هل نقرأ المشهد السياسيَّ الدوليّ، أم نحاولُ استقراءَ طبعته العربية، أم نكتفي بتتبّع التطوّرات والأحداث على الساحة الفلسطينية، هل نتنقلُ بين المدن عبر الحواجز والطرق الالتفافية، فالجغرافيا الجميلة المخدوشة بالبناء المُقحَم تستحق أن نقطعَها على الأقدام ونستنشقَها بلا رتوش، وبلا هواجسَ دخيلةٍ على انسياب التاريخ والجداول، ولا على تناغمِ السياق، هنا الناصرة على بُعدِ أُمنيةٍ، وحنينٍ واحدٍ من جنين، وهنا بلاطة على أمل اللاجئين، وهنا لا بد من جدارٍ لِكي ''يرتدّ إليك البصرُ خاسئاً وهو حسير''، ولكي لا يصلَ صوتُ المتوسّط وأشياءٌ أخرى قد تردِفُ الروحَ بالشوق وتستأنف أغنيةً ساورها اللحنُ والحزن، وتنسفُ أيّ قرارٍ بغضِّ البصر عن البيت والقدس واللاجئين، وبلا شاطئٍ نتّكئُ عليه في استدلالنا، نسلكُ الطريقَ في التحليل، فقد صادروا مخطوطات البحر الميت وخطوطه واحتلّوا كهوفَ قمران، وأصبح هاجسُهم مُنصبّاً على الحلقة الثالثة في الوطن الذين لم يغادروه عام النكبة، وبما أنهم لم يغادروا فعليهم ألا يُحسّوا بالنكبة، وعليهم أن يحتفلوا مثلهم أيضاً بشيءٍ ما، بنشوة النسيان والاختفاء، والاحتفاء بالجلاد ليستحقّوا غنيمة جديدةً - بما أنهم لم يُغادروا - نكبةً تليقُ بهم وشعبِهم، وتَمنحُ الغزاةَ مهلةً إضافيّةً تؤجّلُ الاندحار، وبلا بساط ريحٍ أو مطار، عبر بئر السبع والنقب المنسيّة إلا مِن نصوص الكتب المقدَّسة الشاهدة على أهلِها قبلَها في الآثار، نستقرئُ الشواهدَ الخلفيّة وعِترةَ الصحراء والمزار والطرقَ القديمة ورائحة الدين والدينونة، ولهجةً عربيّةً حنونة، في القيلِ والصخرِ والقيلولة، تمتدُّ في علوم مَجمعِ البحرين، عبداً يُعلّمُ النبيّ، شعباً يُقلِّبُ الحصار، ويَفْتَكُّ مِن المَلِكِ الغاصبِ السفينة، ويبطشُ بالغلام، وتحت الجدار موعدٌ لزمنِ الغدِ الآتي بلا جدار، وفي تحليل المشهد يتكلم ابن حجر و''ينطقُ الحجر''، وتخلعُ دلال نَعلَيْها وتَخلعُ الدلال، وتقطعُ الشكَّ وكلَّ الطريق من حيفا إلى يافا، وترتاح في كلّ المكان حين تتسرّبُ في الرمل وتنتشرُ في السرِّ، فلا يُعثَرُ على سِرِّها حتى الآن، في القراءةِ أنّهم يزرعون الغردقَ والمستوطنات والأوهام والجدران، ولا يأبهون بالقيصر الذي حرضوه على صلب كلِّ من تنبّأَ بنهايتهم وفسّر العهد، وفي القراءة أيضاً أنهم ''لا يُقاتلونكم إلا في قرىً محصّنةٍ أو من وراء جُدُر''، وفي التحليلِ أنهم خائفون من حقيقة الوعد والتئام الورقة التي حذفوها من أوراق ورقة بن نوفل، وفي التحليل أنهم خائفون من سِرِّ الرمل وبراءة العشب، ومن هاجسٍ في الرواية، أو مفاجأةٍ لم يُعدّوا لها ما يؤجِّلُها، ومِن جرحِنا، ونكبتنا، ومن أيِّ شيءٍ يُوحِّدُنا، خائفون، ويسجنون أنفسَهم في ''جدارٍ يُريدُ أنْ ينقضّ''، لكنّهم لا يعلمون أنَّ تحته كنزاً لنا، وأنَّ موعدَنا خلف هذا الجدار·