تسابق عشرات المخابر الطبية عبر مختلف بقاع العالم الزمن من أجل اكتشاف لقاح ضد فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» الذي صنفته منظمة الصحة العالمية ك "وباء" عالمي بعدما انتشر في 160دولة, و تسبب في وفاة قرابة 200 ألف شخص عبر المعمورة منذ ظهوره قبل قرابة خمسة أشهر. و اذا كانت كل دول العالم التي تفشى بها "كوفيد- 19" قد لجأت الى اتخاذ نفس التدابير الوقائية والاحترازية للحد من الانتقال السريع للعدوى, على غرار فرض الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي والحث على النظافة والتعقيم الشامل, فضلا عن تكثيف عملية الفحوصات على مواطنيها من أجل الكشف المبكر للمرض الغامض, الا أن اللقاح, المنشود ابتكاره, بيقى "السلاح الامثل" لمواجهة هذا الوباء بشكل جماعي، حيث يحول ايجاد لقاح لهذا المرض دون اصابة البشر به مستقبلا كما من شأنه أن يحد من تفشي هذا الفيروس سريع العدوى. ولتحقيق هذا الهدف, تقود عديد من المخابر الطبية بدءا من الصين - التي كشفت في ديسمبر الماضي عن ظهور هذا المرض على أراضيها - مرورا بالولاياتالمتحدة وفرنسا و ألمانيا و اليابان ..., سباقا محموما لاكتشاف" المصل المنتظر", حيث تتحدث تقارير اعلامية عن وجود قرابة 70 مشروعا في هذا الخصوص, مشيرة الى أنه لحد الان فان ثلاثة منها فقط بلغت مرحلة اختبارها على البشر. و في اطار هذه المنافسة و بالنظر إلى حجم الرهانات المالية و الاقتصادية التي تأتي من وراء ابتكار لقاح, ينسق المخبران الطبيان : عملاق الصناعة الصيدلانية الفرنسية «صانوفي»و البريطاني «جي سي ك» جهودهما باستغلال التكنولوجيا الدقيقة اللتان يمتلكانها لتطوير لقاح فعال ضد «كوفيد- 19 «. و توقع المخبران «صانوفي» و «جي سي ك» أن يتم تجربة اللقاح الجاري العمل على تطويره في الفصل الثاني من عام 2020 الجاري, ليلج الى الاسواق "في حال نجاحه" اعتبارا من الفصل الثاني من العام القادم 2021 . و في السياق ذاته, أشارت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية إلى أن العلماء البريطانيون يتنافسون مع عشرات المختبرات في جميع أنحاء العالم ليكونوا في صدارة تطوير دواء ضد كورونا "قد تكون حقنة أو حبة وقائية". علما أنه يوجد لحد الآن لقاحات أولية تقوم العديد من المختبرات بتجربتها على الحيوانات، مع ثقة العديد منها في أنها ستنتقل إلى التجارب البشرية في الاشهر المقبلة, "وإذا ثبت أنها "آمنة وفعالة" فستجرى تجارب حية أوسع وإذا نجح اللقاح فيمكن أن يكون متاحا على نطاق واسع بحلول أوائل العام المقبل". وأشارت الصحيفة إلى أن البروفيسور روبن شاتوك وفريقه بقسم الأمراض المعدية في كلية إمبريال بلندن قاموا بتطوير لقاح مرشح خلال 14 يوما من الحصول على التسلسل الجيني من الصين، وكانوا يختبرونه على الحيوانات منذ العاشر من فبراير الماضي، ويأملون الانتقال إلى التجارب السريرية في الصيف إذا تمكنوا من تأمين التمويل المطلوب. ومن ضمن التجارب الجارية و بدل ابتكار حقنة أجسام مضادة تقليدية، يعمل دواء كلية «إمبريال» البريطانية عبر حقن شفرة جينية جديدة بفعالية في عضلة موجها إياها لتصنيع بروتين موجود على سطح فيروس كورونا، الذي بدوره ينشّط استجابة مناعية وقائية , حسب التقارير الاعلامية. وألمحت الصحيفة البريطانية إلى أن نحو 35 شركة ومؤسسة -حتى الآن- تعمل على إيجاد حل لوباء «كوفيد -19» على نطاق عالمي. وفي الولاياتالمتحدة قال الدكتور أنتوني فوسي رئيس المعهد الوطني الأميركي لأمراض الحساسية والأمراض المعدية إن "التجارب البشرية ستبدأ خلال ستة أسابيع" وتنبأ بأن لقاحا "سيكون جاهزا خلال 12 إلى 18 شهرا". كما بدأت شركة «نوفافاكس» الامريكية تجاربها على الحيوانات، ومن المتوقع أن تنتقل إلى التجارب البشرية بحلول فصل الربيع، في حين قالت شركة «ريجينيون» في نيويورك إنها ستكون مستعدة لمرحلة التجارب البشرية خلال شهرين. وفي استراليا تقوم جامعة «كوينزلاند» بتجربة عقارها المرشح على الحيوانات. كما أكد شي نان بينغ نائب وزير العلوم والتكنولوجيا في الصين أن "تجارب اللقاح البشري ستبدأ مع نهاية أبريل" الجاري. وذكرت «ديلي تلغراف» أن "ريمديسيفير" (وهو مضاد للفيروسات واسع النطاق جربته معاهد الصحة الوطنية الأميركية على 13 مريضا نقلوا إلى المستشفى بعد إصابتهم بفيروس كورونا على متن سفينة الرحلات «دياموند برينسيس» في اليابان " ربما يكون هو العقار الواعد". وفي السياق، قالت شركة «فايزر» إنها اكتشفت العديد من المركبات المضادة للفيروسات التي قد تكبح فيروس كورونا، وتأمل أن تبدأ الاختبارات مع نهاية العام الجاري . اكتشاف اللقاح رهان اقتصادي بالنظر إلى الخسائر المالية الضخمة التي تسبب فيها انتشار وباء «كوفيد- 19» في العالم، حيث تضررت اقتصاديات الدول العظمي بشكل غير مسبوق، تسعى هذه الدول الى تعويض تلك الخسائر من خلال البحث عن الانفراد في إكتشاف الدواء المطلوب لهذا المرض الذي أظهر تراجعا عن مبدأ "التضامن" العالمي بشكل غير مسبوق سيما بين الدول الاوروبية التي "تخلت" عن ايطاليا -العضو في الاتحاد الاوروبي- بعدما تفشى بها المرض بسرعة مذهلة, دون أن تلقى المساعدة المطلوبة من زملائها في التكتل الاوروبي لمواجهة المرض. و مع تواصل تفشي الوباء أصبحت الدول الكبرى تتعامل مع كورونا "ليس فقط كجائحة صحية يجب الانتهاء منها وفقط", بل أضحت تتعامل معه "كقضية سياسية واقتصادية واجتماعية", حسب المراقببين, الذين أكدوا أن "من يمسك خيوط اللعبة بين السياسيين والمخابر والمستثمرين المحظوظين، بإمكانهم التحكم في بلورة العالم الجديد الموعود ما بعد كورونا". ولهذا خلق البحث عن لقاح ضد «كوفيد-19» منافسة اقتصادية محمومة خاصة بين كبريات المختبرات الصيدلانية الاوروبية و الامريكية التي تراهن كل من جهتها على أن تكون سباقة في ايجاد اللقاح قبل غيرها نظرا لما ستجنيه من أرباح مالية طائلة في حال حققت هذا الرهان. ويرى العلماء أن التوصل الى لقاح "فعال و غير سام" يتطلب ما بين 15 و 20 سنة حيث يتعين تقييم مدى التأثيرات السامة للقاح على الحيوان أولا قبل البشر ثم الانتقال الى تجربة فعاليته على أعلى مستوى وذلك وسط حالة الاستعجال القائمة و ضغط الحكومات و السلطات الصحية التى تدعو الى التعجيل في اجراءات ابتكار اللقاح المطلوب لمواجهة «كوفيد- 19». وفي هذا السياق أعربت رئيسة المفوضية الاوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن أملها في ايجاد لقاح لكورونا قبل فصل الخريف خاصة وأن أوروبا تضررت بشكل كبير جراء الوباء بتسجيلها أزيد من 88 ألف حالة وفاة جراء الاصابة بالفيروس. و تمر عملية تطوير اللقاح بعدة مراحل بدءا بالتعرف على الفيروس, و تحضير فصيلة اللقاح و تجربته والانتقال الى انتاجه ومراقبة جودته الخ... و هي عملية تتطلب وقتا طويلا كما يقول الخبراء. ويقول المراقبون أنه وأمام الاحصائيات الكبيرة لضحايا فيروس كورونا المستجد و حجم انتشاره في 160 دولة, فانه يتعين على منظمة الصحة العالمية حث المختبرات الخاصة على التعاون فيما بينها عبر تبادل مجمل المعطيات و المعلومات المتوصل اليها قصد تفادي موجة انتشار جديدة للفيروس "قد تؤدي الى اضاعة الوقت في مكافحة جائحة كورونا". وفي انتظار ابتكار اللقاح الذي من شأنه أن ينتصر على "عدو البشرية " الخفي, تبنت عديد من الدول من بينها الجزائر البروتوكول الصحي المعروف ب"كلوروكين" لمواجهة فيروس كورونا الذي أتى لحد الان بنتائج ايجابية. الا أنه و بالرغم من تماثل عدد كبير من المصابين بفيروس كورونا للشفاء عبر أرجاء العالم, يبقى أن القضاء على المرض "ليس بمقدور أي دولة ضمانه لشعبها وحدها" ما لم يتراجع الوباء في كل دول العالم "و ذلك لن يتأتى الا عبر التعاون و تبادل التجارب و المعلومات", حسب الخبراء.