جاءت الألفية الميلادية الثالثة بنمطية القبح ، فكان القرن الواحد والعشرون عديم المضامين ، متكالب الأشكال ، فانحازت مظاهر الحياة إلى انكماشتها الأولى ، وماعادت فنون الآداب وشعرية الرؤى والهموم الفكرية متوهجة ، بل ربّما لعبت نظرية التأثّر والتأثير كل أشواطها الفلسفية وجرى إفراغها من متعة قراءة الشعر أو سماعه ، إلى أن انتصر على الحكمة ذلك الخداع النفسي ، بتعدّد الوسائط وجنونيتها ، سيما في فضاءات التقنية الحديثة · وإن كانت قراءة هيمنغواي أو كاتب ياسين تنتشي بحضور قارئها المتلوّن ، إلا أن عدمية القارئ المعاصر في واقعنا الإفتراضي ، تخسر باستمرار منابع ''القيمة'' ، بل تحوّلها إلى''سلعة إسفاف'' ، مع انتشار تجارة الأدب والسينما والومضات الإشهارية ، حيث انكسرت مرآة الإنسان على مرآى من الميتافيزيقا ، فانتحر الشّعر في منابره وساحاته ، بمجرّد تخلّي الإنسان عن مقامات كيانه ، حتى كأن الجمالية انجرفت من علياء روحها الكامنة ، فما عاد الشعر هو الشعر ، بقدر ماعاد الواقع إلى تواطئه مع''سطحية القبح'' ، رغم أن التراكم بقي محفورا في خيالات غير مستسلمة إلى الإنعدام ، في أجواء هذا القرن الواحد والعشرين · ما الجدوى من المقاهي الفئوية التي فرّخت الروائح الكريهة وطردت روّادها العميقين ، سواء في ممارسة الفن ، كجوهر للأشياء ، أو في الحرية التي تتهدّدها الفوضى من جنباتها ، إلى الدرجة القصوى من العدمية الشكلية الخبيثة ، حتى كأن التأمل الفكري في الحياة قارب سن الشيخوخة ، في ظل ''ثورة القبح'' - بالمعنى المعياري للكلمة طبعا - ، فمالت الصورة الإبداعية إلى كهوف ا ماقبل الإنسان ا وتجرّدت علوم الحياة من ''إنسانها الخبيث'' - بالمعنى الأخلاقي الفاسد عند الأخلاقيين - ، فما عاد الأدب انعكاسا للفكر ، بقدر ما تحوّل الفكر إلى ''سجونه السيكولوجية'' ، فانبهرت ''الجاهلية المعاصرة'' بمكنوناتها ، بل وفقدت بريق أحلامها الأولى · ومن من الشعراء والأدباء في هذا القرن ، استطاع أن يقولب الفكر في الواقع ، دون أن ينزاح إلى البضاعة / السلعة ، مثله مثل ''صانع الزيوت النباتية'' في سوق خردوات الإقتصاد العالمي المتنافس على الإنفراد بتوليد جماليات القبح ، بأكثر قدر ممكن من التزييف الفكري والتسابق نحو تعميم تجربة الإغتيال الروحي لكل معادن الطبيعة ، فانصرفت الحياة من أنظمتها الفطرية وتلتها''حياة الإفتراض'' ، حيث الأعمى أصبح بصيرا في ظلماته ، فانتقل الإنسان من سيره على الأقدام إلى الانتظار الشنيع في طابور الخيبات اليومية ··· ··· يتبع