تناولت إحدى كاتبات المقالات في صحيفتكم موضوع الانتخابات الإقليمية الفرنسية ودلائل نتائجها، انطلاقا من سؤال محوري وطريف مفاده: هل هذه النتائج هي انتصار وعودة للاشتراكيين أم هي هزيمة لساركوزي؟ بقدر ما كان السؤال مهمّا في لعبة الانتخابات الفرنسية، فهو تجنب الخوض في مسألة مهمة تتعلق باليمين المتطرف وزعيمه جون ماري لوبان، الذي تخصص في الهزيمة الانتخابية رغم الشعارات العنصرية التي حملها دوما، وبلغ به الأمر هذه المرة إلى المبالغة في استعمال شعارات أقل ما يقال عنها أنها لا أخلاقية، وحاول فيها إقحام العلم الوطني في قضية المآذن بسويسرا وقضية البرقع بطريقة سخيفة، ليس دفاعا عن قيم الجمهورية والتقدم كما يدّعي، وإنما رغبة في كسب أصوات بعض الناخبين الفرنسيين، الذين أعدوه درسا قبل سنوات عندما تمكن للمرة الأولى والأخيرة من الصعود إلى الدور الثاني من الانتخابات، وساعتها اضطر ألذ أعداء الرئيس الأسبق جاك شيراك من الاشتراكيين لتنشيط حملة لصالحه وتمكن من سحق ممثل أقصى اليمين بما يقارب الثمانين في المئة من الأصوات، واعتقد الكثير من الملاحظين ساعتها أن العجوز العنصري سيتوارى خلف الأضواء، وينسحب في صمت من المشهد السياسي الذي ظل يرفضه على مدار سنين طويلة· ولأن العنصري ''تلميذ غبي'' كما قال القائد الفيتنامي جياب متحدثا عن الاستعمار، فهو لم يستوعب الدروس وظل يبحث عما يؤجج الناخبين من أجل إيصاله إلى كرسي الإليزي، وكانت قمة جنونه عندما رأى الأعلام الجزائرية ترفرف في فرنسا عشية تأهل المنتخب الوطني إلى نهائيات كأس العالم، وكانت الأعلام الجزائرية أقوى من نظيرتها الفرنسية، وساعتها يكون الحقد العنصري قد اختلط في ذهنه بالانتهازية الانتخابية، وقرر مع مستشاريه تصميم ذلك الشعار الحاقد، وهو يعتقد بأنه سيرفع منتخبيه المحليين عاليا تمهيدا لانتخابات رئاسية سابقة يحقق من خلالها ما عجز عنها على مدار سنين طويلة· وما لم يتوقعه ممثل أقصى اليمين أنه خسر ما تبقى له من مصداقية عند الأقلية الناخبة الفرنسية، وخسر سمعة الحزب الذي ألصقت به إلى الأبد صفة العنصري والكثير من الشرفاء الفرنسيين أيدوا مسألة محاكمته لاعتماده ذلك الشعار المقرف· وعودة إلى السؤال الذي طرحته كاتبة المقال: هل كانت تلك الانتخابات الجهوية الفرنسية انتصارا وعودة للاشتراكيين أم هزيمة لساركوزي؟ وبعض النظر عن مسألة الانتصار والهزيمة المؤقتين لهذا التيار أو ذاك، فإن المسألة الثابتة واليقينية هي أن الناخب الفرنسي قد حسمها إلى الأبد وقرر إخراج التيار اليميني المتطرف من حساباتها، وتأكد أن ممثلي هذا التيار لا يقدمون برامج انتخابية واضحة المعالم بقدر ما يقدمون أحقادا عنصرية ضد هذا الجنس أو ذاك، ومثل هذه الأحقاد لا يمكن أن تحل المشاكل الاجتماعية الحقيقية للناخبين الفرنسيين أو غيرهم· ويبدو أن جون ماري لوبان بعد أن ذهب إلى أقصى ممارساته العنصرية ولم ينجح، لم يعد يجد شيئا يقدمه في الاستحقاقات القادمة، والناخب أصبح من الوعي إلى درجة لم يعد يصدق مثل هؤلاء العنصريين وقد طلق العنصرية بالثلاث·