ع مثل عسكر حطّمت موريتانيا الرقم القياسي عربيا في عدد الانقلابات ومحاولة الانقلاب الناجحة منها والفاشلة التي وصلت إلى العشرة، وتنافس أكبر بؤر الانقلابات في القارة الإفريقية، ولا عجب إن وُجد من بين التسعة المرشحين للانتخابات الرئاسية الحالية، اثنان من ''أنجح'' العساكر الإنقلابيين، وهما اعلي ولد محمد فال الذي أطاح قبل سنين بنظام العسكري معاوية ولد سيد أحمد الطايع بعد سنين طويلة من قبضته الحديدية، وانسحب من الحكم بعد ذلك بعد تنظيم رئاسيات لم يترشح لها وفاز بها المدني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله· وثاني أنجح العسكريين الانقلابيين المرشحين لهذه الرئاسيات هو الجنرال محمد ولد عبد العزيز الذي أطاح بسلطة الرئيس المنتخب ولد الشيخ عبد الله، وينافس الجنرالان في هذه الانتخابات الرئاسية سبعة آخرين من الطامحين في كرسي الحكم في بلد يتأرجح بين الديمقراطية والديكتاتورية، ولا يكاد يستقر على حال، وصناع مواسم ديمقراطيته القليلة هم من العسكر دون سواهم· د مثل ديمقراطية من المفارقات، أن البلد الذي يتصدر العالم العربي في عدد الانقلابات العسكرية، هو نفسه الذي يعيش أجمل الأحلام الديمقراطية، والغريب أن الربيع الديمقراطي لم يصنعه مدنيون ولا انتفاضات أو ثورات برتقالية، وإنما صانعه هم العسكر أنفسهم، فالجنرال اعلي ولد محمد فال الذي تمكن بنجاح من الانقلاب على الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطائع (الذي تحول إلى مدني وأعيد انتخابه أكثر من مرة وفق انتخابات رئاسية بالمقاييس العربية وهو في الأصل عسكري)، منح الموريتانيين فسحة ديمقراطية وكان عند وعده عندما نظّم انتخابات رئاسية حرة وديمقراطية دون أن يترشح لها، وفي الوقت الذي تسلّم فيه المدني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله الرئاسة، كثر حوله اللغط واُتهم بالاستبداد، ليأتي العسكر مرة أخرى لينقلبوا عليه بقيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز، بحجة حماية الديمقراطية نفسها· ع مثل عودة مع عودة العسكر، تراجع الحلم الديمقراطي في موريتانيا قليلا، لكنه عاد مجددا من تحت قبعة الانقلابيين، فلم يغلق المجال تماما في البلاد في الزمن العسكري الجديد، بل استمر الحراك والاحتجاج على الانقلاب حتى تم تجاوز الأزمة نسبيا إثر المصالحة التي حدثت بتنازل الرئيس المطاح به عن الحكم وإعلان استقالته، ويعود الحلم الديمقراطي من جديد ولو بشكل أقل احتشاما مما كان عليه في السابق· لكن ما يخشاه الموريتانيون هو أن تكون عودة العسكر الأخيرة، هي عودة نهائية للدكتاتورية التي قد تولد من رحم انتخابات ديمقراطية، ويبقى ذلك مجرد افتراض في بلد مفتوح على الجديد في كل لحظة· ح مثل حرطاني الحرطاني في الاصطلاح المحلي، هو العبد، وموريتانيا بقيت إلى وقت قريب جدا تشكو نظام الاستعباد الاجتماعي الضارب في التاريخ، والمفاجأة أن أحد ''الحراطنة'' السابقين، يتمكن أخيرا من الترشح للانتخابات الرئاسية في موريتانيا، وهو من تلك الفئة التي لم تكن تحلم إلا بالعيش الكريم وبأن تكون سيدة نفسها· الحرطاني المرشح هو مسعود ولد بلخير رئيس الجمعية الوطنية ومعروف بأنه مناضل سابق في حركة الحراطنة قبل أن يستوزر في عهدة الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع، ثم يدخل المعارضة، وها هو الآن يطمح في كرسي الرئاسة، ويطمح في كسب أصوات بني طبقته من ''الحراطنة'' السابقين إضافة إلى أصوات ''البيضان''، وإن نجح في مسعاه، فستكون معجزة موريتاني''ة أخرى، ومفاجأة سارة في بلد المفاجآت الديمقراطية والانقلابية· ف مثل فقراء موريتانيا بمساحتها الواسعة وعدد سكانها القليل نسبيا، وثرواتها السمكية وهي التي تطل على المحيط الأطلسي، تشكو كسائر البلاد العربية والإفريقية من زيادة نسبة الفقراء ومن هم تحت خط الفقر، والفقر هو الوجه الآخر من الفساد السياسي والمالي الذي تعاني منه البلاد· والجنرال محمد ولد عبد العزيز الذي قاد انقلاب 2008 العسكري ضد الرئيس المنتخب ديمقراطيا سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله متهما إياه بالفساد، يقود الآن حملة انتخابية تحت شعار محاربة الفساد والدفاع عن الفقراء، مما جعل أنصاره يصفونه ب ''مرشح الفقراء''، وهو يطمح في أن يكون الفقراء بديلا ''ديمقراطيا'' للدبابة والرشاش في الوصول إلى الحكم من جديد، والاحتفاظ بكرسي الرئاسة· ج مثل جنرال في موريتانيا لا تتعارض كلمة ''جنرال'' مع كلمة ''ديمقراطية'' بالضرورة مثلما يحدث في معظم الدول العربية والإفريقية الأخرى، فالجنرال أعلي ولد محمد فال الذي قاد انقلابا في 2005 كان بالفعل أب الديموقراطية الموريتانية التي أصبحت بين قوسين بعد انقلاب ولد عبد العزيز وهو جنرال آخر سنة ,2008 وفال الذي كان عند وعده ولم يترشح لانتخابات 2007 التي أسفرت عن فوز الرئيس المطاح به سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، ها هو الآن يعود من جديد مرشحا مدنيا في انتخابات يأمل أن تكون حرة ونزيهة، ويعد بأن يحول موريتانيا إلى بلد ديمقراطي حقيقي، وأن تدوم تلك الديمقراطية التي بقيت موسمية إلى حد الآن، وقد تنقلب إلى نقيضها في أي لحظة، وأعلي ولد محمد فال، أحد الأربعة الأبرز والأكثر حظا بين تسعة مرشحين يطمحون لكرسي الرئاسة في بلد الديمقراطية والانقلابات·