عندما تكلم المفكر الأمريكي صموئيل هنتنغتن قبل حوالي عشرين سنة من الآن، عما أسماه ''صدام الحضارات'' في أجواء انهيار جدار برلين وبداية تفكك ما كان يعرف ب''المعسكر الاشتراكي''، سخر الكثير من السياسيين والإعلاميين والكتّاب من هذه الدعوة ''الرجعية''·· أكد الكثير منهم أننا مقبلون على زمن ''حوار الحضارات والثقافات'' الذي دشنه الأئمة والمطارنة والحاخامات في جلسات طويلة، كل فيها يتمسك بمنطلقاته ومعتقداته إلى النهاية دون الوصول إلى أية نتيجة تذكر· وجاءت الأحداث المتسارعة لتؤكد أن المفكر صموئيل هنتنغتون، إما أن يكون مفكرا سابقا لعصره ومستشرفا بشكل جيد لما سيأتي ويستحق لأن يكون مفكر العصر الأول، أو أن يكون ضابطا في المخابرات الأمريكية يكتب ما يملى عليه، وما تخطط له الدوائر السرية في بلد العم سام مثلما يؤكد أصحاب نظرية المؤامرة· وفي كل الحالات فإن العالم وبالتوازي مع هذا الاحتباس الحراري، الذي يهدد بكوارث بيئية تجعل مستقبل الكوكب في خطر، يعاني من احتباسات ثقافية خطيرة، تجعل الصدام ليس حكرا على الحضارات فقط، بل على الديانات، وطبول الحروب الصلبيية كان قد قرعها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، الذي ادعى أن الله عز جل جاءه في المنام وطلب منه أن يغزو العراق ولم يتردد في نعت حربه تلك ب''الصليبية''، وفي الوقت الذي كان يؤكد فيه بوش أن عدوه الأول هو أسامة بن لادن الذي تبنى هجمات 11 سبتمبر ,2001 فقد تبنى الشخصان منطقا واحدا، وبوش قال: ''من ليس معنا فهو ضدنا'' وبن لادن يؤكد أن العالم أصبح مقسما إلى فسطاطين كبيرين، هما فسطاط الإسلام وفسطاط الكفر، ومن لم يكن في فسطاط الإيمان فهو في فسطاط الكفر، وهو نفسه منطق جورج بوش الذي خاض حروبا قلت وشردت ومازالت تفعل باسم ''الصليبية''· ولم يكن الأمر مجرد طفرة في التاريخ، والدولة السويسرية المعروفة بحيادها منذ سنين طويلة، جاء من يدفعها دفعا إلى الخروج من هذا الحياد بتبني قانون حظر المآذن الإسلامية الذي لم يكن قانونا عارضا، بل فتح الباب إلى تأويلات كثيرة ورآه الكثير من المتطرفين حصان طروادة من أجل محاربة المسلمين في أوربا، مثلما يفعل الآن اليمين المتطرف الفرنسي بزعامة جون ماري لوبان وغيره من السياسيين الذين لم يتوقفوا عند حظر المآذن، بل أصبحوا يدعون إلى هدم المساجد نفسها كسبيل لوقف الزحف الإسلامي في القارة الأوربية، وتأتي دعوة الرئيس الليبي معمر القذافي إلى''الجهاد'' ضد سويسرا'' التي يقول بأنها تحارب الإسلام والمسلمين، لتطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل العالم الذي يبدو أنه وأكثر من أي وقت مضى مقبل على حروب دينية كبيرة، على شاكلة ما حدث في نيجيريا وجماعة بوكو حرام والتي يقابل دعاتها بتصفيات جسدية وقتل أمام كاميرات القنوات الفضائية العالمية، وكأنهم يدفعون بأولائك المتطرفين الذين يرفضون كل ما يمت بصلة إلى الحضارة الغربية والتي يقولون بأنها حرام، يدفعونهم إلى الأمام من أجل تجنيد أكبر عدد ممكن من الناس الذي رأوا الجرائم التي ارتكبت ضد أفراد التنظيم· يوجد إذن من يدفع بالعالم إلى حروب دينية قاتلة، تحت عدة مسميات، فمن يجرؤ على وقف المجازر قبل استفحالها؟