في هذه الرسالة سأحدثك عن أشياء كثيرة ومتزاحمة ومتدافعة·· أرميها هكذا، مثلما يرمي اللاعب الفار من نفسه كرته·· تصور أن نصك، اكتشفته مؤخرا، وكان ذلك يوما بعد رحيلك، والفضل يعود إلى الصديق جيلالي نجاري، عندما سألته عن نص أقدمه لك في أمسية الإفتتاح في فضاء ليالي الجزائر نيوز·· باغتني النص، بما فيه من تنبؤ حول يوم وفاتك·· حتى العنوان كان مثيرا للغاية ''مشيت في جنازتي، ومشى الناس··'' كان فعلا نصا قويا، وشفافا، ربما لأنه كان نابعا من لحظة حزن عميقة وحالة كآبة كثيفة·· بينما نصك الأخير، ''قصيدة في التذلل''·· لم يعجبني البتة، تمنيت من أعماقي أنك لو لم تقدم على نشره·· كان مرتبكا، ركيكا وسطحيا·· وتعجبت كيف كتبت مثل ذلك النص الرديء وأنت في حالة المرض، وعلى شفا الموت·· قمت فيه بتصفية حسابات صغيرة، كلها مرتبطة بالسباق نحو المنصب، وبالمشاحنات التي كثيرا ما تصبح علامة كبيرة في حياة صغار المثقفين والموظفين·· لم توفق في الأسلوب، ولا في الشكل، ولا في المضمون·· بدا لي النص وكأنه نص كاتب ناشئ، وليس بأي شكل من الأشكال نص كاتب مجيد، مثل صاحب ''اللاز'' و''عرس بغل'' و''تجربة في العشق''··· قلت وأنا أنتهي من ''قصيدة في التذلل'' بمشقة، ماذا أصاب وطار حتى يكتب بهذا المستوى·· هل أصابه· قبل لحظة الرحيل!؟ قلت ذلك للروائي رشيد بوجدرة بحيث علّق، أنه قرأ النص مسلسلا في جريدة الشروق ووجده ضحلا وتافها·· ونفس الملاحظة، أدلى بها لي الروائي الأمين الزاوي·· تمنيت أن ألتقيك وأقول لك ذلك·· لكن الأيام حالت دوننا·· فكرت أن أقدم مقالا عن ''التذلل'' في الأثر، لكنني تراجعت في آخر لحظة، ووجدتني أتريث قليلا، لأن وضعك الصحي لم يكن يسمح أن أكتب عنك كلاما قاسيا·· وها أنت الآن حيث هناك، وأنا هنا في الوقت الراهن قبل أن تحين لحظتي بأن أكون هناك·· أخاطبك، أخاطب طيفك، أخاطب روحك المبثوثة في نفوس كل من يقرأ هذه السطور·· أخبرك أيضا أنه اتصل بي من ألمانيا صديقك ورفيقك القديم رشيد كوزا هذا الرجل الفذ، الذي ناضل في اليسار، وانتقل إلى فرنسا واشتغل في مجلة أفريك آزي، يوم كانت أفريك آزي تخلق الحدث بالمنطقة، قال لي، أنه قرأ رسالتي الأولى إليك، وهو الآن قيد الإشتغال على مقال مطول عن تلك اللحظات التي جمعتكما في بداية الستينات يوم كنت أنت على يسار الأفالان، وكان هو في اليسار الشيوعي·· قلت له، أنا في انتظار المقال لنشره·· وشعرت أنه سيقول أشياء أجهلها، وذلك كم أفرحني·· أنا الذي أدعي أنني تعرفت عليك، أكيد أنني أجهل أكثر من الكثير عنك··· وهذا يقودني إلى تلك المقاطعة المثيرة للخجل التي مارسها ضدك، عدد من الإعلاميين، لقد حاولوا تناسيك، وتجاهلك، وذلك بسبب ما قلته عن الطاهر جاووت، وعن الفرنكفونيين·· وجدت ذلك ساذجا، يعبر عن قصر نظر وعن حساسية ثقافية وإعلامية، إنهم يعيدون إنتاج الإقصاء والتجني الذي سقطت فيه أنت بدورك أيام التسعينات·· والآن؟! أكيد أنك التقيت بالكاتب الجميل عمار بلحسن الذي كان على رأس التبيين، وبالفيلسوف البديع بختي بن عودة الذي حل محل عمار بلحسن، والمفكر الشاعر الرائع يوسف سبتي·· ترى ماذا قلت لهم؟! وماذا قالوا لك؟! هل هم في نعمة، هل لا زالوا يفكرون ويحلمون·· هل لا زالوا يتفكرون الدنيا والأصحاب،، وبلد اسمه الجزائر؟! تصور أن عمار بلحسن توفي مثلك مصابا بالسرطان·· أما يوسف وبختي فلقد رحلا إلى هناك بشكل تراجيدي، كلاهما كنت تلتقيه في مقر الجاحظية وتتجاذب معهما هواجسك وأطراف الحديث المشوب بالقلق والخوف··· والآن لست أدري كيف سيكون اللقاء بينكم وماذا يمكن أن تقول لهم·· أكيد أنك لن تعيد عليهم شكواك من المثقفين والأصحاب والبلاد··؟! كل ما أتمناه لك، أن تكون فعلا أنت والأصحاب في مقام زكي···