يواجه المؤتمر الوطني الليبي العام (البرلمان) الذي تسلم مهامه الدستورية رسميا تحديات كبيرة للنهوض بليبيا وإعادة الأمن والاستقرار إلى ترابها. ويتولى المؤتمر الوطني العام الذي تسلم مقاليد السلطة أمس الأربعاء اختيار حكومة جديدة لتحل مكان المجلس الوطني الانتقالي الذي حكم البلاد عقب سقوط نظام الراحل معمر القذافي والذي من المفترض أن يتم حله أثناء الجلسة الأولى للمؤتمر الذي توكل إليه أيضا مهمة إعداد دستور جديد للبلاد وعرضه للاستفتاء على الليبيين. وقد سلم رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل مساء أمس في طرابلس السلطة "رمزيا" إلى أكبر عضو سنا في المؤتمر الوطني الذي أصبح الممثل الشرعي للشعب الليبي في انتظار انتخاب رئيس له في وقت لاحق يوم الخميس. واعتبر عبد الجليل أن "المجلس قد استطاع أن يخرج ليبيا من مرحلة التحرير إلى مرحلة بناء الدولة بفضل التفاف الشعب الليبي حوله". ومن جهته أشاد الرئيس المؤقت للمؤتمر الوطني محمد علي سليم بجهود المجلس الوطني المبذولة طيلة الفترة الماضية لضمان الانتقال السلمي للسلطة في البلاد وتحقيق الأمن والاستقرار. وتعهد علي سليم ب "تحقيق الأهداف التي ضحى من أجلها الشعب وتطلعات وآمال المواطنيين والمحافظة على المكتسبات التي حققها الآباء والأجداد لاستقلال ليبيا والوقوف صفا واحدا من أجل الدولة والدفاع عن وحدتها". وكان المؤتمر الوطني الليبي الذي يتألف من 200 مقعد قد انتخب في ال7 جويلية الماضي في أول انتخابات عامة تشهدها ليبيا منذ أكثر من 40 عاما وبعد ثمانية أشهر من سقوط نظام القذافي. وقد أعلن عضو المؤتمر الوطني الليبي محمد المقريف أن "أعمال المؤتمر ستنطلق اليوم الخميس لانتخاب رئيس له ونائبيه مشيرا إلى أن أعضاءه دعوا أمس إلى عقد أول اجتماع رسمى له إلا أنه تم تأجيله إلى اليوم" فيما أكدت وكالة الأنباء الليبية "وال" أن الموتمر "سيبدأ أعماله رسميا هذا الاسبوع". للتذكير فإن المجلس الوطني الانتقالي كان قد استلم زمام الأمور في البلاد عقب تأسيسه في ال27 من شهر فبراير من العام الماضي حيث نال العديد من الاعترافات الدولية وأعلن عن تحرير البلاد في ال23 من أكتوبر العام الماضي بعد حرب دامت قرابة التسعة أشهر. ونص الإعلان الدستوري المؤقت للبلد والذي وضع عقب الثورة على انتخاب المؤتمر الوطني العام ليتولى السلطات لمدة عامين يكتب خلالها الدستور الدائم للبلد ويعد لانتخابات لمرحلة الاستقرار. وشهدت ليبيا بعد الثورة حكومتين كان أولها حكومة محمود جبريل الذي رأس تحالف القوى الوطنية فيما بعد وحصد 37 مقعدا من أصل 80 للقوائم السياسية وعددا من المقاعد الأخرى للمستقلين فيما رأس الحكومة الانتقالية الثانية عبدالرحيم الكيب الذي ستستمر حكومته لتصريف الأعمال شهرا بعد تسمية رئيس وزراء الحكومة الانتقالية الثالثة للبلد. ويواجه المؤتمر الوطني الليبي تحديات كبيرة في شتى المجالات للنهوض بليبيا وتحقيق الاستقرار على ترابها بعد ما خلفته ثورة ال17 فيفري 2011 من دمار وانفلات أمني. أهم هذه التحديات العمل على إعادة استتباب الأمن في البلاد التي شهدت مؤخرا أعمال عنف لا مثيل لها تراوحت بين نزاعات قبلية وأعمال إرهابية تسببت في زعزعة استقرار البلاد. فقد عرفت ليبيا شهر أفريل الماضي اشتباكات قبلية دامية جنوب البلاد راح ضحيتها أكثر من 600 شخص تطلبت تدخل السلطات من أجل التوصل إلى إبرام هدنة بين الأطراف المتناحرة لوضع حد لسفك الدماء. كما شهدت مؤخرا عددا من الأعمال الارهابية على غرار الهجوم الذي شهدته طرابلس السبت الماضي والذي استهدف مقر للشرطة العسكرية ناهيك عن الكميات الهائلة من الأسلحة المتداولة منذ الثورة والتي تثير المخاوف الدولية والداخلية والتي يتوجب على المؤتمر إخلاء البلاد منها لحماية المدنيين. فقد حذر تقرير نشرته جامعة "هارفرد" بالولايات المتحدةالأمريكية الخميس الماضي من "الخطر الكبير" الذي يواجهه المدنيين الليبيين بسبب وجود أسلحة وذخائر داخل مناطق سكنية ومن دون أي اجراءات حماية بعد أن أهملت عقب النزاع الذي شهدته البلاد خلال السنة الماضية. فيما أعرب المرصد الليبي لحقوق الإنسان الجمعة الماضية عن قلقه الشديد إزاء تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا داعيا إلى عودة كافة أجهزة وزارة الداخلية بما فيها أجهزة البحث الجنائي والإستخبارات المختلفة. وفي انتظار تشكيل الحكومة الجديدة في ليبيا وما ستثمر عنه جهودها لاصلاح الوضع في البلاد فإن السلطات الليبية أكدت مرة أخرى من خلال تسليم المؤتمر الوطني لهامه في موعدها المحدد حرصها على السير في طريق الديموقراطية الحقيقية والانتقال السلمي للسلطة وذلك بعد انجاح أول موعد انتخابي ديموقراطي شهر جويلية الماضي.