ومع دخول العد التنازلي لاحتفاء ألمانيا وكافة أوروبا والعالم أجمع بمرور الذكرى ال 20 لانهيار الجدار الذي عمر أكثر من 28 سنة وتوحد ألمانيا بعد 40 سنة من القطيعة وترسخ نظرية الصور المتعاكسة minnon/images التي انطبقت على الشعب الواحد الذي انخرط في مواجهة عدائية طويلة انعكست في شكل صور مشوهة للطرف الآخر، مع دخول هذا العد اغتنمنا هذه الفرصة ومنذ العام الماضي لزيارة جدار برلين واستطلاع الأحداث التي واكبت انهيار الجدار الذي كان يؤشر على واقع الحرب الباردة بين الشرق والغرب. ففي نفس الشهر الذي أسقط فيه جدار برلين، ولكن بعد قرابة العشرين سنة، أي في نوفمبر من العام الماضي كانت ألمانيا التي توحدت مرة أخرى بعد حروب بسمارك الشهيرة في القرن التاسع عشر، كانت وجهتنا بعد تلقي دعوة رسمية من مؤسسة فريد ريش إيبرت الألمانية، جبنا من خلالها قرابة ال 4 مدن ألمانية عريقة، هي العاصمة برلين، والعاصمة السابقة بون، مدينة كولن، وفرنكفورت التي توقفنا بها عند العبور. ومن هناك أتيح لنا استرجاع الذكريات والأماكن التي مر منها هيجل، وفريدريك نيتشه وبسمارك وأدلف هتلر، مرورا بألبرت انشتاين أب القنبلة الذرية، دون نسيان كارل ماركس الأب الروحي للمدرسة الشيوعية ونظرية رأس المال ومكرس حقوق البلرويتاريا، إضافة إلى القائد العسكري الفذ ورائد الفكر العسكري الجنرال فان كارل كلورفيتس وصولا إلى بتهوفن وهو الذي زرنا بيته المتواضع في مدينة بون وغيرها من الأسماء التي اقترنت بتاريخ ألمانيا والذين كتبوا أسماءهم بحروف تنوعت ألوانها بين الدم والذهب. وكانت من أبرز محطاتنا هو دخول مبنى البرلمان الألماني أو البوندستاغ والذي يفتح للوفود ولعامة الناس وكانت المناسبة سانحة لنا في مشاهدة جلسة علنية لنواب الرياخستاغ، كما جمعنا لقاء بعضو بارز من الحزب الديمقراطي الاشتراكي ال SPD الذي حدثنا عن التحولات التي عرفتها ألمانيا منذ انهيار الجدار. وبخروجنا من هناك عرجنا على بوابة براندنبورغ إحدى أشهر الأماكن جذبا للسياحة ليس في ألمانيا وأوروبا وإنما في كل العالم والتي تنتصب بأعمدتها الطويلة التي لا تختلف عن الأعمدة الرومانية والإغريقية وترتفع فوقها عربة الملكة التي تجرها الجياد القوية، وغير بعيد من هناك تقبع كل من السفارتين الأمريكية والبريطانية، ويقبع أيضا بمحاذاتها فندق الأدلون المفضل عند أدلف هتلر وأغلب ساسة العالم. لكن وبرغم تلك التحسينات التي أجريت على المكان، إلا أن أزيز دبابات تي 34 (T34) وتي 60 (T60) التابعة للجيش الأحمر السوفيتي وقنبلة طائرات لوكهيد الأمريكية وشاكيلتون البريطانية الصنع، وتقدم جيش الحلفاء القادم من النورمندي، وصيحات هتلر واستماتة الملكة الصاعدة في بريطانيا، ونظرة رومل -ثعلب الصحراء- الحادة والذي وقع في كماشة مونتغمري بعد نقل الصراع إلى بلاد العرب في شمال إفريقيا بين مدن وهران وطبرقة والعلمين، بالإضافة إلى هيبة ستالين، وفرحة إزنهاور ودهاء ونستن تشرشل تحوم بخيالاتها على المنطقة. فضلا عن استعادة الثقة عند الجنرال ديغول بعد إهانة فرنسا، إضافة إلى غيتوهات البوليس السياسي الألماني شتاتزي وفرق الاستخبارات النازية المعروفة باسم ''الأس أس'' وكلاهما كان اليد الحديدية للزعيم الناري. أما أجمل ما في برلين، فهو بلا شك الوقفة أمام جدار برلين، وهو الذي تعلمنا منذ أيام الدراسة كمصطلح ومدلول يجدر افتتاح به مقالات السياسة الدولية التي كانت غالبا تفتتح بجملة ''عندما انهار جدار برلين في يوم 09 / 11 / ,''.1989 وحتى بالنسبة لبدء تشييده في 1961 حيث كان دلالة ومؤشرا على تكريس الحرب الباردة بين الجبهتين الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي والجبهة الغربية بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث كانت ألمانياوبرلينالمدينة المقسمة إلى شرقية وغربية من بين أهم ساحات معارك الحرب الباردة بين أعظم وأشهر المدارس في تلك الحرب التي انتهت بإنهاء الجدار، لندخل بعدها مدخلا آخر بدأ مع سقوط وانهيار مبنى برجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 سبتمبر / أيلول .2001 جدار برلين وأثره في حراك العلاقات الدولية بالنسبة للموسوعة السياسة، فإن انهيار جدار برلين بين ليلتي 9 و10 من شهر نوفمبر العام 1989 وبعد 28 سنة من وجوده فقط كان نقطة تحول أساسية لألمانيا كشعب ودولة حيث يوصف بأنه كان المفتاح والخطوة الرئيسية للوحدة الألمانية. وليس هذا فحسب فقد شكل الحدث الرئيسي لاندماج أوروبا والإعلان عن نتائج اتفاقية ماستريخت التي أعلنت ميلاد السوق الأوروبية المشتركة. أما بالنسبة للعالم أجمع فقد كانت محطة لإعادة التوازنات الدولية والجيواستراتيجية والإيديولوجية على السواء لاسيما مع انهيار الكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتي وسيرة وتبوء الولاياتالمتحدة سلطة تسيير الأجندة الدولية. معاناة طيلة 40 سنة وتحقق آمال بعد 28 عاما مع وضع الحرب الباردة لأوزارها في العام ,1945 نشأ صراع جديد سمي بصراع المنتصرين بقيادة موسكووواشنطن، وتكرس الصراع على اقتسام غنائم الحرب بتقسيم ألمانيا إلى جزئين واحدة سميت بجمهورية ألمانيا الاتحادية بمساندة من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وأخرى سميت بجمهورية ألمانيا الديمقراطية بمساندة من الاتحاد السوفيتي والدول التي تدور في فلكه، ومع اشتداد أزمة برلين الشهيرة 1949 تم تقسيم العاصمة الألمانية إلى 4 مقاطعات سيطر عليها كل واحد من الحلفاء الذين دخلوا في حرب باردة بعد ذلك. ومع نجاح مشروع مرشال في العام 1950 وزيادة البطش والقمع السياسي والبوليسي في ألمانياالشرقية أدى ذلك للبحث عن أسباب أفضل في الجانب الغربي، حيث بدأت أعداد متزايدة في الانتقال بين الجهة الشرقية إلى الغربية سريا وخصوصا عبر منطقة برلين، وأفرز هذا الوضع السريع بين عامي 1949 و1961 لترك قرابة 3 ملايين ألماني لجمهورية ألمانيا الديمقراطية وأغلبهم من النخبة المتعلمة، وهو ما هدد القدرة الاقتصادية لألمانياالشرقية، بل هدد كيان كل الدولة وبذلك كان تشييد جدار فاصل في العاصمة برلين هو الوسيلة الوحيدة لمنع هذه الهجرة. وسرعان ما تحول الجدار بعد الغلق المحكم إلى شريط للموت على مدار ال 28 سنة التالية حيث قضى كثيرون عند محاولة اجتيازه. وقد تم الإعلام عن بدء إنشاء الجدار في 13 أوت ,1961 وفي نفس الشهر وبتاريخ 26 أوت 1963 أكد الرئيس الأمريكي المغتال جون كيندي دعم واشنطن للجانب الغربي والوقوف ضد الجدار بمقولة: ''أنا برليني'' وتوالت الأحداث عبر سنوات السبعينات والثمانينات التي اشتدت فيها الحرب الباردة، وبتاريخ 12 جوان 1987 ألقى الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغين خطابه التاريخي أمام بوابة براندنبورغ الشهيرة والذي دعا فيه الرئيس السوفيتي ميخائيل غوربتشوف إلى هدم الجدار. ووسط تزايد الفشل الاقتصادي للنظام الشيوعي شوهدت أول تجمعات المتظاهرين في لايبزيغ مع مطالبات بإدخال إصلاحات ديمقراطية ومنح حقوق الأفراد وبدأت منذ ذلك تحركات في جميع المدن الرئيسية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية. ومع تسارع أحداث العام 1989 وفي ليلة 09 / 11 / 89 وقبيل الساعة السابعة مساء أعلن غونتر شادوفسكي عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الألماني الموحد في مؤتمر صحفي دولي وأمام كاميرات التلفزيون عن تعليمات جديدة للسفر إلى الخارج ودون أي عوائق، ورد على سؤال استفزازي من أحد الصحفيين بأن هذا القرار سيدخل حيز التنفيذ فورا ودون إبطاء وانتشر الخبر بسرعة رغم أن الرجل لم يكن مخولا بالتصريح في كل أنحاء ألمانياالشرقية وهكذا بدأ خروج آلاف المواطنين في الليل صوب الجدار. وفي أثناء ذلك توجه الرئيس الفخري لحزب ال SPD -الحزب الاشتراكي الديمقراطي- ويلي برانت والذي شغل في زمن التقسيم منصب العمدة الحاكم في برلينالغربية، حيث كان يحظى بشعبية كبيرة واتجه صوب بوابة براندنبورغ وأعلن بعد ذلك أمام دار البلدية في شونبرغ عباراته الشهيرة ''الآن يلتحم معا ما ينتمي إلى بعضه أصلا'' وصدرت الصحف بالمانشيت في الغد ''برلينيون شرقيون يرقصون في الليل في كورفورستن دام''، ''برلين تصبح ثانية برلين''، ''ألمانيا تبكي من الفرح - إننا نتصافح''. وقد كانت أول الأمواج البشرية وأهمها هي تلك التي عبرت الجدار من بوابة براندنبورغ ومعبر شارلي، فمنذ الساعة 3021 وهي ساعات قليلة بعد الإعلان عن فتح الحدود، بدأ توافد آلاف سكان برلين نحو نقاط العبور الحدودية وكان أول تجمع للناس بين 500 إلى 1000 شخص ينتظرون عند نقطة العبور الحدودية في شارع بورذهولمر. وفي الساعة 4222 خصصت نشرة الأخبار الرئيسية في ألمانياالغربيةالخبر الأول عن ''الحدود بين الألمانيتين مفتوحة الآن'' وبما أن الكثير من أبناء برلينالشرقية يشاهدون التلفزيون الغربي فقد بدأ تجمع الناس في التوجه صوب الجدار واجتيازه. وفي الساعة 30 : 23 آلاف الناس يقفون في معبر الحدود في شارع بورذهولمر ويطالبون بفتحه، وما إن وصلت الساعة 00:00 حتى كانت كافة معابر برلين مفتوحة والناس أصبحوا فوق الجدار يرقصون حتى الصباح. أول إنجازات الوحدة تتحقق مع انهيار جدار برلين في الداخل والخارج في ليلة 3 أكتوبر 1990 أي بعد أقل من سنة كاملة من سقوط حائط برلين، احتفل آلاف الناس أمام مبنى ''الرايخستاغ'' في برلين بانضمام جمهورية ألمانيا الديمقراطية إلى ألمانيا الاتحادية وبذلك استعادت ألمانيا وحدتها الوطنية رسميا بعد 4 عقود من التجزئة هذا على صعيد ألمانيا. وبعد عامين بالضبط من سقوط الجدار في برلين، أعلن في مؤتمر قمة الحلف الأطلسي في 27 نوفمبر في روما الإيطالية عن نهاية النزاع بين الشرق والغرب رسميا، وبذلك أصبحت الحرب الباردة جزءا من الماضي:. وقبل هذا كان العالم قد شاهد تسارع الأحداث الخاصة بتهلهل واندثار الاتحاد السوفييتي بعد انهيار جدار برلين وتفككه الدراماتيكي بعد قرابة القرن من الوجود، وشهد العالم أيضا تفكك يوغوسلافيا ونجاح الثورة الشعبية في رومانيا التي أعدمت الرئيس تشاوسيسكو، بالإضافة إلى ذلك فقد تزعزعت أغلب دول المنظومة الشرقية التي دخلت عنوة إلى اقتصاد السوق وودعت مراحل الاشتراكية إلى غير رجعة. ف. شفيق