يشكل كتاب المؤرخة الفرنسية كلار موس-كوبو الذييعد ثمرة بحث طويل شمل أرشيف مكتوب و شهادات حية من الضفتين وثيقة فريدة كونهاتكشف عن تفاصيل مجهولة حول المجازر التي ارتكبها الجيش الاستعماري في حق السكانالمدنيين بالشمال القسنطيني بعد هجوم 20 أوت 1955. وتعرض هذا الكتاب الذي صدر في 2011 بفرنسا و هو عبارة عن تحقيق دقيقتجاهله النقاد و وسائل الإعلام الفرنسية لانتقادات من قبل المدافعين عن الاستعمار وبعض العسكريين الذين قاموا بأعمال قمعية بالجزائر خلال حرب التحرير الوطني وعينوا أنفسهم ""مؤرخين". ومن الجدير دراسة هذا الكتاب الثري من حيث التصريحات و الشهادات كونهيصنف حسب العديد من المؤرخين ضمن الأبحاث التاريخية "الجدية" النادرة حول هذا الحدثالذي يريد رواد كاتبة التاريخ إخفاءه و كتمانه. وحاولت كلار موس-كوبو أولا تحليل العلاقات بين الجماعات تحت نير الاستعمارو في دراستها لعلاقة القوة داخل هذا النظام الذي فرضته الأسلحة و الأعمال البشعةو المتميزة بهوة بين الجماعتين أقلية من الأقدام السوداء و أغلبية جزائرية أبرزتعلاقة السيطرة بين مستعمرين و مستعمرين. الحس الوطني الجزائري يتعزز أمام الاستعمار أبرزت المؤرخة هذا الوضع الذي ميز اندلاع حرب التحرير الوطني يوم 1 نوفمبر1954 مستندة إلى روايات عسكريين فرنسيين ارسلوا ل"قمع" ما وصفه النظام الاستعماريو وسائل اعلامه "بأحداث الجزائر" التي أثارها "خارجون عن القانون" و "الفلاقة". وقالت السيدة موس كوبو أن "الحس الوطني الجزائري تقوى أمام الاستعمار الذيكان في تراجع". لكن و بعد مرور 9 أشهر من اندلاع الثورة كان مسؤولو جبهة التحريرالوطني على غرار زيغوت يوسف قائد المنطقة II (الشمال القسنطيني) يبحثون وضع حدلعزلتهم و انتزاع انضمام السكان الاصليين المرعوبين بعنف عانوا منه خلال أكثر منقرن. وترى المتحدثة أنه ينبغي في هذا السياق ادراج عمل زيغوت يوسف الهادفإلى اضرام النار في المنطقة و حمل نار التمرد إلى الأوساط الحضرية و كامل الأرياف. وبعد أن حاولت فضح أسرار اجتماع مسؤولي المنطقة II لجيش التحرير الوطنيبزمان (بالقرب من سكيكدة) عشية اندلاع ما سمي "بهجوم 20 أوت 1955" ركزت عملهاعلى محاكمة العالية التي تطرقت إليها الصحافة آنذاك باسهاب لتبرير العنف الشديدالذي مارسه الاستعمار انتقاما من السكان الأصليين. لا وجود لأي دليل مادي غير الجثث وتطرقت إلى ما حدث في منطقة عين عبيد التي زارها الحاكم العام جاك سوستالفي 22 أوت 1955 وهي الزيارة التي أدت إلى مجازر تذكر بتلك التي حدثت في 8 ماي 1945واستندت السيدة موس-كوبو في ملف محاكمة عين عبيد إلى مذكرات المحاميينجيزال حليمي وليو ماتاراسو الذين كانا قد أشارا إلى أنه "لم يكن يوجد في ملف 20أوت 1955 أي دليل مادي غير الجثث". وركزت المؤرخة بحثها بشأن أحداث عين عبيد على رواية الجنرال موريس فيفرلاسيما المقدمة في الفيلم الوثائقي لباتريك روتمان المخصص لهذه الأحداث بعنوان "العدو الحميم" الذي بث في 2002. وكان الجنرال فيفر قد ركز شهادته على مقتل أطفال عائلة ميلو الذي كان -حسبالسيدة موس-كوبو- وراء "هذيان" تقارير الصحافة الاستعمارية في حين -كما قالت المؤرخة- لم يكن هذا الجنرال موجودا في منطقة الخروب أثناء الأحداث. وأضافت أن الجنرال زعمأنه كان يقوم بأنشطة بأقسام إدارية خاصة في حين لم تستحدث هذه الأقسام من قبل الحاكم العام جاك سوستال إلا في 26 سبتمبر 1955. كما تطرقت المؤرخة إلى الطرق التي استعملها العسكريون والسياسيون الفرنسيونلتحريف الحقائق حول المجازر المرتكبة ابتداء من 22 أوت 1955 بعين عبيد. وفيما يتعلق بحصيلة هذه المجاز فذكرت الإدارة الاستعمارية 1273 مقابل 12.000بالنسبة لجبهة التحرير الوطني. ومن المؤكد أنه بعد مرور 60 عاما على هذه الأحداثلا تزال المقابر الجماعية الكثيرة التي غلقها بعجالة مرتكبو المجزرة في الشمالالقسنطيني تثير شهادات عدة عن القمع الدموي والعنف الخارق للعادة الذي ميزها والتيتحاول المؤرخة موس-كوبو تسليط الضوء عليها.