كانت هجمات ال 20 أوت 1955 بولاية سكيكدة رسالة مباشرة للمستعمر الفرنسي مفادها أن الشعب الجزائري لا يريد بديلا عن الإستقلال نظرا للصمود الشعبي القوي والإلتحاق الجماعي بصفوف جيش التحرير الوطني حسب ما أكدته شهادات مجاهدين وشهود عيان. وفي هذا الصدد أوضح المجاهد علقمي علاوة المعروف باسم "بكوش علاوة " (83 سنة) من العمر و الذي كان قائدا لأحد الأفواج المنظمة في تلك الهجمات أن "فرنسا أدركت جيدا بأنها أصبحت تواجه حربا فعلية بعد التنظيم المحكم الذي ميز الهجمات على مختلف الأماكن الحساسة للمستعمر". والأكثر من ذلك -يقول المتحدث- أن فرنسا لاحظت بما لا يدع مكانا للشك بأن الشعب إحتضن فعلا الثورة التحريرية فلجأت طيلة الأيام الموالية لتلك الهجمات إلى جمع الأسلحة وبنادق الصيد من السكان مع إنتهاج أبشع الممارسات و الأساليب الوحشية ضد كل المواطنين انتقاما منهم وبرز ذلك من خلال القتل الجماعي للنساء والأطفال والشيوخ والقصر وذلك عبر مواقع عديدة بالمنطقة. وبالنسبة للمشاركين في تلك العمليات فقد كانت لديهم قناعة كبيرة و ثقة تامة بأن الجزائر لم تعد بعيدة عن ساعة استقلالها -حسب ما ذكره نفس المصدر- لافتا الى أن الشعار المرفوع حينها هو " الإستشهاد أو الإستقلال وذلك بعدما كانت تلك الأحداث بمثابة نقطة اللارجوع بالنسبة لكل المجاهدين والمسبلين الذين شاركوا في العمليات" . وإستنادا لذات المجاهد -الذي تم تكليفه آنذاك رفقة 16 آخرين بالهجوم على المطار الذي كان يضم أماكن إقامة الفرق الخاصة في الجيش الفرنسي- "فقد كان سي أحمد وهو الاسم الذي كان يعرف به الشهيد البطل زيغود يوسف في أول لقاء معه بعد يومين لتقييم مدى نجاح العمليات صريحا و صارما" مشيرا إلى أنه "طلب من كل من هو ليس قادرا على البقاء في صفوف جيش التحرير بأن يسلم السلاح" . في نفس السياق يروي عمي علاوة بأن "ساعة الهجوم على المطار والتي كانت محددة في منتصف النهار صاحبت هبوط عدد معتبر من الطائرات المدنية" لافتا إلى "أنه طلب من أحد زملائه الذي كان يحمل قنبلة كبيرة تقليدية الصنع بعدم رميها في النادي الذي كانت تتجمع فيه أعددا كبيرة من النساء والأطفال لتناول وجباتهم". بدوره يتذكر المجاهد العيفة محمد المدعو "باطة" ( 81 سنة) بصعوبة كبيرة تفاصيل التحضير لتلك الهجمات التي شارك فيها ذات يوم سبت المصادف ل20 أوت 1955 والتي حكم عليه فيها غيابيا بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة من طرف المحكمة العسكرية لقسنطينة. ويستعين هذا المجاهد في كل مرة خلال سرده للوقائع ل"وأج" -التي زارته في بيته بحي بني مالك بمدينة سكيكدة- بزوجته و رفيقة دربه المجاهدة بن مهدي عزيزة التي شغلت منصب ممرضة خلال الثورة المباركة مستعرضين في ذلك ألبوما من الصور الفوتوغرافية لعدد من شهداء هجمات ال20 أوت 1955 ومنهم الأخ الأكبر العيفة رابح المعروف بعبد الحميد . وحسب عمي محمد "فقد بدأ التحضير لتلك الهجمات مطلع صيف عام 1955 وكان أكثر قادة المنطقة اتصالا بهم هو المجاهد آنذاك زيغات إسماعيل ليعلمهم بالأوامر ويوزع عليهم المهام" مضيفا أن "آخر تلك الأوامر كان الهجوم يوم السبت 20 أوت 1955 رفقة 8 أفراد آخرين على ثكنة عسكرية وسط المدينة بباب قسنطينة و هي المهمة التي نفذت على كامل وجه ". كما يتذكر هذا المجاهد المجازر الكبيرة التي قام بها المستعمر الفرنسي في مختلف بلديات وأحياء المدينة خاصة أيام 21 و22 و23 أغسطس من نفس السنة ومنها الجارفة المنصوبة أمام الملعب البلدي بسكيكدة والتي استعملها المستعمر في حفر الخنادق ودفن المواطنين العزل الذين نقلتهم شاحنات قبل قتلهم جماعيا ومنهم من دفن حيا. وفي هذا الإطار وحتى لا ننسى تفاصيل تلك المجازر الرهيبة التي ارتكبها المستعمر الفرنسي في حق الأبرياء والتي استشهد فيها ما يزيد عن 5 آلاف شهيد بالمنطقة وحدها تقوم جمعية أول نوفمبر 1954 الثقافية والتاريخية كل سنة بتنظيم ندوات تاريخية يدلي فيها المجاهدون بشهاداتهم لتوثيقها وفقا لما صرح به رئيس الجمعية السيد محمد صياد. من جهة أخرى فقد تم إقتراح إنجاز معالم تاريخية و لوحات رخامية في بعض المواقع الشاهدة على تلك الأحداث -إستنادا لذات المتحدث- مضيفا أن الجمعية قدمت ملفا كاملا للوزارة الوصية لإنجاز معلم تاريخي ببلدية فلفة يتعلق ببئر ألقيت فيها ما يزيد عن 20 جثة لمواطنين في تلك الأحداث . وتحصي ولاية سكيكدة عدة مواقع كثيرة شاهدة على بطولة الشعب الجزائري وإحتضانه الفعلي للثورة المباركة خلال هجمات 20 أوت 55 ومنها الملعب البلدي ومربع الشهداء بمقبرة الزفزاف وفلفلة ومقبرة الشهداء بجندل والسويقة و غيرها من الأماكن حسب المعلومات التي قدمها ناشطون في الميدان.