كنت أتحدث عن /صبيانية الحيّز/ في طواف ما يصادف الإنسان المعرفي، الباحث عن كمون الأشياء والعوالم، فمن الموسيقى - مثلا - ينحدر أصل الحركات والسكنات، كما في صياغات الكائن القارئ، على عكس الكائن غير العاقل من الكائنات، وهو ما ينطبق على الإبداع الإبداع الإنساني، غير أن عاطفة الجماعة ومصالح تقاطعاتها، التي يحلّلها لنا علم الإجتماع العام وتفريعاته، تبقى تعبيرا عن خلجان متماوجة العمق والسطحية، كما نجده في / الأيديولوجيا /، باعتبار أن هذه الأخيرة انعكاس للأهواء الإنسانية أكثر منها تمثيلا للخلاص الذي يفترضه الوجود البشري، لذلك لم تنجح الآداب الإنسانية إلا في صناعة التكرار التاريخي والملل الحياتي، في نظامنا التأملي· هذه واحدة من ظلمات ذلك السرداب الذي يجيز للعاطفة كل الأحكام، بينما / العقل / سجين نزوة النفس البشرية في فنونها، وهو ما عجزت عنه المدارس الفكرية العربية أو المنتسبة إليها، بعدما تحقّق مشروع الولاء، على حساب مشروع الإستقلال، في أوسع تعاريفه الفلسفية، فانهار الواقع الإنساني إلى / أسفل حيوانية / - طبعا بالمعنى الطبيعي للوجود -، فغرق الفن في شارع الإهتراءات العقلية، ولم يجد القارئ للإبداع في عالمنا غير / عاطفة مريضة/ إكلينيكية /، أسّس لها هاجس التسطيح الروحي للتأمل العقلي، في كل حركة أو سكون، لتنغمس روح الإنسان في / علبة المكشوف الواقعي /، كإعاقة أخلاقية متأزمة مع / العقل / · وربّما / السفسطة الحضارية / الخطيرة التي طمست التمايزات المنطقية بين فكر التحرّر العلمي و محاولة التماهي به، هي الخلل الميكانيكي الذي واجه / الذات المكسورة /، فوجدت نفسها منتشية بحضارة الآخر ومنبهرة بأبعاده، إلى الحدّ الذي أصبح فيه الجنون ثورة للأقلية العاقلة ضدّ الاغلبية المجنونة في عالم يمضي إلى الدمار، كما قال الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه· إلى هذا الإستناد العقلي التأملي، انفرجت الفلسفة الغربية على ذاتها وانطلقت إلى مدارج / ذروة العقل/، فنتج عنها الإبداع الإنساني المتخلّص من / سرداب العاطفة / الذي انتعشت به النفسية العربية، فانعكست على الأعمال الإبداعية لأصحابها في صورة تشويه جماعي، بقي حبيس / صبيانية الحيّز /، وهو حصيلة الانكسارات الموجودة في العقل العربي والمنتسبين إليه من / أهل العاطفة الهدّامة /· وأهل العاطفة الهدامة هم ( نحن )، بكل ما فيها من خبايا، لذلك فالإبداع مطالب بالتعبير عن ذاته من الداخل بأدوات العقل والموضوعية العلمية، حتى تأتي / نادرة الوجود / التي تسكن كهوف أعماقنا، فتزيح غياهب الشرّ عن جسور الحياة المضيئة· يتبع···