يرى المؤرخ والمختص في الاستعمار الفرنسي في الجزائر جيل مانسيرون في حديث ل (وأج) أنه للتوصل إلى رؤية متسامحة مع الماضي ينبغي تجاوز هذا الاجترار للذكريات الجريحة وقبول البحث التاريخي الحر. سؤال: خمسون سنة مرت على توقيع اتفاقيات افيان ولم "نتوصل بعد إلى تجاوز "الخلاف التاريخي" بين الجزائروفرنسا. هل "رسخ" الاتفاق المبرم في افيان السلم بين البلدين بصفة نهائية؟ جواب: اذا كانت اتفاقيات افيان قد اقرت نهاية الحرب بين الجيش الفرنسي وجيش التحرير الوطني فقد فسحت المجال لحرب الذاكرة التي تواصلت منذ خمسين سنة. وبما انها لا تقول شيئا عن اسباب هذه الحرب ولا عن شرعية كفاح احد من طرفي النزاع استمرت كل التاويلات المختلفة. لقد كان الامر الملح وقف الحرب. وفي هذه الظروف احتفظ المجتمع الجزائري بذكريات العنف الاستعماري وفي المجتمع الفرنسي استمرت الاوهام القديمة حول "العمل الفرنسي الحضاري" وكذا الانكار الرسمي لجرائم الاستعمار. لقد كان التيار المناهض للاستعمار في المجتمع الفرنسي يمثل اقلية قليلة سنة 1962. ولم تاتي اية كلمة رسمية لتسانده. سؤال: وغداة التوقيع على الاتفاقيات تواصلت عمليات سفك الدماء اغلبها من تدبير المنظمة المسلحة السرية. وبالرغم من أن الاتفاقيات كانت تتضمن "ضمانات" ازاء الأوروبيين للبقاء في الجزائر أو مغادرتها تواصلت المواجهات. هل عدم وضع سلطة للسهر على التطبيق الصارم لوقف اطلاق النار كان السبب الوحيد؟ جواب: لقد رفضت المنظمة المسلحة السرية استقلال الجزائر وعملت على منع المسار الانتقالي الذي تضمنته اتفاقيات افيان. ومع تنفيذها للاعتداءات الارهابية التي قتلت العديد من المدنيين الجزائريين هددت بقاء عدد كبير من الاقدام السوداء في الجزائر. كان ينوي متفاوضو افيان ابقاء حوالي 400 الف من الاقدام السوداء وبقي اقل من 200 الف مهنم في نهاية سنة 1962. ومن خلال هجومها على الحكومة المؤقتة التي كانت ستنظم الانتقال إلى الاستقلال هددت المنظمة المسلحة السرية مستقبلهم في الجزائر. لكن ذلك ليس السبب الوحيد الذي حال دون تطبيق الاتفاقات. فقد تضمنت الاتفاقيات "ضمانات" لفائدة الاوروبيين. لكن برز تيار يدعو إلى هوية جزائرية تقوم على الاسلام واللغة العربية فقط -كان يمثل اقلية في صفوف جبهة التحرير الوطني منذ البداية وانتقد خلال مؤتمر الصومام في اوت 1956- ما فتئ يزداد اهمية مع استمرار الحرب واحتدام اعمال العنف بين المجموعات. ولم يكن يريد هذا التيار أن يستقر عدد هام من الاوروبيين في الجزائر المستقلة. سؤال: اليوم تواصل فرنسا انكار بعض الجرائم الاستعمارية في الجزائر. هل الاعتراف من طرف الجمهورية بماضيها غير المشرف هو الشيئ الوحيد الذي من شانه ان ياتي بنظرة متسامحة تجاه هذه الحرب وبالامل في مستقبل افضل للبلدين وللشعبين . وماهي في نظركم الاسباب التي تدفع الرئيس ساركوزي إلى الاستمرار في الانكار (لا سيما خطاب بربنيون) مغازلا الذين يحنون للجزائر الفرنسية والذين ينتمون اساسا لليمين المتطرف؟ جواب: لقد اختار الرئيس ساركوزي ولهدف انتخابي محض البحث عن دعم الجزء من الرأي العام الذي بقي متمسكا بالاستعمار. مما ادى به إلى اعادة احياء الخطابات العنصرية و الاستعمارية -فيما لم تكن هذه الفئة من الراي العام قبل عشرين سنة ذات تاثير كبير ضمن القوى السياسية للبلاد- و بعد قانون 2005 حول "الاستعمار الايجابي" ظهرت سنة 2007 خطابات الرئيس ساركوزي حول "رفض الاعتذار". بعد 50 سنة من انتهاء حرب الجزائر فاننا نشهد عودة الاحقاد القديمة الا ان الذين يعبرون عنها ليس لهم تاثير امام ارادة الاجيال الجديدة في الفهم و عمل المؤرخين و جهود عديد الجمعيات. و من اجل تحقيق تقدم نحو تصور متسامح للماضي ينبغي تجاوز هذا الاجترار للذكريات الجريحة و قبول البحث التاريخي الحر بعيدا عن كل استغلال رسمي و حتى يتم تطوير معرفة على اساس تصورات مشتركة لمؤرخي البلدين.