حي الأعمال بباب الزوار، بدأت معالمه تتضح يوما بعد يوم، والورشات المفتوحة هناك بدأت نتائج عملها تظهر للعيان، ولم يعد الطريق إلى هناك مقطوعا أمام السيارات الخاصة، مع افتتاح مركز باب الزوار للتسوق والتسلية، الأول من نوعه في الجزائر والذي شهد إقبالا منقطع النظير من الأفراد والعائلات، بين فضولي وراغب في اكتشاف فضاء تجاري وترفيهي جديد بديل عن الفضاءات التقليدية التي لم تعد تلبي حاجياته الحياتية الجديدة· كان الوقت زوالا، والجو حارا مصحوبا برياح وغبار، ومع ذلك كانت حركة المرور مختنقة بالسيارات عند المواقف الداخلية والخارجية، وحتى عند مدخل الراجلين الذي يحتاج المرء عنده إلى الوقوف في الطابور من أجل المرور إلى الداخل وتجاوز حاجز أعوان الأمن· وتزداد زحمة الناس أكثر عند المحلات الداخلية الخاصة بالمواد الغذائية وحتى عند البيتزيريات، ولا يكاد المرء هناك يحصل على طلباته إلا بعد مرور أكثر من ساعة من الزمن، وكثيرا ما ييأس من كان يطلب البيتزا ويترك مكانه متحملا الجوع على مرارة الانتظار في ذلك الجو الخانق· زبائن وفضوليون يتكون المركز من ثلاثة طوابق وآخر تحت الأرض هو عبارة عن موقف كبير مجاني لسيارات الزوار· ولئن كان الطابق الأول مخصصا بشكل شبه كلي للمواد الغذائية، فالفضول يدفع الجميع إلى اكتشاف ما يحتويه الطابقان المتبقيان، ومع أن الصعود إلى هناك يتم عن طريق مصعدين كهربائيين كبيرين وسلالم كهربائية متحركة، فإن الطريق إلى هناك ليس سهلا بالنظر إلى الأعداد المتزايدة من الناس عند كل السبل إلى ذلك· وعند السلّم الكهربائي المتحرك كانت سيدة تمسك بابنتها الصغيرة تصرح برأيها وتؤكد أن لا فرق تقريبا بين أسعار السلع في هذا المركز وأسعارها في المحلات التقليدية· وما إن نصل إلى الطابق الثاني حتى ندخل عالما آخر، إنه عالم الموضة والأزياء مع fashion planet الممتلئ هو الآخر بالزبائن والفضوليين، وسط الألبسة وفي انتظار حفل عرض الأزياء الذي يشهد إقبالا كبيرا، والكثير من الحضور يحاول الاحتفاظ بتلك الأجواء عن طريق التصوير بالبورتابل، وشارك في العرض مجموعة من الفتيات والفتيان يرتدون الألبسة المطروحة للبيع والتي يبرر الباعة غلاءها بأنها تنتمي إلى ماركات عالمية معروفة، مما يبرر غلاءها مقارنة مع ما هو موجود في السوق العادية من سلع صينية وأخرى تركية· وخارج القاعة كان أحد الزوار يدخن مع أن قانون المركز يمنع التدخين، وعندما نسأل أحد العمال يجيب بأنه ربما يكون أعوان الأمن قد غفلوا عنه، لكن القانون الداخلي يمنع التدخين· ويبدو أن المركز لم تنته الأشغال به تماما بدليل الكثير من المرافق ما تزال مغلقة ومنها المقهى الكبير الموجود في الطابق الثاني بجانب ''كوكب الأزياء'' ذاك، ووسط البهو الكبير، توجد صناديق شفافة تشبه تلك التي تستعمل في الانتخابات، وبجانبها فتاة في شكل مضيفة تؤكد أن الأمر يتعلق بعملية طومبولا لا يشارك فيها إلا الذي يشتري شيئا من المركز ويحصل على قصاصة تمكنه من دخول لعبة الحظ تلك، وتستعرض قائمة الجوائز المغرية، أهمها سيارة من نوع ''بولو- فولسفاغن''، إضافة إلى الكثير من الجوائز الأخرى التي يفوز فيها 170 شخص، والطومبولا مفتوحة إلى غاية الثاني عشر من شهر أوت وتعلن نتائجها يوم الخامس والعشرين من الشهر نفسه، وتؤكد ''المضيفة'' أن المركز الذي فتح بمناسبة شهر رمضان لا يغلق أبوابه إلا عند منتصف الليل، وفي شهر رمضان سيستمر مفتوحا من التاسعة صباحا إلى غاية الرابعة صباحا من اليوم الموالي· ورغم الازدحام الموجود عند المصاعد وفي كل الطوابق، إلا أن بعض الزائرين يؤكدون أنه في اليوم الثالث كانت الحركة أقل من اليوم الثاني، وكان الأمر في اليومين الآخرين أقل من اليوم الأول، مما يؤكد أن نسبة كبيرة من الزوار هم من الفضوليين، ويستمر الحديث بين الزوار عن الأسعار التي يراها البعض معقولة مقارنة بفخامة المكان ويراها البعض مرتفعة قليلا عما توقعه ودفعته الحاجة إلى محاولة اكتشاف ما هو أرخص مما هو متوفر في الأسواق التقليدية· البولينغ و''يا ليل يا عين'' يزداد عدد المتجمعين عند السلم المتحرك المتجه إلى الطابق الثالث، والسبب هو الخلل المفاجئ الذي يحاول التقني تداركه بدون جدوى، ويتحول فجأة ذلك السلم إلى الاشتغال بطريقة تقليدية، وعند الوصول إلى الطابق الأخير كانت الحركة أقل حدة مما هي عليه في الطابق الأول على وجه الخصوص، وهو طابق يحتوي على قاعات للسينما ما تزال الأشغال جارية فيها ولم تفتح أبوابها بعد، إضافة إلى مطاعم ومقاهي منها مطعم ''يا ليل يا عين'' اللبناني، وقاعة للعبة البولينغ التي يفتخر أصحابها اللبنانيون أنها الأولى من نوعها في الجزائر، وهي قاعة فسيحة مجهزة بأحدث الوسائل التكنولوجية وتحتوي على 18 رواقا، ومن حق الزبون الذي يدفع مبلغ 500 دينار جزائري الحصول على 10 كرات ويتصرف فيها كيف يشاء في الوقت الذي يشاء، ويحصل الزبون هناك على حذاء خاص ومن شأن مرافقيه الجلوس على حافة الرواق في مكان مجهز بكومبيوترات تسجل تفاصيل اللعبة ونتائجها مما يعطيها طابعا خاصا، ويفتخر عمال قاعة البولينغ بالإقبال المتزايد للناس، حيث كانت الأروقة الثمانية عشر مملوءة طيلة وقت اللعب· وعند مدخل قاعات السينما التي ما تزال الأشغال جارية فيها يقام معرض لرسومات الأطفال ساهم فيه فنانون صغار من مختلف أنحاء العالم وتم تنظيمه من قبل إحدى المنظمات العالمية، وعلى مقربة من هناك يؤكد بعض أعوان الأمن أنهم في مهمة مستعجلة فرضتها ظروف افتتاح المركز نتيجة لإصرار الشريك الجزائري وهو رجل الأعمال يسعد ربراب الذي يدير الطابق الأول منه، وحسبهم، فإن الشريك الجزائري أصر على ذلك رغم أن الأشغال لم تنته حتى يتزامن ذلك مع بداية شهر رمضان· ويعود الحديث مرة أخرى عن الأسعار، ويؤكد البعض أنها معقولة بدليل أن زجاجة الماء المعدني لا يتجاوز سعرها ال20 دينارا وهي التي تباع في أماكن أخرى ب25 دينارا، ويقول آخرون أن سعر مواد التنظيف مثلا التي تباع في المحلات الأخرى ب 500 دينار، تباع هنا بنفس السعر، لكن يوضع على اللافتة 99,499 وهي مجرد حيلة تسويقية بصرية معروفة، ويحتوي نفس الطابق الثالث على محلات أخرى منها معرض للحلي التقليدية ولوحات زيتية فنية واقعية تصور بعض الأماكن العتيقة في الجزائر· عودة إلى الطابق الأول العودة إلى الطابق الأرضي كانت سريعة وعن طريق المصعد الكهربائي الذي يتسع لعدد كبير من الناس، وتزداد متعة الركوب فيه مع شفافية جدرانه الزجاجية، حيث تظهر محلات الساعات السويسرية الموجودة في الطابق الأول من بعيد وهي تقترب شيئا فشيئا، وعند الوصول إلى ذلك الطابق، تزداد الحركة عند جناح المواد الغذائية والأجهزة الكهرومنزلية وحتى لدى محلات البيتزا مع أن الزمن كان الثالثة بعد الزوال· ويمتلىء ذلك الجناح عن آخره بالزبائن والفضوليين، والكثير منهم يستعمل اللعبة المخصصة لاقتناء الحاجيات وسيلة لنقل أولاده الصغار، ويقارن الناس في كل زاوية أسعار المركز مع أسعار نفس المواد في أماكن أخرى، حيث أقراص لعبة البلاستايشن مثلا تباع ب 140 دينار وأسعار أقراص الأفلام الأصلية تباع ب 150 دينار، أما الكومبيوترات وأجهزة التبريد فهي مرتفعة ويبرر الباعة أن الأمر يتعلق بماركات أصلية وليست مقلدة مثل تلك التي تمتلئ بها السوق الجزائرية· ''باب الزوار'' وشبح كارفور يفتخر المشرفون على المركز أنه الأول من نوعه في الجزائر وحتى في المغرب العربي، مع أن البعض يؤكد أنه يوجد ما هو أفخم في تونس مثلا، ومركز باب الزوار حسب بطاقته الفنية يحتوي على 94 محلا تجاريا ترفيهيا متنوعا، ويفتح أبوابه طيلة أيام السنة بما فيها أيام العطلة الأسبوعية والأعياد، ويشغل 1500 عامل وقيمة الاستثمار فيه 7 ملايير دينار وهو ما يعادل 70 مليون يورو، وهو تابع لمجموعة Valartis السويسرية التي تنوي فتح مراكز مماثلة له في مدن جزائرية أخرى في الشرق وفي الغرب، ويشمل مساحة 45 ألف متر مربع ويقدم أشهر الماركات العالمية الأصلية بأسعار في متناول المستهلك الجزائري العادي· ورغم كل هذه الإغراءات، فإن ما يخشاه البعض أن يكون مصيره كمصير ''كارفور'' الذي اضطر لغلق أبوابه لأنه لا يعرف حقائق السوق الجزائرية، وما الإقبال الكبير العادي إلا من باب الفضول، لكن كل ذلك مجرد افتراض لتجربة ما تزال في بدايتها، والناس فعلا يبحثون عن بديل عصري لواقعهم الصعب في ظل غياب مثل هذه الفضاءات في بلادنا·