعد إنتهاء المغامرة في المونديال فإنه لن يمحي إسم هذا الرجل من السجل الذهبي للكرة الجزائرية بفضل الإنجازات التي حققها، لأن هذا المدرب وضع منذ توليه المهمة في جويلية 2011 خارطة طريق بحثا عن إنجازات تاريخية، و لو أن فترة شروعه في عمله كانت هي السوأ في تاريخ «الخضر»، لكن إيمان «الكوتش فاهيد» بقدراته جعلته يترك أولى بصماته على المنتخب، بفرضه الإنضباط وسط المجموعة، مع نبذ «النجومية» و التركيز بالأساس على الجدية و الصرامة في التربصات و التدريبات، و هي مواقف كشف عنها في أول تربص، قبل ان يقوم بعملية غربلة واسعة وسط التعداد، بإبعاد بعض اللاعبين الذين كانوا من ركائز المنتخب أمثال زياني، شاوشي و بودبوز، مع إعلان البعض الآخر عن الإعتزال دوليا، في مرحلة كان فيها حليلوزيتش بصدد بناء فريق مستقبلي، لأن هدفه الأول كان البحث عن التأهل إلى مونديال البرازيل، فأدمج عناصر شابة ضمن التعداد، و معياره الوحيد كان الجاهزية و القدرة على تقديم الإضافة المطلوبة للتشكيلة، لأنه عمل على تغطية النقائص التي كانت تعاني منها الكرة الجزائرية، سيما العقم الهجومي، فضلا عن تشكيله مجموعة متكاملة تتسلح بروح وطنية عالية. رفض تجديد عقده مع الفاف ليخرج في ثوب «البطل» هذا و قد ظل حليلوزيتش «الثائر» ذلك الرجل المغضوب عليه من طرف أغلب وسائل الإعلام الوطنية، سيما منها الصحافة المتخصصة، بسبب رفضه الإدلاء بتصريحات خارج الطابع الرسمي، كما أن خياراته كانت محل إنتقادات من طرف عديد التقنيين، لكن «فاهيد» أثبت بأنه صاحب شخصية قوية، مستمدة اساسا من روح «الباتريوت « الذي كان قد حمل السلاح للدفاع عن البوسنة في الحرب الأهلية ضد «الكروات»، لأنه أصر على مواصلة فتوحاته مع المنتخب الجزائري و التركيز على العمل الميداني، غير مبال بما يقال عنه في المحيط الخارجي، و لو أن علاقته مع رئيس الفاف محمد رواوة عرفت توترا كبيرا لما طرحت قضية تجديد العقد بين الطرفين، لأن حليلوزيتش أرجأ الحسم في مستقبله إلى ما بعد المونديال، لكن روراوة أمهله على مدار 4 اشهر إلى غاية أفريل الماضي، كونه فكر بجدية في مستقبل المنتخب بعد المونديال، بالنظر إلى الإستحقاقات الرسمية، لكن تعنت حليلوزيتش في الرد على عرض الفاف دفع بمسؤوليها إلى التعاقد مع كريستيان غوركوف كخليفة للكوتش فاهيد، و هو إجراء لم يكن كافيا لزعزعة التقني الفرانكوبونسي، بل زاده إصرارا على رفع التحدي و المساهمة في صنع ملحمة تاريخية في المونديال، واضعا بذلك رئيس الفاف في موقف حرج، لأن دموع الوداع التي ذرفها حليلوزيتش قابلها تصاعد الأصوات للمطالبة بضرورة إقناع هذا المدرب بالبقاء على راس «الخضر» إعترافا بالعمل الكبير الذي قام به على مدار 3 سنوات، ليخرج «فاهيد « من الجزائر في ثوب «البطل» و «صانع الأمجاد» بعد مسيرة كان فيها عرضة لإنتقادات شرسة، لكن صرامته في العمل و عدم السماح لأي كان بالتدخل في صلاحياته و كذا الشخصية القوية كانت أبرز أسلحته التي أجبرت كل من ظل يلح على رحيله ينقلب في آخر أسبوع إلى مطالب بضرورة التمسك بخدماته، لأن رحيل حليلوزيتش يعتبر خسارة كبيرة للمنتخب الجزائري، لكن روراوة الذي طالما تحدث عن الإستقرار و الإستمرارية في العمل فكر في مستقبل المنتخب فوجد نفسه مرغما على تعيين مدرب جديد تحسبا لتصفيات «كان 2015»، لتبقى العلاقة بين الرجلين حميمية حتى بعد ترسيم الطلاق. صالح فرطاس وضع بصمته على المنتخب «فاهيد» أدخل الكرة الجزائرية التاريخ في مغامرة دامت 1093 يوما قضى المدرب وحيد حليلوزيتش 1093 يوما على رأس العارضة الفنية للمنتخب الجزائري، و ذلك وفقا للعقد الذي كان قد أبرمه مع الفاف في الفاتح جويلية من سنة 2011، و إنتهى سهرة أول أمس ضد ألمانيا في ثمن نهائي المونديال، في أفضل نهاية لمسيرة مدرب عالمي يقود «الخضر» نجح في تحقيق الأهداف التي كانت مسطرة في عقده، و بالتالي تجسيد حلم ملايين الجزائريين ببلوغ ثمن النهائي. و بلغة الأرقام نجد و أن المنتخب الوطني لعب تحت قيادة حليلوزيتش 30 مباراة، تبقى الأغلى منها 4 مقابلات تندرج في إطار نهائيات كأس العالم، و ثلاثة أخرى في نهائيات كاس أمم إفريقيا، مع إجراء 8 لقاءات في تصفيات المونديال و 8 أخرى كانت في تصفيات «الكان « على مرحلتين، و قد فاز «الخضر» تحت قيادة «الكوتش فاهيد « في 19 مواجهة، منها 13 في إطار رسمي، و الأكيد أن أكبر إنجاز كان الإنتصار التاريخي المحقق على كوريا الجنوبية في مونديال البرازيل، مقابل تسجيل نتيجة التعادل في 5 مباريات، واحدة منها في المونديال مع روسيا و الآخر في «كان 2013» ضد كوت ديفوار، بينما تلقت النخبة الوطنية الهزيمة مع حليلوزيتش في 7 مقابلات، كانت إثنتان منها في نهائيات كاس العالم على يد كل من ألمانيا و بلجيكا، و هي نفس الحصيلة المسجلة في نهائيات كاس أمم إفريقيا بعد الإنهزام أمام تونس و الطوغو، مع تجرع مرارة الهزيمة في مناسبتين في تصفيات المونديال ضد كل من مالي و بوركينافاسو، في حين لم ينهزم المنتخب الجزائري في لقاءاته الودية مع حليلوزيتش سوى مرة واحد ضد البونسة. إلى ذلك فقد ترك «فاهيد « بصمة جليه على طريقة لعب المنتخب، حيث جعل التشكيلة الوطنية تعتمد على أسلوب لعب مبني على التمريرات القصيرة و تجنب اللعب المباشر، مما ساعد بعض العناصر الوطنية على إظهار قدراته الفنية الفردية، مع التحسن الكبير في العطاء الهجومي، لأن هذا المدرب راهن على سليماني و سوداني لفك العقدة التي لازمت القاطرة الأمامية لسنوات طويلة، كما أن التنويع في البناء الهجومي فسح المجال أمام باقي اللاعبين لهز الشباك، حيث أن المنتخب الوطني سجل مع حليلوزيتش 56 هدفا في 30 مقابلة، في حين لم يتلق الدفاع 27 هدفا. و بصرف النظر عن الأرقام القياسية التي حطمها «الخضر « مع حليلوزيتش في مونديال البرازيل فإن الجميع وقف على لمسة هذا المدرب على التشكيلة، لأن الأداء الجماعي أخذ منحى تصاعدي من مباراة لأخرى في نهائيات كاس العالم، و حليلوزيتش هوم المدرب الوحيد الذي قام بخمسة تغييرات على التشكيلة الساسية في مناسبتين في دذورة البرازيل، و مع ذلك فإن هذه التعديلات التكتيكية إنعكست بافيجاب على آداء المجموعة، ليدخل التاريخ عبر أوسع الأبواب بتسجيل تواجده كمدرب «داهية « في المونديال، مع تحقيقه حلم الجزائريين بالمرور إلى ثمن النهائي. ص / فرطاس بوقرة يشيد بعمل حليلوزيتش و يصر على تكريمه في حفل كبير إعترف قائد المنتخب الوطني مجيد بوقرة بالفضل الكبير للمدرب حليلوزيتش في الإنجاز الذي حققته الكرة الجزائرية في مونديال البرازيل، و أكد في الندوة الصحفية التي نشطها عقب مباراة سهرة أمس الأول بان اللاعبين يعتبرون «فاهيد « بمثابة « رب العائلة في المجموعة التي شكلها على مدار 3 سنوات، و أنهم لن ينكروا الجميع، حيث قرروا كما قال « تنظيم حفل وداع كبير لهذا المدرب سيقام بعد عودة المنتخب إلى أرض الوطن، لأن حليلوزيتش قام بعمل كبير و يستحق حفلا يليق بمقامه كصانع أفضل إنجاز في تاريخ الكرة الجزائرية». بوقرة أعلن عن قرار رحيل حليلوزيتش بصفة رسمية ، حيث اشار إلى أن مهمة التقني الفرانكو بوسني على رأس المنتخب الجزائري إنتهت مباشرة بعد إنتهاء لقاء ألمانيا، واصفا الأجواء التي عايشها اللاعبون مع هذا المدرب في غرف تغيير الملابس كانت جد مؤثرة، لأن الجميع ذرف الدموع، ليس من التأثر بالإقصاء، و إنما لوداع الرجل الذي ضحى بالكثير من أجل تشكيل منتخب شرف الجزائر في أكبر تظاهرة كروية عالمية، و عليه فقد أصر «الماجيك « على ضرورة الإعتراف بجميل حليلوزيتش، و ذلك بإقامة حفل كبير على شرفه يجعله يغادر الجزائر بأغلى صور في حياته. هذا و اشار مصدر من محيط المنتخب بالبرازيل إلى أن يقام الحفل بمركز سيدي موسى مساء اليوم، لأن هذا المركز يعد بمثابة المنزل الذي كان يجمع أفراد المنتخب، و ظل حليلوزيتش يفضل إقامة التربصات فيه، مما يعني بأنه المكان الذي قضى فيه «فاهيد» أطول فترة بالجزائر، بعدما عمد إلى العزوف عن فكرة إقامة تربصات بفرنسا .