تشهد الساحة السياسية التونسية جدلا واسعا حول تاريخ انتهاء شرعية المجلس التأسيسي والحكومة الانتقالية المنبثقة عنه لدرجة أن المعارضة اعتبرت أن البلاد" ستدخل" مجددا في حالة اللاشرعية بعد 23 أكتوبر المقبل التاريخ المحدد لإتمام صياغة الدستور. وفي هذا الشأن دعا القيادي في الحزب" الجمهوري" المعارض عصام الشابي إلى " ضرورة إيجاد توافق" بين الأحزاب الحاكمة وبين المعارضة حول المسائل ذات الأهمية الكبرى والمتعلقة بمستقبل البلاد قبل يوم 23 أكتوبر 2012 "لتفادي" الوقوع في مأزق. ووجه الدعوة إلى كل الأحزاب السياسية للانضمام إلى مبادرة حزبه المتمثلة في التحاور خاصة في موضوع النظام السياسي المستقبلي لتونس والقانون الانتخابي وتشكيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وموعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة. ويرى رضا بلحاج الناطق الرسمي باسم حركة" نداء تونس" - التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي - أن تاريخ عمل المجلس التاسيسي قد حدد بسنة واحدة أي أن شرعيته" ستنتهي "يوم 23 أكتوبر القادم ومن هنا فان الالتزام بهذا الموعد يعتبر أمرا " أخلاقيا" يجب احترامه. وأوضح أن انتهاء الشرعية تستدعي التوصل إلى " حل توافقي" لإنجاح المرحلة الانتقالية الثانية وذلك قبل 23 أكتوبر القادم عبر" تكريس " الشرعية التوافقية" وتحديد" تاريخ مضبوط للانتخابات المقبلة . واعتبر حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" أن لاشرعية تعلو فوق شرعية الثورة التي أطاحت بالنظام السابق وان الحكومة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية " تفقد" مصداقيتها الأخلاقية والسياسية بعد تاريخ 23 أكتوبر 2012 . بيد أن سمير ديلو الناطق الرسمي باسم الحكومة الانتقالية التي تقودها حركة" النهضة الإسلامية " شدد على أن المجلس التأسيسي والحكومة " سيستمران " في عملهما حتى بعد يوم 23 أكتوبر. وبين أن كل ما تروج له المعارضة من زوال شرعيتهما في نفس التاريخ هو كلام " يخلو من الصحة " مبرزا أن عمل المجلس التاسيسي " سينتهي " بالمصادقة على الدستور وان عمل الحكومة " سينتهي" بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات المقبلة وليس قبل ذلك . ويرى أن الأطراف التي تدعو إلى مااسمته ب " الشرعية التوافقية " تسعى إلى" ضرب "الشرعية الانتخابية الحالية "وافراغها " من صلاحيتها. ولئن التزمت رئاسة المجلس الوطني التأسيسي بتاريخ 23 أكتوبر المقبل للانتهاء من إعداد الدستور فانها لمحت بان المرحلة الانتقالية" لن تنتهي "في نفس اليوم متعهدة ب "إيصال " المرحلة الانتقالية إلى منتهاها بعد وضع دستور جديد ودخوله حيز التنفيذ ومباشرة المؤسسات المنبثقة عنه لمهامها. وراح الرئيس التونسي محمد المنصف المروزقي في نفس الاتجاه عندما أعلن عن خارطة طريق للمرحلة المقبلة في بلاده ترمي إلى " الالتزام " بالمواعيد الهامة التي من بينها" الانتهاء" من صياغة مشروع الدستور المرتقب قبل نهاية عام 2012 "وإجراء" الانتخابات العامة في شهر مارس 2013 في الوقت الذي تلح فيه المعارضة بان تاريخ انتهاء الشرعية سيكون يوم 23 أكتوبر وليس في الربيع القادم. ولم يكن موقف حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة والأمين العام لحركة النهضة الإسلامية مخالفا حيث ابرز أن حكومته تعمل "جاهدة" من اجل إجراء الانتخابات المقبلة في 20 مارس القادم معتبرا أن الأشهر المقبلة ستكون "هامة وحاسمة لاستكمال الثورة وحمايتها من الثورة المضادة " حسب تعبيره. وبين أن النجاح في المرور من المرحلة الانتقالية الثانية إلى الوضع المؤسساتي القار سيكون من خلال "بوابتين أساسيتين هما الدستور التوافقي والانتخابات الحرة والنزيهة" . وأمام هذه المعضلة التي تهدد بحصول أزمة دستورية في البلاد تدخل خبراء القانون الدستوري الذين أصر أغلبهم على أن الشرعية القانونية تبقى " قائمة" بحلول تاريخ 23 أكتوبر بما أن المجلس التأسيسي هو "سيد نفسه " لكن الشرعيتين السياسية والأخلاقية " تنعدمان " بما أن كتابة الدستور لا تتطلب كل هذه المدة الزمنية وبالإمكان الانتهاء من صياغته في فترة لا تتجاوز بضعة أشهر دون أن الحاجة إلى إثارة المعارضة وإدخال البلاد في أزمة. ويبقى العامل الآخر الذي زاد في حدة الخلافات بين الأطراف السياسية يكمن في طبيعة النظام السياسي الذي سيتم اعتماده في الدستور المرتقب وسط إصرار من حركة النهضة الإسلامية- التي تحتل أكثر من ثلث مقاعد المجلس على "تبني" النظام البرلماني" المحض "في حين ترافع بقية الأحزاب السياسية على" نظام رئاسي معدل " ينتخب فيه رئيس الدولة مباشرة من الشعب ويتمتع بصلاحيات حكم حقيقية.