قرية ثوريرث عدان، التابعة إداريا لدائرة مقلع، الواقعة على بعد 25 كلم شرق مدينة تيزي وزو، هي قرية غير معروفة، لكن قيمتها غالية وشأنها عالي، فقد أعطت شخصية كروية شرفت الجزائر على الصعيد الدولي وصنعت أفراح الملايين من الجزائريين، ويتعلق الأمر بنجم المنتخب الوطني الجزائري لاعب وسط الميدان، حسان يبدة، الذي ينحدر من هذه القرية القبائلية الأصيلة، التي لا تزال إلى يومنا هذا تحافظ على تقاليدها، وسكان هذه المنطقة يتميزون بالتواضع والأخلاق وأصبحوا يفتخرون بهذا اللاعب مثلما يفتخر به كل الجزائريين، وكانت الزيارة التي قادتنا إلى هذه المنطقة فرصة لمعرفة بعض حقائق حياة نجم بورتسموث الإنجليزي، وكذا نقل أجواء متابعة كأس العالم ومقابلات ''الخضر''· هل من قرية لها الحظ أن تكون أصل أو مسقط رأس أحد نجوم المنتخب الوطني الجزائري، صانعو ملحمة أم درمان وقاهرو الإنجليزيين؟ بطبيعة الحال هذا ليس سهلا، لكن قرية ''ثوريرث عدان'' التابعة لمقلع بتيزي وزو، كان لها حظا كبيرا لأن تكون قرية أصلية لأحد أشهر لاعبي ''الخضر''، والذي يحمله كل جزائري في قلبه وخصوصا عشاق كرة القدم، وهو النجم حسان يبدة، فبالرغم من أنه ولد وترعرع في فرنسا، إلا أن تعلقه بوطنه وبعائلته وبأصوله وقريته جعلته يتمسك بأخلاقه القبائلية والجزائرية، وحقق أكبر أحلامه بعد التحاقه بالفريق الوطني الجزائري بعدما رفض كل العروض والإغراءات التي قدمها له المنتخب الفرنسي· صور حسان يبدة حاضرة في كل مكان أول شيء شد انتباهنا أكثر عندما وصلنا إلى مدينة مقلع هو وجود صور و''بوستيرات'' لاعب المنتخب الوطني الجزائري، حسان يبدة، في كل مكان، فالتجار وبتنوع نشاطاتهم فضّلوا إلصاقها على أبواب ومرايا محلاتهم وآخرون فضّلوا تعليقها في الجدران، وفي الأسقف، ومعظم مركبات نقل المسافرين تتوفر على صور حسان يبدة، حيث عمد العديد من السائقين إلصاق صورة حسان يبدة إلى جانب الفنان القبائلي الراحل معطوب الوناس، والعديد من السكان فضلوا تعليقها على شرفات ومنافذ المنازل، رفقة العلم الجزائري، ما يدل على المكانة الكبيرة التي يتمتع بها هذا اللاعب في قلوب سكان منطقة القبائل، إلى جانب ذلك فضّل بعض الشباب ملء الجدران وأبواب المنازل بصور هذا اللاعب الذي ينحدر من منطقتهم، وهذا تعبيرا عن افتخارهم بنجم ''الخضر''. اقتربنا من عمي علي، 56 سنة، سألناه عن أسباب هذا الحب الكبير الذي يكنه سكان المنطقة لهذا اللاعب، أجابنا قائلا: ''حسان يبدة أحد محاربي الصحراء الذين ركعوا المصريين في أم درمان، وصنعوا أفراح الملايين من الجزائريين، وقهروا الإنجليز في جنوب إفريقيا، فهو مفخرة الجزائر، فكيف لا يكون مفخرة منطقته، وشرفنا كبير جدا أن يكون هذا اللاعب من منطقتنا''· سكان منطقة مقلع يفضّلون قميص ''حسان يبدة'' والرقم 19 له حكاية، وكل طفل موهوب في كرة القدم يلقب ب ''يبدة'' إذا كان أنصار ''الخضر'' على المستوى الوطني مختلفون في شدة وقوة حبهم وعشقهم لمحاربي الصحراء، وكل واحد منهم له لاعبه المفضل، ويختار اسمه ليكون على قميصه، إلا أن معظم سكان مقلع، يفضّلون اقتناء قميص النجم حسان يبدة، حيث لاحظنا خلال الزيارة التي قادتنا إلى هذه المنطقة أن العديد من المواطنين ارتدوا قميص الفريق الوطني الذي يحمل اسم ''يبدة'' والرقم 19، وهذا ليس فقط لدى المراهقين والشباب بل حتى الكهول والرجال، وخصوصا فئة الأطفال، حيث فضّل أولياءهم أن يشتروا لهم قميصا يحمل اسم اللاعب الذي ينحدر من منطقهم، كما شاهدنا العديد من الفتيات لبسن قميص حسان يبدة، وهذا يؤكد المكانة الكبيرة التي يتمتع بها هذا اللاعب في قلوب سكان المنطقة· وحسب ما أكده العديد من سكان المنطقة، فإن الرقم 19، الذي يحمله يبدة مع المنتخب الوطني أصبحت له حكايات كثيرة، فأطفال الأحياء والقرى يلعبون كرة القدم بالرقم 19، ومن لم يسعفه الحظ أن يشتري قميص المنتخب الوطني، فيقوم بكتابة قميصه باسم حسان يبدة ورقم .19 وحسبهم، فإن معظم اللاعبين في الفريق الواحد يحملون رقم 19، بالرغم من اختلاف ألوانها، كما أصبحت ظاهرة تسمية الأطفال الموهوبين في كرة القدم ب ''يبدة''. وحسب السكان، فلا توجد ولا قرية في مقلع لا تتوفر على طفل أو مراهق يلقب ب ''يبدة''· الفريق الوطني حديث الساعة ومقابلة ''الخضر'' - إنجلترا أعادت الأمل، والأنصار يتوقعون سحق الأمريكيين الحديث عن الفريق الوطني الجزائري هو الموضوع الوحيد الذي استهوى سكان مقلع، فداخل المقاهي، في المحلات، داخل مركبات، نقل المسافرين، في الشارع والأزقة، وحتى في مركز البريد ومركز الصحة·· الكل يتحدث عن حظوظ ''الخضر'' في التأهل للدور الثاني من كأس العالم، وظهر جليا أنهم لا يبالون بالفرق الأخرى ولا بكأس العالم بقدر ما يتطلعون لتحقيق ''الخضر'' آمالهم. وفي هذا الصدد، يقول محمد 36 سنة وهو تاجر ''ففريقنا الوطني هو الوحيد الذي يصنع أفراحنا، فنتحدث عنه لأنه موضوع الساعة، وينسينا همومنا ومشاكلنا، وأنا شخصيا لا أهتم بالمنتخبات الأخرى المشاركة في كأس العالم''، وفي نفس السياق يقول المواطن علي، 30 سنة، عامل بمقهى: ''عقولنا منشغلة فقط ب ''الخضر''، ليس لدينا حديث آخر غيره، ولعلمكم فكل الذين يتوافدون إلى هذه المقهى يتكلمون فقط عن حظوظ ''الخضر'' في التأهل إلى الدور الثاني''· هذا، وقد اكتشفنا خلال لقائنا مع المواطنين أن مقابلة الجزائروإنجلترا أعادت الأمل لنفوسهم، وزادتهم ثقة كبيرة في محاربي الصحراء، بعد المستوى الإيجابي الذي ظهر به زملاء زياني· وفي ما يخص مقابلة الجزائر والولايات المتحدةالأمريكية، يتوقع سكان مقلع أن يسحق ''الخضر'' الأمريكيين، ويقول سي احمد 43 سنة: ''الخضر ركع المنتخب الإنجليزي الذي يضم ألمع نجوم كرة القدم في العالم، فكيف أن لا يسحق الأمريكيين؟''. وفي نفس الإطار، يقول ماسينيسا، 27 سنة، ''نحن نحضر أنفسنا للخروج والاحتفال سهرة الأربعاء، لأننا واثقون من فوز ''الخضر'' على الأمريكان، ولا خوف على محاربي الصحراء فهم واعون بالمسؤولية''· مراهقو وأطفال مقلع يقلدون حسان يبدة في تسريحة شعره الجديدة وقفنا خلال زيارتنا لمنطقة مقلع عن صورة حية تتمثل في تقليد المراهقين والأطفال لحسان يبدة في تسريحة الشعر الجديدة التي ظهر بها في مونديال جنوب إفريقيا، وفي هذا الصدد يقول موح، وهو حلاق في المنطقة ''منذ مقابلة الجزائر وسلوفينيا أصبح المراهقون والأطفال يتوافدون بكثرة إلى محلنا ويطالبونا بقص شعرهم بنفس تسريحة الشعر الجديدة التي ظهر بها يبدة في جنوب إفريقيا''. وفي نفس السياق، يقول زميله كريم ''أصبحنا نمزح مع زبائننا الأطفال والمراهقين ونحاول أن نقنعهم بقص شعرهم مثل تسريحة كريم زياني أو شاوشي أو غزال، إلا أنهم يرفضون ذلك، ويقولون لنا إنهم يحبون تسريحة حسان يبدة لأنه من منطقتنا''· التواضع والخجل والانضباط ميزات حسان ، وتربى في فرنسا على مبادئ الدين الإسلامي والأخلاق الحميدة وتقاليد منطقة القبائل غادرنا مدينة مقلع باتجاه قرية ثوريرث عدان التي ينحدر منها حسان يبدة، دخلنا القرية في حدود منتصف النهار، وجدناها شبه خالية، فالكل منغمس في شغله، ما عدا بعض الأطفال والشيوخ، تقربنا من عمي أحمد، وهو شيخ طاعن في السن. ومباشرة بعدما أعلمناه أننا من الصحافة استقبلنا بابتسامة فخر واعتزاز، وقال: ''جئتم إلى قريتنا لأجل اللاعب حسان يبدة''، وكأنه متيقن من ذلك، وأضاف ''الحمد لله قريتنا أصبحت مشهورة وربي يحفظك يا حسان يا ولدي''. وبعدها أرشدنا إلى أحد المهاجرين القاطنين بفرنسا والذي قدم إلى القرية منذ أسبوع، هذا المهاجر اسمه مراد 27 سنة، يعرف حسان يبدة، تحدث معنا بكل فخر وفتح لنا قلبه قائلا: ''حسان يبدة إنسان جد ومتواضع، لا يعرف معنى التكبّر، فبالرغم من أنه نجم كرة قدم، إلا أنه لا يتأخر في لقاء أصدقائه ورفاقه، ويحافظ دائما على علاقاته الشخصية، لكنه لا يحب تضييع الوقت، وهو جد منضبط''، ويضيف: ''حسان يبدة إنسان خجول جدا، وأحيانا عندما نكون معا رفقة أشخاص لا يعرفهم، لا يتكلم كثيرا، ويركز على كل شيء يقوله''. وعن سيرة هذا النجم الكروي يقول مراد: ''حسان يبدة ولد في باريس، وتربى على مبادئ الدين الإسلامي، وأخلاقه حميدة وحسنة، الكل يحترمه ويحبه لأنه إنسان طيب''. وعن ارتباطه بالجزائر وبمنطقة القبائل، صرح مراد أن ''حسان كان يتحدث دائما عن الجزائر، يحبها حتى النخاع، ومرتبط كثيرا بتقاليد منطقة القبائل''· يعشق كرة القدم منذ الصغر، ووالداه أدركا مسبقا أنه يكون نجما في المستقبل كشف بعض سكان قرية ثوريرث عدان الذين تربطهم علاقات عائلية أو صداقة أو قرابة مع عائلة حسان يبدة، أن هذا اللاعب كان يعشق كرة القدم منذ كان صغيرا، ولن يفارق الكرة حتى عندما يراجع دروسه، ''أحيانا تقوم والدته بوضعه داخل غرفة للتركيز على دراسته وتمنعه من إدخال الكرة إلى الغرفة، ونظرا لتعلقه الكبير بالكرة يقوم بصناعتها بالورق، أو يرسمها ويضعها أمامه ثم يراجع دروسه'' -حسب مراد- واكتشفنا أن حسان يبدة كان متفوقا دائما في الدراسة، وتلقى عدة تشجيعات من طرف أساتذته الذي يكنون له حبا كبيرا. وحسبهم، فقد استطاع أن يوفق بين الكرة والدراسة، حيث كان نجم كرة القدم منذ الصغر وفي نفس الوقت ناجح في الدراسة، علما أنه تحصل على شهادة البكالوريا، وهذا ما جعل عائلته المتكونة من تسعة أفراد تعتبره الابن المدلل، ونفس الشيء لعائلته الكبيرة المتكونة من الأخوال والأعمام· هذا، وقد أكد أحد أفراد عائلته أن والدي حسان يبدة مبارك والسيدة جفجيفة صرحا لهم أنهما أدركا مسبقا أن ابنهم سيكون نجم كرة القدم، كونه ينام ويستيقظ بالكرة، وكان يقضي جل وقته في مداعبة الكرة· يبدة بكى وتأثر كثيرا لوفاة جدته ولم يحضر الجنازة لالتزامات كروية كشف عمي محند، أحد المهاجرين المقيمين بفرنسا التقيناه بمدينة مقلع خلال عودتنا من قرية ثوريرث عدان، كشف أن حسان يبدة متعلق كثيرا بجدته ويشعر بالسعادة كلما يزورها لأنها تدعي له بالنجاح والخير كثيرا، لكنه ''شعر بحزن شديد بعد سماعه أن جدته ذهبية توفيت، وبكى كثيرا، خصوصا وأنه لم يستطع حضور الجنازة نظرا لارتباطه بالتزامات مع فريق بورتسموث الإنجليزي''، ويضيف ''صورة جدته ترافقه في كل مكان، وكان ينظر إليها كلما تكون له مقابلة كبيرة خصوصا تلك المقابلات المتعلقة بالفريق الوطني''·