وجدنا قرابة مائتي سجينة في الحراش يتطلعن بشغف وحرقة كبيرين إلى أن يُعلن في نشرة الثامنة مساء، لنهار اليوم، عفوا عن بعضهن من طرف رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، أما رسالتهن له فهي واضحة، وعبارة عن سؤال يحتاج إلى جواب ''في السجن تعلمنا وحفظنا درس العقوبة، فلماذا لا تنجح اليد التي عاقبتنا في مساعدتنا على انطلاقة جديدة في المجتمع؟''·· النساء يتهمن المؤسسات خارج أسوار السجون بالقسوة عليهن وتركهن وحيدات بين مخالب مجتمع لا يرحم·· بالنسبة لهن بضع سنوات أو أشهر في السجن·· هي سجن مدى الحياة خارج أسواره، وهن بذلك يعاقبن، بدل المرة الواحدة، مرّتين· لم يحصل في تاريخ سجن الحراش وأن سجنت أكثر من مائتي امرأة، ولم يسبق أن نزلت فيه نسبة المحكوم عليهن نهائيا بين السجينات ما بين 80 و85 بالمائة بعد مباشرة الإصلاحات الخاصة بقطاع العدالة· وقد وقفت منظمات حقوقية وطنية ودولية على مدى التكوين والمستوى العلمي والثقافي الذي تخرج به السجينات بعد قضاء عقوباتهن بين أسواره، فمن حملة شهادات البكالوريا مرورا بشهادة التعليم الأساسي ووصولا إلى شهادات التكوين المهني على اختلاف اختصاصات النساء من حلاقة وطرز وطبخ وخياطة والأشغال اليدوية· كما كانت شهادات كل اللواتي اخترن عشوائيا من السجينات، حول الخدمات الاجتماعية المقدمة لهن، في مستوى الآمال التي كان يعلقها المسؤولون على الإصلاحات، إلى درجة جعلت المجتمع الخارجي ''يتهم'' الدولة بأنها أرجعت السجون فنادق ومقرات حماية اجتماعية يتمنى كل ذي غير مأوى وعائلة أن يدخله ضمانا للقمة العيش والتعلم، بينما لم يكن تطور السجون وانفتاحها إلا عملية تكييف مع متطلبات تطور لوائح حقوق الإنسان الدولية·· مؤسسات عقابية تكوّن وتعلّم ومجتمع يقسو ويعزل إذا كانت المؤسسات العقابية قد تطورت مقارنة بما كانت عليه من حيث مستوى إدارتها وسياستها العقابية التي تحولت من دور تنفيذ العقوبة إلى إعادة التأهيل لتسهيل عملية إعادة الإدماج وسط المجتمع، وإذا كانت أيضا قد نجحت على مستواها، فإن الحالات والقصص التي تعالجها وتحاصرها في الداخل بين الجدران، لا تجد بالضرورة متابعة في الخارج بين ظهراني مجتمع جزائري توجهه ذكوريته وتحكمه عادات وتقاليد تشبه إلى حد كبير القوانين التي يُعاقب عليها، ليس ''من طرف التشريعات بل من طرف الأفراد والمحيط حتى وهم خارج أسوار السجون···''· في سجن الحراش قصص مروعة عن سجينات وقعن في الخطأ، ومشكلتهن ليست بتاتا العقوبة التي يقضينها ولا حتى في بعض الأحيان عائلاتهن وأفرادها، بل هي كيف سيعيشن وسط مؤسسات مجتمع لا ترحم من خرجت من السجن حتى ولو تابت أو برّأتها العدالة·· صبرينة 24 سنة·· فرنسية مهربة مخدرات ضمن شبكة دولية هي حاملة للجنسية الفرنسية، لكنها من أصول جزائرية، أدت بها مجاراة السوء والأصدقاء المنحرفين في فرنسا من أصول جزائرية أيضا إلى تجنيدها ضمن شبكة دولية للمتاجرة بالمخدرات، وكانت تصعد وتنزل ذهابا وإيابا من الجزائر إلى فرنسا، وهي محملة بكميات كبيرة من المخدرات ليتم تسويقها في أوروبا، لكنها عندما وقعت في قبضة الأمن بميناء العاصمة خلال محاولتها مرة أخرى تهريب كمية جديدة، تفطنت إلى حالها ووجدت نفسها في جزائر لم تعرفها منذ نعومة أظافرها إلا في التهريب، واكتشفت أنه ما كان أن تكون عودتها إلى الجزائر، بهذا الشكل· صبرينة تحمّل أبويها، اليوم عبئا ثقيلا جدا، فهما يأتيان من فرنسا بمعدل أسبوعين إلى ثلاثة يوميا لكي يطمئنا عليها، لقد أبلغتهما أن وضعها في السجن بالجزائر على أحسن حال وأن ما ينقصها فقط هو حضنهما لها، ''حسبت أنني كبرت وأصبحت قادرة على اتخاذ قراراتي بمفردي ولقد زج بي صديقي في المكان الذي أنا فيه وهو أيضا من أصول جزائرية''· صبرينة ورغم صغر سنها تعتقد جازمة أن الوضع السياسي والاجتماعي للمرأة قد تطور كثيرا عبر العالم، ولا يوجد أي اختلاف بينه وبين الوضع في فرنسا ''سواء من حيث توفر الفرص في مستوى معيشي أفضل في فرنسا، لكن ليتني كنت أعيش بالجزائر حتى لا أسقط فيما سقطت فيه لأن مجتمعنا يحمي أكثر من الأمور الخطيرة التي يعرضك لها الانفتاح والحرية المبالغ فيها بفرنسا التي تكثر فيها العنصرية بشكل كبير جدا''· صبرينة تعتبر أن فرنسا لم توفر لها أي إمكانية للاطلاع على الأمثلة الاجتماعية التي يمكن أن تؤدي بها إلى ما هي عليه اليوم، تحذيرا من ذلك، وتؤكد هذه الأخيرة مقارنة بما سمحت لها الفرصة الاطلاع عليه في الجزائر، أن للمرأة نفس الإمكانيات مع الرجل كي تفتح لنفسها آفق مستقبلها وأن عليها فقط أن تثبت بأنها جديرة بتلك الإمكانيات والفرص· ''أمينة'' صاحبة وكالة اتصال··· سجن المرأة يعني سجن العائلة أمينة أصدرت صكا بدون رصيد إلى أحد المتعاملين مع مؤسستها، فهي حائزة على شهادة البكالوريا وامرأة مثقفة ومن عائلة ميسورة، ولم تكن تظن يوما أن الصك الذي أصدرته كضمان وعربون ثقة على التزامها بتسديد ديونها، كان هو في الواقع الثمن الذي دفعته كي تقلب حياتها رأسا على عقب· فمن المشاريع والطموحات إلى سجن وظلمات· لقد رفع الشخص الذي منحته الصك دعوى قضائية ضدها مؤكدا بأنه احتيال وليس ضمان، ''لقد عرفت العديد من القيم في السجن·· عرفت قيمة المقولة التي تؤكد بأن القانون لا يحمي المغفلين وقيمة الوقت وقيمة العائلة والنقود، لكنني استفدت من العقوبة وكلي أمل في العودة من جديد''· أمينة ترى أن اندماجها في المجتمع ليس بالأمر السهل حتى ولو أن قضيتها معروفة لدى كثيرين بأنها لا تتعلق بالأخلاق، ففي نظرها، هذا الأمر تقديري، والسجن في مجتمعنا وصمة عار دائمة لا يُنظر فيها أبدا إلى التهمة، بل إلى السجن في حد ذاته، ''ومع ذلك هي عازمة على العودة وتحمل كل تبعات نظرة المجتمع الذي إذا أدينت فيه المرأة بالسجن تدان بذلك كل عائلتها فتترك وراءها زوجا وأولادا''· وبغض النظر عن المستوى الرفيع الذي وصلت إليه المرأة في الجزائر من حيث اعتراف محيطها بها ككيان يقدم للمجتمع ما يقدمه الرجل أيضا بنفس الثقل ''لكن لماذا لا تستطيع اليد التي تعاقبك أن تساعدك في انطلاقة جديدة·· هذا اعتبره ظلما فالسجينات بحاجة إلى مؤسسات اجتماعية يأخذن بيدهن بعد الخروج''· سهام 29 سنة·· المرأة هي من تصنع مكانتها وعار أن يصنعها لها المسؤولون صاحبة شركة فلاحية جزائرية إيطالية، منذ 26 سنة، تقدّر سهام أن من أوصلوها إلى المحاكم كانت لهم خلفية واحدة مبنية على سؤال واحد لم يفسح لها أي مجال من الوقت كي تبيّن وتثبت للعدالة براءتها· الخلفية حسبها هو أن محيطها لم يفهم ويستسغ كيف استطاعت شابة في السادسة والعشرين أن تنشىء مؤسسة بشراكة أجنبية·· سهام لم يتم إدانتها بثلاث سنوات لشبهة في أموالها بل لأنها دفعت صكا بلا رصيد قدره 5 ملايين دينار، وبالنسبة لها أيضا إنها قيمة لا تساوي شيئا مقارنة بما هو من عادتها أن تدفعه للمتعاملين معها· ورغم المصيبة فإنها تؤمن بالمرأة الحديدية التي هي في كل جزائرية، وتؤمن بأن مكانتها لا تمنحها لها السلطات، بل تصنعها هي لوحدها، إنها امرأة تحديات· زوليخة 54 سنة، حياة خدم وحشم، تتحول إلى جحيم بدت أكبرهن سنا في القاعة خالتي زوليخة، يداها شرعتا في فقدان نظارة بشرتهما، لكنها مع ذلك لم تفقد أي أمل على الرغم من تقدمها في السن، ربما هي تستمد حيويتها من التهمة التي أدينت بها، لقد وهبتها والدتها المنزل الذي كانت تقطن فيه، لكن شقيقتها أوقعتها في الشبكة بعد أن حاكت ضدها قضية رفقة أحد الموثقين· خالتي زوليخة لا تعيش في السجن نفس الحياة التي كانت تحياها بين خدم وحشم كونها ميسورة الحال، وأبناؤها كلهم مهندسون وأطباء، وهي نموذج للمرأة الجزائرية المتفوقة والرأسمالية، تعرف تماما ما معنى أن تكون امرأة في الجزائر صاحبة مال وأخرى بلا مال وداخل السجن· وإذا كان مستقبل زوليخة من ورائها فإنها لا تنفي أن المرأة إذا صنعت لنفسها مكانة فهي تصنعها بعد جهد جهيد، وليس الأمر متاحا لجانب كبير من الجزائريات، رسالتها أن يتم التكفل بالمرأة من كل الجوانب سواء كانت ماكثة في البيت أو خارجه في العمل· وتشدد على أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي عند المرأة كلما كانت الجزائر في مأمن· تركنا خالتي زوليخة في مقعدها بمدرسة الخياطة تعلم ''بناتها'' من السجينات ما كانت تعلمه لكثيرات في ورشتها الخاصة ذائعة الصيت في العاصمة، تركناها وهي تأمل التفاتة من الرئيس إلى كل السجينات بعفو أو بتسريع دراسة ملفات كل من تأخرت معالجة قضاياهن· صورية، إيمان، و(ع)··· نريد مؤسسات اجتماعية خارج السجن تعرف مشاكلنا صورية 40 سنة، متهمة بسرقة الذهب، وإيمان 24 سنة متهمة بالسرقة الموصوفة ومدانة ب 12 سنة أما (ع)، بعامين، لاختلاس أموال شركة خاصة·· لكل واحدة قصتها، لكن منابعها واحدة·· المجتمع يقسو في الأولى قبل الدخول وفي الثانية عند الخروج من السجن·· ثلاثتهن يعترفن بأخطائهن، فالأولى اشترت سلسلة ذهبية مسروقة فاتهمت بالسرقة، والثانية قبض عليها داخل بيت أحد مليارديرات العاصمة رفقة مجموعة من الرجال تسرق ماله، والثالثة صحفية سابقة بالتلفزيون الجزائري، غيرت مهنتها فوجدت نفسها تتقلب بين الملايير، فلما غوتها وجدت نفسها في سجن الحراش·· بالنسبة لهن المرأة تساوي التحدي، وكان على المسؤولين أن يجعلوا في الإدارة مؤسسات اجتماعية تتكفل بكل مقبل على جريمة من الجرائم، وهن بذلك يتطلعن إلى عفو رئاسي حتى لا يعاقبهن المجتمع مرتين، الأولى بدخولهن السجن والثانية بقسوته عليهن بعد الخروج منه·· السجن لسنوات أو أشهر لإيمان وصورية هو سجن مدى الحياة·