بلغت عدد حالات المحكوم عليه بالسجن المؤبد أو مدى الحياة ببلادنا، حوالي 2042 حالة من أصل 55 ألف سجين عبر مختلف المؤسسات العقابية في الوطن، وقد عرفت وضعية هؤلاء تحسنا نوعيا في أوضاعهم بالنظر إلى برنامج إعادة الإدماج الذي شرعت فيه المديرية العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج منذ حوالي ثلاث سنوات· كيف تكون الحالة النفسية للمتقاضين وهم يستقبلون النطق بالحكم في القضايا المتابعين فيها والقاضية بإدانتهم بالسجن المؤبد؟ وما هي ظروف معيشتهم في السجن؟ وكيف يقضون أوقاتهم خلف الأسوار العالية؟ وكيف يعيش الأهل طول غياب ذويهم؟ هي أسئلة حاولنا معرفة تفاصيلها لدى بعض المحكوم عليهم بالسجن المؤبد أو مدى الحياة عبر بعض المؤسسات العقابية تازولت بباتنة وتيزي وزو وسجن الحراش بالعاصمة التي فضّلت الاحتفاظ بشهادة محبوسين إلى غاية زيارتنا لسجن تيزي وزو يوم الأربعاء الماضي، بحيث التقينا بعدد من المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة، بحيث يوجد في هذه الحالة حوالي 2042 محبوس من أصل 55 ألف محكوم عليهم في قضايا مختلفة سواء متعلقة بالحق العام أو الإرهاب وقضايا أخرى عبر الوطن· محمد من تيزي وزو·· تعلمت حب الوطن والعمل يبدو ''محمد قويا'' في شخصيته وهو يتحدث إلينا بالرغم من أنه محكوم عليه بالمؤبد ويتمسك بأمل كبير في أن يعود يوما إلى قريته التي غادرها قبل عشر سنوات تاريخ الحكم عليه بالسجن مدى الحياة في قضية للقتل العمدي، وقد أصبح محمد الذي كان يتحدث إلا باللغة الفرنسية، يتقن أيضا العربية بل يكتبها أيضا، كما اكتسب حِرفا ومهارات بعد أن تلقى تكوينا خاصا بالسجن، وقد بدا لنا محمد ونحن نتحدث إليه واثقا من نفسه، وغير مبالٍ بأيام الحبس، وأن يأتي يوما يصبح فيه حرا طليقا ويعود إلى المجتمع الذي هجره ورفض قبل عشر سنوات الاندماج فيه· بحسب تعبيره· وفي هذا الإطار، يقول محمد: ''خلال السنوات الأولى التي أدخلت فيها السجن كنت أعتقد أنها نهاية العالم بالنسبة لي، ولكن مع مرور الأيام وبفضل ممارستي لبعض الحرف والشروع في التعلم أدركت بأن للحياة طعم، وأننا لم نخلق عبثا·· لقد تعلمت حب العمل·· وأكثر من ذلك حب الوطن، وزاد تعلقي الكبير بهذا الوطن بمناسبة تأهل فريقنا الوطني لمونديال جنوب إفريقيا··· أتمنى أن أفعل شيئا واحدا يسعد وطني، كأن أصبح فلاحا بعد خروجي من السجن، أو أن أصبح عامل نظافة يكنس الشوارع التي يمر منها الجزائريو''· وبمكتبة السجن، التقينا أيضا بمحكوم عليه بالمؤبد، كان ينظر إلينا بنظرة تملأها الحيرة والدهشة، وعندما سألناه عن سبب هذه النظرات قال لنا بأنها المرة الأولى التي يتحدث فيها لغريب من خارج السجن عدا أفراد عائلته الذين مازالوا مداومين على وزيارته بالرغم من علمهم بأنه محكوم عليه بالمؤبد· وفي هذا الشأن يقول سعيد إنه يبلغ من العمر 41 سنة وقضى خمس سنوات في السجن، وهو محكوم عليه بمدى الحياة، لكنه يأمل بأن يرى النور خارج السجن يوما ويعود للحياة الطبيعية، ''لقد أدركت حجم الخطأ الذي ارتكبته''، يقول سعيد، الذي يضيف بأنه تعلم الكثير· وعن مدى تمسكه بعائلته يقول سعيد''إن عائلتي مواضبة على زيارتي ولم تقطع الأمل يوما بأن تراني حرا في أحد الأيام·· فحتى شقيقتي قالت لي يوما، حتى وإن قضيت نصف عمرك بالسجن فسوف تبقى تزورني''· أريد أن أرى عبد الحميد حرا قبل وفاتي (عبد الحميد· ح)، أُدخل سجن الحراش عام 1990 في قضية القتل العمدي، بحيث أنه قام بإطلاق النار على مواطن ببلدية عين البنيان، وقد حكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة القتل العمدي وحمل سلاح ، فأدين بالمؤبد· لكن بعد مرور ثلاث سنوات تم نقله إلى سجن تازولت بولاية باتنة، وكان حينها حميد أميا لا يعرف الكتابة ولا القراءة، لكنه مع مرور السنين أصبح يحسن الكتابة إلى درجة مراسلة والدته مرة في كل أسبوع يطلعها من خلالها على جميع أخباره وتطلعه الوالدة على أحوال العائلة والحي الذي يقطن به· ولم تيأس الحاجة شريفة من مراسلة ابنها، وكلها أمل بأن تراه يوما حرا طليقا، كما أنها لا تستطع زيارته إلا مرة أو إثنين في السجن بسبب بُعد المسافة، وتؤكد الحاجة شريف التي أظهرت لنا بعض رسائل ابنها، أن عبد الرحمن قد تغير كثيرا، وأصبح متعلما واكتسب حرفا مختلف بالسجن، وهو ما اطلعنا عليه من خلال بعض رسائله، وما تتمناه الحاجة شريفة هو أن ترى ابنها حرا يوما قبل وفاتها· فاطمة تناشد بوتفليقة وبلعيز لإطلاق سراحها ''لقد تعبت ومللت من السجن·· مكاني ليس هنا·· أصبحت متخصصة في اجتياز شهادة البكالوريا وأكاد أدخل عالم غينيس··''، هو جزء من كلام فاطمة النزيلة بسجن الحراش منذ عدة سنوات، التقيناها بهذه المؤسسة العقابية قبل بضعة أشهر، وهي المحكوم عليها بالمؤبد في قضية تتعلق بالقتل أيضا· وهي تروي قصتها تؤكد فاطمة أنها سئمت من الزنزانة وتريد أن ترى النور يوما على حسب تعبيرها، وتؤكد فاطمة بأنها تحظى بمعاملة جيدة بالسجن، لكن هذا لا يكفي، ''لقد ندمت على فعلتي التي وقعت تحت طائلة ظروف خاصة··· لكنني اليوم متعلمة وأكثر من ذلك تحصلت على شهادات عليا طريق التعلم عن بُعد··'' وتؤكد فاطمة أن أهلها مداومون أيضا على زيارتها ولا يستطيعون فراقها، بحيث يعذرونها ويعلمون سبب إقدامها على ارتكاب الجريمة التي تعاقب بسببها اليوم''· هي جزء من القليل مما تمكنا من جمعه لدى بعض المحكوم عليهم بالمؤبد عبر بعض المؤسسات العقابية، ندم·· وأمل في الحرية، وحب للعمل والوطن وعودة للاندماج في المجتمع·