ما إن أنهيت قراءة الرواية الأكثر تسويقا في العالم للروائي الأمريكي دان براون التي عنوانها حقيقة الخديعة، حتى وضعت جهاز هاتفي المحمول جانبا، لاستجابة دفينة، في هاوية عميقة، تتلازم إلى حدّ بعيد مع رواية علم الخيال، أين تصبح سياسة البنتاغون مع ثنائية الفضاء والأرض والسلاح والماء والحبّ والجنس والفضيلة والرذيلة، أشعّة ضوئية، أحالتني في غمرة التساؤل عن جدوى إضاعة الوقت وقتل المجهود في قراءة رواية عربية من شاكلة عزازيل لصاحبها المصري يوسف زيدان، فاقترنت في رأسي الإنساني المفتوح ، تلك الصرخات الوجدانية، بين أن تفهم الأدب، فلا تفهم صاحبه، أو العكس هو الصحيح، أو بين ما يتوارد من هواجس إنسانية، كالتي تحطّ بالإنسان في مستنقع البعوض، برائحته الشبيهة بخيبة ما، على خلفيّة معيّنة، لا تصنع القيمة في الإنسان، بل تدمّرها· تساءلت مليّا في موضوعات تخصني ككاتب لا يجاري الأضواء، من مثل تلك النّقمة التي أوجدتنا فيها الانتماءات القبيحة، إذا تعلّق الأمر بتصدّعات الهشاشة، بل ذهبت بعيدا عندما حفرت في ذاكرتي، عن سبب عزوفي البريء من تناول الرواية المصرية، منذ وأنا في بداية سنوات مراهقتي الأولى، عندما تلهّفت إلى حب الأدب والشعر، فكنت لا أقرأ إلا كتابات الجزائريين - بحكم هويّتي ربّما -، لكن كانت ومازالت مع السنوات لهفتي عالية الإقبال على أدب أوروبا وأمريكا والهند والصين ولبنان وفلسطين وسوريا (بحكم نزار قباني ربّما )، بل كنت لا أشعر، كلّما حاولت قراءة رواية أو قصيدة مصرية، أنني سأشبع رغبتي - لست أدري لماذا ؟ - فلم أجد لهذه الأسئلة إجابات شافية، رغم إدراكي لأن في أدب مصر قامات يحترمها الجميع · وأعود إلى دان براون، حيث بيت العقلانية، تنسجه تقنيات الرواية العلمية في بيئة سوسيو- مادية، تخاطب العاطفة من نافذة العقل، حتى وهي في مكّوك فضائي، كما تكشف عن مشاعر الحب في الحملة الانتخابية الأمريكية، عبر شخوص تتصادم لتنصهر في مشروعها، رغم ما تحيطه من كمائن خادعة ، فأستمدّ قوّتي كقارئ جزائري محايد، دون الإغراق في التوائية الأدب المقيت، على اعتبار أن أزمة الفكر هي عنوان لمشكلة الإنسان العربي المتوقّف عند حضيض الماضي الحاضر بتشوّهاته ، لذلك نتخبّط في عسر الإبداع الحق، الخالي من غش سياسة القوميات وكواليس الحفريات الوطنية، التي يتعالى فوقها الأدب وأدبائه، قديما وحاضرا في أوروبا وأمريكا و أقاصي آسيا وبعض ممّن تفطّنوا بالفطرة لتلك العقدة من المبدعين المغاربة، كمحمد أركون وإدريس شرايبي في الفكر ومحمود المسعدي في الأدب وكل الباقة الجامعة للرونق الإبداعي المغاربي· أخلص إلى القول بأن التأنّي في تحكيم مسار الإبداع الإنساني في الأدب خاصة، هو من تجليات الحاضر، لذلك فإن كل مشكلة خاطئة، تكون حلولها أكثر خطرا، وهو ما لم تتعوّد عليه فضاءات المعرفة العروبية، فتأتي باستمرار تشوّهاتها، بفعل تداخل العقل الموضوعي بالحال النفسي والميتافيزيقي والتاريخي · يتبع...