أكد رئيس المجلس الشعبي الوطني, محمد العربي ولد خليفة يوم الأربعاء بالعاصمة السعودية الرياض, أن مقاربة الجزائر في إحلال السلام في منطقة الساحل والعالم تستند إلى ترجيح آلية الحوار "بعيدا عن أي تدخل أجنبي وعسكري". وقال السيد ولد خليفة في كلمة ألقاها خلال أشغال القمة العربية-الجنوب أمريكية الرابعة, بصفته ممثلا لرئيس الجمهورية, عبد العزيز بوتفليقة : "إيمانا منها بأهمية تعزيز السلم والأمن في منطقة الساحل وفي العالم برمته, فقد تبنت بلادي مقاربة تستند على ترجيح آلية الحوار والمداخل السلمية في تسوية الأزمات السياسية والنزاعات الإقليمية, بعيدا عن أي مداخل للتدخل الأجنبي والعسكري التي أثبتت الوقائع أنها لن تزيد إلا في تأزم الوضع وتعقيد مسالكه". وأضاف رئيس المجلس الشعبي الوطني أن هذه المقاربة "أعطت أكلها في الأزمة التي تعرضت لها دولة مالي" باستضافة الجزائر للحوار المالي الذي توج بتوصل الأطراف المالية المتنازعة إلى حل سياسي شامل والتوقيع على اتفاق السلم والمصالحة ببماكو في 15 ماي 2015. وفي ذات الإطار, أكد أنه "إدراكا منها للمخاطر الأمنية الخطيرة للأزمة الليبية على وحدة الشعب الليبي وسلامة ترابه, وانطلاقا من واجب الجيرة, بذلت الجزائر جهودا كبيرة ولا تزال, لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين وهذا بالتعاون مع دول الجوار والأممالمتحدة, في إطار آليات دول الجوار التي بادرت بها أو من خلال اللقاءات التي احتضنتها بلادي بين الأحزاب السياسية الليبية بإشراف المبعوث الخاص الأممي". وبعد أن سجل "ارتياح الجزائر للتوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة وحدة وطنية", أكد رئيس المجلس "عزم الجزائر على مرافقة الحكومة الليبية الجديدة ووقوفها إلى جانب الشعب الليبي الشقيق لتحقيق طموحاته في الحرية والديمقراطية وحرصها على الحفاظ على وحدة واستقرار ليبيا وسيادتها". من جهة أخرى, أشار السيد ولد خليفة أن هذه القمة "تلتئم في خضم وضع إقليمي ودولي بالغ الحساسية والتعقيد, تنوء فيه الكثير من الأقطار العربية تحت وطأة تهديدات وتحديات أمنية غير مسبوقة, في مقدمتها تنامي خطر التنظيم الإرهابي المسمى ب+داعش+ وتمدده على مساحات واسعة من منطقتنا العربية, وتزايد وتيرة التطرف العنيف". وتابع بأن هذه "الظروف المتأزمة والخطيرة تستوجب منا العمل سويا لتكثيف جهود التنسيق وتحقيق تعبئة تضامنية قوية, وتكييف مستمر للأدوات والآليات المستخدمة, الامر الذي من شأنه الاسهام في استئصال هذه الآفة الدخيلة على ثقافتنا وأخلاقنا, التي أضحت تشكل تهديدا محدقا للسلم والأمن". واستطرد قائلا بأن "المعالجة الجذرية لهذه الآفة تستوجب تجفيف منابع الموارد المالية المتاحة أمام الإرهابيين المتمثلة أساسا في تهريب المخدرات والحصول على الفديات إثر اختطاف الرهائن". وذكر السيد ولد خليفة في هذا الشأن بأن "مقاربة الجزائر في دحر هذه الآفة العالمية, التي عانت من براثنها لعدة سنوات, لا تنحصر فقط في البعدين الأمني والعسكري, بل تتعداه إلى تحقيق المصالحة الوطنية التي حافظت على وحدة البلاد وضمنت الانسجام المجتمعي, وعلى مكافحة التطرف عبر تعزيز أسس المرجعية الدينية الوطنية الداعية إلى قيم الاسلام السمح المعتدل". كما ترتكز هذه المقاربة على "إيلاء الأبعاد التنموية والاقتصادية والاجتماعية الأهمية التي تستحقها, خصوصا ما يتعلق بتكريس قيم العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وتعظيم الرفاه الاجتماعي". وبخصوص الوضع في العالم العربي, أكد السيد ولد خليفة أن "تصاعد التهديدات المركبة التي تشهدها هذه المنطقة وفضاءات أخرى من العالم, مردها الأساسي إلى فشل المجتمع الدولي, وعلى رأسه الأممالمتحدة, في إيجاد حل عادل وشامل للصراع العربي الاسرائيلي والاكتفاء فقط بإدارته, متناسيا ضرورة استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف, وفي مقدمتها اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على حدود عام 1967, طبقا للشرعية الدولية ومرجعيات السلام". وفي هذا الشأن, أهاب السيد ولد خليفة ب"الشعب الفلسطيني الشقيق في نضاله البطولي واستماتته الباسلة والملحمية أمام ما يتعرض له يوميا من شتى أصناف الاعتداء الممنهج على يد البطش الاسرائيلي وحصاره الجائر". ودعا المجتمع الدولي الى "تحمل مسؤولياته كاملة تجاه هذه القضية العادلة والضغط على اسرائيل بكافة الوسائل لحملها على الوقف الفوري عدوانها السافر على هذا الشعب الأعزل واستباحة مقدساته وأرضه ومعالم تاريخه, والانصياع للشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي". واغتنم رئيس المجلس الشعبي الوطني المناسبة ليشيد "عاليا بالمواقف المشرفة لدول أمريكاالجنوبية, الداعمة للقضايا العربية العادلة, وفي مقدمتها القضية الفلسطينية, ومسارعتها للاعتراف بفلسطين كدولة عضو مراقب غير دائم في الأممالمتحدة". وفي سياق متصل, أبرز السيد ولد خليفة "العلاقات الممتازة والتاريخية " التي تربط أقطار الوطن العربي بدول أمريكاالجنوبية والتي أبانت عن "مستوى الثقة المتبادلة والتعاون الوثيق الذي يطبعها, خصوصا في ظل وجود عديد المقومات الحضارية والمشتركات الثقافية". واعتبر ان هذه المقومات ستشكل "أرضية متينة لتعميق عرى هذا التعاون في شتى المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية, على أساس الإحترام المتبادل وتحقيق المنفعة المشتركة". وتحقيقا لهذا المسعى-- يضيف السيد ولد خليفة-- "تأتي مبادرة الرئيس بوتفليقة بإقامة مكتبة عربية جنوب أمريكية, التي تم الموافقة عليها خلال اجتماع لوزراء الشؤون الثقافية لدول المنطقتين الملتئم بالجزائر في فبراير 2006, لتمتين الروابط الثقافية وتعميق مستوى التواصل والتفاعل الحضاري بين شعوب المنطقتين وتعزيز الموروث الثقافي". وأكد في هذا الشأن بأن الجزائر "تولي أهمية كبرى لحركية الترجمة, حيث سبق وأن قامت وزارة الثقافة بترجمة كتاب "الحضارة الأندلسية في البيرو" من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية. وأبرز بأن قمة الرياض "تعبرعن الإرادة المشتركة التي تحدونا في المضي قدما بعلاقاتنا نحو مستويات أعلى, كما ستشكل مناسبة هامة لإجراء تقييم شامل ومعمق وموضوعي لمجمل حصيلة المنجزات المحققة منذ القمة الاولى المنعقدة في برازيليا عام 2005". وتابع بأن هذا الوضع يضع البلدان العربية ونظيراتها من امريكاالجنوبية أمام "مسؤولية مشتركة تستدعي السير بخطى تكاملية وتعميق علاقات الشراكة والتعاون الاقتصادي وتوثيق صلات التعاون والتضامن وتوحيد مواقفنا في المنابر الدولية والإقليمية".