من أنا؟ محمد الأمين سعيدي شاعر جزائريّ من مواليد 1987 بمدينة المشرية، ولاية النعامة، متحصل على لسانس في اللغة العربية وآدابها، ومشارك ومنظم في عدة تظاهرات ثقافية وملتقيات أدبية، كان من بين الفائزين في جائزة عبد الحميد بن هدوقة الوطنية، ومن بين الفائزين أيضا في جائزة رئيس الجمهورية على معاشي لسنة ,2009 له ديوان شعريّ بعنوان/أنا يا أنت/صادر عن دار الأديب للنشر والتوزيع بوهران، وقصائد منشورة في الديوان الجماعي الذي صدر في مصر بعنوان /سنابل الواحة/، كما نشر عدة قصائد ومقالات في بعض الصحف الجزائرية· كيف جئت للشعر؟ إنّ اللحظة التي ينتقل فيها الإنسان إلى عالم الشعر هذا الكائن الجميل، هي نفسها اللحظة التي حكم له فيها القدر بأنْ ينتقل من العادية التي تأكل قلوب وعقول الناس وتُسيطر على حياتهم إلى الإستثنائية التي تجعل منه إنسانا غير عادي بكل ما تحمله الكلمة من معاني· ولعلي كشاعر مثل غيري من الشعراء ولجتُ عالم الشعر منذ راودني هاجس التمرّد على المألوف ومحاربة الجاهز والعاديّ في حياتي، فشاء القدر أنْ ألدَ ولادة جديدة، ولادة شعرية من رحم الشعر في لحظة مفاجئة لا أزال مصلوبا على لوح مفاجأتها إلى الآن، والحق أني لا أريد ولا أحبّذ أنْ يُنزلني أحد من على صليبها، لأني وإن كنتُ أتألّم وعلى رأسي إكليل من الأشواك إلا أني سعيد أشدّ السعادة بهذا المصير المرير/الحلو الذي يمنح الإنسان فرصة ليرى العالم من زوايا أخرى موغلة في الغياب وملتحفة بالتخفِّي · هكذا إذن جئتُ إلى الشعر أو بتعبير أصح هكذا جاء الشعر إليّ، جاءني محمّلا بجنونه، وعبق حروفه، جاء بخطاياه وبفضائله، جاء وفي يده مفتاح الدخول إلى المغايرة من بابها الواسع الخفيِّ كالغيب· الذي وإن دخل إليه الكثير من الناس إلا أنّه لا أحد بإمكانه أن يضمن بقاءه داخل هذا العالم إلا بمحافظته على كل ما يليق بالشعر، ويرقى إلى مستواه الجماليّ العالي · ولعل الكثير من الشعراء الذين دخلوا هذا العالم ومُنِحوا تأشيرة المرور عبر ذلك الباب طُردوا منه بعد فترة فانقلبوا إلى حرفة أخرى غير الشعر معللين هذا الطرد بحجج هي أوهن من بيت العنكبوت · هكذا دخلت عالم الشعر وأنا ملتحف برداء من الحذر والخوف ومتطلع إلى أفق واسع من الأمل بالبقاء وترك الأثر العميق· ماذا يعني لي الشعر؟ لعلّ هذا الحرص على ترسيخ وجودي داخل العالم الشعريّ في حدّ ذاته يدلّ على قيمة هذا المخلوق التعبيريّ الجميل في نفسي، ومكانته الكبيرة التي تحتلّ مساحة واسعة جاوزت شغاف القلب· ذلك لأنّ الشعر بالنسبة إليَّ هو فرصة لاتخاذ موقف وجودي ولتأكيده بالرؤى والتصورات التي تتوخَّى المغايرة وتبحث عن الاختلاف· كما أنّ الشعر هو المغامرة التي نخوضها باحثين لا عن اليقين كما يفعل العالِم والفقيه والمشرِّع، وإنما عن الاحتمال، عن المسكوت عنه، عن الرؤيا ، حتى يتسنّى لنا تجاوز الواقع الكائن بكل ما يحمله من ركود ويقينية إلى الواقع الممكن بما يُخبئه من احتمالية وتعددية قد لا تحدّها حدود ولا توقفها نهايات· بهذه الاحتمالات الكثيرة التي تتطلّب أفهاما وتأويلات متعددة ومتنوّعة يُمثِّل الشعر بالنسبة لي أيضا تحقيقا لمفهوم الحرية والطلاقة· لأنّ هذه الأخيرة لا يُمكن لها أنْ تنبع من يقينية في الطرح ولا من التزامية في الفكر، والشعر ينأى عن القيود ويتعالى على الأيديولوجيات التي ليس يهمها غير توجيه فهم الإنسان للحياة ورؤيته للأشياء نحو وجهة تقوم على كل القناعات التي تؤمن بها أيديولوجية دون غيرها، لأنه له أيديولوجيته الخاصة التي تعرف جيدا كيف تمنح الإنسان فرصة لأنْ يكون إنسانا خالصا في إنسانيته· وهنا تبرز قضية الأشكال الشعرية، ويبرز السؤال الذي اعتدنا عليه: هل هذه الأشكال تحدّ من الحرية التي يمنحها الشعر؟ والإجابة عن هذا السؤال القديم المتجدّد جلية عندي على الأقل لأنّ الشعر فوق الأشكال وفوق العروض وفوق النحو لأنه هو الذي استُنبط منه العروض واستُخرِجتْ منه القواعد والقوانين فهي منه بمثابة الفصل من الفرع وبمثابة الغصن من الشجرة· ولعلّ أهمّ ما يعنيه لي الشعر هو أنه جعلني أقول ما أريده وأعبِّر عن أفكاري وتصوّراتي كما أريد وأشتهي دون خوف وبلا قيود· كيف يمكن للشعر أن يُنقذ العالم؟ إنّ فكرة تغيير العالم وإنقاذه راودتْ الإنسان منذ أزمنة قديمة جدًّا ، ولعلّ الديانات السماوية والشرائع الوضعية البشرية كانتْ هاته الفكرة من أهمّ الأمور التي تراهن عليها ، وتجتهد من أجل تحقيقها· والشعر في نظري هو الآخر قد يُغيِّر العالم ويُساهم في إنقاذه لكن دون عقد العزم على ذلك ، لأنّ الشاعر لمْ يَحْدثْ أنْ كان واعضا أو مرشدا ، ولكنّ الشعر مع هذا كله يُغيِّر بدرجات متفاوتة ومستويات مختلفة· وحتى نفهم كيف يتسنَّى لهذا المخلوق التعبيريّ الجميل أنْ يُغيّر العالم ومن ثمَّة أنْ يُساهم في إنقاذه ، يجب أنْ نفهم طبيعة التغيير الذي يقوم به الشعر، وهو في نظرنا يشمل أفكار الإنسان وعواطفه لأنّ الشعر ليس له قدرة على شق الأنهار أو بناء الناطحات، وأصلا ليس هذا هو التغيير الذي من شأن الشعر أنْ يقوم به، بل إنّه يقوم بتغيير أشياء مهمة في الإنسان بإمكانها أن تُغيّر العالم · إنّ الشعر يهب الإنسان فرصة لكي يبقى على إنسانيته خاصة في هذا الزمن الجامد الذي يحكمه /التارميناتور/ وتُسيطر عليه المادة بكل ما لهذه الأخيرة من جفاف وخشونة وقسوة· إنّ منح الإنسان فرصة ليبقى على إنسانيته هو في حدِّ ذاته إمكانية كبيرة للحدّ من قسوة هذا العالم الماديّ الذي أصبحنا عالقين في دوائره التي لا تنتهي، ومع هذا كله يبقى تغيير الشعر مقصورا على طائفة من البشر الذين يقرؤون الشعر ويتذوَّقونه وحتى على الأميين الذي يشعرون بكل ما هو جميل وأنيق لأنّ رقعة الشعر أوسع من أنْ تُحصر فينا نحن شعراء الفصيح دون غيرنا، وبهذا يُصبح تأثيره على هؤلاء فقط دون غيرهم أمرا مؤكَّدًا ولعله سيُنقذهم من القسوة التي تنصب أفخاخها في كلِّ مكان·