من الظواهر الغريبة في بلادنا والتي أقف أماهما مشدوها وحائرا، دون أن أجد لها تفسيرا مقنعا ولا شافيا، تلك الزيارات التي قام بها ثلة من الكتاب والمفكرين الكبار في فترات مختلفة لبلادنا دون أن يبقى لها أثر واضح في ذاكرتنا الثقافية· لقد ذهبت أدراج الرياح مشاهدات ولقاءات هؤلاء الكتاب المرموقين الذين جاءوا إلى الجزائر وهم يحملون في دواخلهم أصداء السمعة والتاريخ والآمال العريضة التي أفرزها استقلال الشعب الجزائري· جاءوا ثم ذهبوا دون أن يتركوا أثرا لزيارتهم لهذا البلد الذي يُجْمِعُ كل من رآه على سحره وبهائه وكرم أهله الطيبين· لقد زار المفكر العظيم كارل ماركس الجزائر، ولكننا لا ندري اليوم تحديدا بمن التقى من الكتاب أو المسؤولين، وما هي انطباعاته عن الشعب الجزائري، اللهم إلا ما عرفناه عن انبهاره الشديد بتقليد /التويزة/ عندنا باعتباره رمزا من رموز التكافل الاشتراكي· أما الكاتب الأسطورة غبريال غارسيا ماكيز، فهو الآخر جاء إلى الجزائر ولكننا - للأسف الشديد - لا نملك أدنى شذرة أو معلومة عن مقامه بيننا· ألم يكتب حرفا واحدا وهو في أرض المليون ونصف المليون شهيد؟ ألم يقل كلمة واحدة في جمال الطبيعة الجزائرية أو في ما استطاع رؤيته ها هنا؟ آه، لو أن الذاكرة احتفظت بتلك الكلمات ··· بلا شك كانت شهادته ستغنينا عن مكائد وشتائم الآخرين· وفي عام 3691 وبدعوة من الرئيس بن بلة زارنا الكاتب الاسباني خوان غويتيسولو ولكن الأمنيزيا كعادتها ضربت وعبثت بذاكرتنا الثقافية فلم نعثر على ما يشفي الغليل عن تلك الزيارة· إنني أبقى متيقنا إن الحرص على تدوين تفاصيل مجيء المفكرين الكبار وحضور الكتاب المرموقين في هذه البلاد ونقل ما قالوه أو كتبوه - بكل أمانة - يسهم في إبراز المحمول الثقافي الجزائري ويقدم الجزائر بلدا وشعبا وثقافة على أنصع وجه وأبهى تقديم·