كغيري من الكتاب والأدباء، الذين تعودوا على ارتقاء سلالم مكتبة نون والتي ستوصد أبوابها وينطفئ /نون/ نورها بعد أيام معدودات تحت ضغط الدينار، أشعر بالغضب واليأس والحسرة ··· وكغيري من المثقفين الذين تمتعوا بالجلسات الأدبية الراقية واللحظات الفنية الحميمية التي كانت هذه المكتبة توفرها بمحبة عالية وترحاب سامق من مالكيه، أحس بالبؤس إزاء انحسار عدد المكتبات وتزايد المحلات التي كل ما فيها يناوئ الكتاب ويوحي باحتقاره ··· أليس غريبا هذا الغلق المتواتر للمكتبات الجادة وتحويلها إلى نشاطات أخرى تكاد تكون شتيمة في حق الكُتُبِ والكُتّابِ والكِتَابَةِ؟؟؟ يضطرني هذا الوضع المأساوي إلى التساؤل عن أسباب تراجع حضور الكِتَابِ في حياتنا العادية وقلّه المدافعين عنه وعن فضاءاته الطبيعية التي تمثلها المكتبات، إلى حدّ أصبح فيه فتح مكتبة رديفا للانتحار وليس لإطلاق مشروع مثمر وحقيقي؟؟؟ لماذا أضحى الكتاب غريبا في بيوت الجزائريين وغير أليف بين أصابعهم؟ ولماذا في نهاية الأمر، يسكتُ الكُتّابُ حين توصد أبوابُ أي مكتبةٍ، وهم أول المتضررين وأكبر الخاسرين من ذلك الغلق المرير؟ هناك إجابات وإجابات عن هذه الأسئلة الحارقة التي يندى الجبين لحقيقتها وجوهرها ··· هناك توجد الغابة الممتلئة بالبعوض والأفاعي السامة والتي تخفيها الشجرة / المكتبة ··· هناك يكمن سرُّ الجهل والأمية المنتشرين بنسب هائلة في المجتمع ··· وهناك الجشع وثقافة الربح السريع التي تؤمن بالآني ولا تؤمن بالمستقبل ··· هناك أيضا التواطؤ ضدّ الكلمة وضد نون النورئ! قبل أيام، دخلتُ مكتبة /نون/ في زيارة وداع أخيرة، فوجدت الصديق المكتبي /كيكي/ وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامته المعهودة· هذه المرة كانت مشوبة ببعض الحزن الشفيف ··· بعد كلمات الترحيب، دلّني على ما تبقى لديه من كتب قائلا: /هذه مؤلفات مهمة جدا ولن تجدها في أي مكتبة أخرى وهي بأسعار مخفضة للغاية/ ··· اشتريت عشرة كتب دفعة واحدة، وحرصت - تحايلا مني - على أن تكتب لي سيدة المكان وبخط يدها على كيس الكتب اسمي وثمن الكتب، لأحتفظ بتلك اللحظة كعربون محبة ووفاء·