كان سعيدا·· بل يكاد أن يموت من شدة سعادته· في ملابس نظيفة أنيقة، كأنه يحتفل بعيد أتي قبل موعده، أو عيد خاص به، هو لوحده، عيده السري الذي لا يجب أن يعرف به أحد؛ سيهرب من البلد بطريقة غير شرعية وأي إفشاء للسر، سيجعل كل ما خطّط له يمضي في مهب الريح ··· هذا إن لم يركل ومن معه خلف القضبان!· بعد جولة حنينية بأرجاء المدينة، كانت الشمس ساطعة فوقه، عندما نزل إلى صالة السينما، حيث اشتغل لفترة يرشد روادها إلى مقاعدهم، بلغه أنها عما قريب ستصير صالة أعراس، أفراح ومناسبات خاصة· بلباقة طلب من مالكها الجديد أن يسمح له بإلقاء نظرة أخيرة على صالة العرض قبل أن يشرع في إعادة تهيئتها؛ فك كراسيها لإفساح مساحة لحلبة الرقص وسطها· بردهة المدخل، شعر بضيق شديد وهو يرى عاملا يزيل أفيشات الأفلام· يمزّقها بمكنسة، وليس ببعيد عنه شاب في ملابس مبقعة بألوان عدة، رسام هاو بيد مرتعشة يرسم عروسا بثوب الزفاف على اليافطة الكبيرة التي ستعلق عما قريب عند المدخل ··· عطس لمرات متلاحقة، مرارا وتكرارا، إلى لفت انتباه كل من بالمكان، تورم انفه بفعل الهواء المشبع برائحة سجائر الرسام عرقه وأصباغه المنتهية الصلاحية والتي أضاف إليها كمية كبيرة من المازوت ··· رائحة الخشب القديم، وأكثر بفعل الغبرة التي تصاعدت بكثافة بمجرد ألقى عامل أمهق بأول كرسي منجد بقطيفة حمراء على الأرض، من الطريقة التي القي بها الكرسي أدرك أنه عاني كثيرا لاقتلاعه من مكانه··· فجأة على نحو غير مريح فاحت رائحة براز آدمي من المراحيض القريبة التي أهملت منذ توقف صالة السينما عن العمل، لم يتملك سليمان نفسه فغادر المكان مسرعا· وكأن عاصفة عاتية هبت داخله فجأة، فسحبته خارجا· لكن، لأول مرة لم تخطر بباله فكرة حرق دبلوم دراسته لفن الإخراج السينمائي، لم يكن يوما شخصا يبحث عن طرق حيل أساليب وتعرجات كسب المال· لا، لا بالمرة· لذا لم يندم على أي فرصة عرضت عليه وركلها· لم يندم أنه رفض إخراج سكاتشات هزيلة، وكاميرا خفية لحساب علبة إنتاج خاصة· متيقن هو أن الإبداع كالموت· إنه عملية طويلة مضنية، ليست مجرد التقاط ما وجد من قبل· ببساطة، قد اتخذ قرارا لا رجعة له عنه، وأعدّ العدّة كاملة لتنفيذه ··· ربع ساعة عند الحلاق· مرور سريع على بقال الحي، ابتاع صفيحة من التمر المعجون· علبة من مربي التفاح ··· بمزاج حاج، حاج حقيقي بملابس كاتمة للبرد، وألق يبرق بصورة واضحة بعينيه إلى درجة أضاء وجهه، صار يشع بياضا· بياض ميت مدّدَ فوق دكة الغسيل، سيبعث من جديد بعد ساعات قليلة ··· في الميثيولوجيا الفرعونية المضي إلى العالم الآخر لبدء حياة الخلود يتم على متن قارب··· قال ضاحكا بصوته المرتعش ··· متحمس هو وخائف· خائف لكنه غير متردد· قرّر وانتهي، كلماته معنا أصبحت دقيقة، عاطفية وجدّ مرحة، مرح يفتعله، لكن رغم ذلك فإن المرارة التي يختزنها بأعماقه ويكظمها عنا نسمع نشيجها· ترجيع صدى ضحكاته تلك، المصطنعة· محبور؛ سيخرج إلى الفردوس بعد ساعات، ومع الشابة التي تنتظره تحت، عند مدخل العمارة، على متن تاكسي نومرو، جالسة بالكراسي الخلفية في فستان بنفسجي عليه وردات بيضاء· معطفها الشتوي بحجرها· تغطي عينيها بنظارة سوداء وبمنديل ورقي تجفف دمعها· وجهها الدائري أصبح فارغا بشكل محزن، لكثرة همومها· لكثرة ما عانته خلال الأشهر الأخيرة ··· وصولها في الموعد المحدد جعله يشعر بشيء من الارتخاء، بالدفء، لم تنبس ببنت شفة وهو يقفز إلى جانب السائق، شعر أن البكاء يكاد يخنقها ومتوترة أيضا· فكر بذهنه لو أنه أمسك يدها، سيخفف عنها وطأته ··· وقبل أن ينطلق التاكسي قرر الجلوس إلى جانبها· حقيبة يدها منتفخة بحجرها، متوترة وكأنها تخفي أمرا ما عنه، هو الآخر كان كذلك· متوتر يشعل السيجارة تلو الأخرى ··· رغم أنها كانت في ثوب نظيف إلا أنه كان يراه ملطخا بالدم، ممزقا من نواح عدة ··· من كتفها وتحت إبطها ··· يرى خدوشا تنزف من حول رقبتها على وجهها وذراعيها، كما ليلة طرقت بابنا، فالتة من بين يدي والدها، بين المغرب والعشاء بلغتنا صيحاته· صخب حاد، أشبه بمعركة وحشية· وهو يكسر باب غرفة الاستحمام حيث اختبأت هاربة من بطشه، حامل في شهرها الخامس أيضا! ··· من شعرها سحبها خارج الأبارتمون ودحرجها بسلالم العمارة، ثم طرد والدتها وأخواتها، قبل أن يشرع في الإلقاء بمواعين المطبخ التلفزيون ثم جهاز زفافها من النافذة، كان حفل زواجها وسليمان قريبا، مطلع الصيف القادم· لكنه لم يكن قد سجل بعد بمصلحة الأحوال المدنية··· يعنى أن شريكها ليس بمجهول· أخذ والدها سكينا من المطبخ وطرق باب شقتنا ··· أقسم سليمان له أنه برئ· علاقته بها لم تتجاوز الثرثرة على كوب عصير بصالون للشاي وأنه لم يحدث له ولمس يدها حتى ··· صاح به: - لم تحبل من عدم، ليست بمريم العذراء!! ··· سليمان كان يريد أن يقول له إن شريكها ما جاوز عتبة منزله· هي أخبرته بالأمر فور حدوثه، نصحها بإبلاغ الشرطة، لكن والدتها أبت· خافت من الفضيحة؛ خافت على إبنها البكر من اللعبة، الذي خرج ذات ليلة إلى المرحاض، فلعب الشيطان برأسها، على رؤوس أصابع قدميه قفز داخل فراشها، كاد يزهق روحها وهو يضغط بالوسادة على وجهها، مغيب العقل مأخوذ بشهوته··· بعد تردد طويل أخبره سليمان بالحقيقة، بصوت عميق واهن أخبره أن شاحب الوجه، ابنه المدلل النحيف المدمن على المخدرات والكحول والإنترنت، من تسبب في انتفاخ بطن ابنته··· لم يصدّقه يريد رقبته، كأنه مجنون فرّ من البسيكاتري ملوحا بالسكين صاح به:- ''هذا افتراء! اليوم أشرب من دمك!'' ··· ثم أتت الشرطة· خلف دمعة يابسة بأحداقها عاشت لأيام وأسابيع فأشهر، فكّرت في التخلص من الخطيئة التي انتفخت ببطنها، لكن سليمان منعها· بصالون للشاي، ضاغطا على يدها، مواسيا لها، اقترح عليها ما خطر ببال، أمر سيخرجهما سوية من بليتهما، طلب منها أن تحافظ قدر المستطاع على جنينها، هناك زوجة رجل أعمال يعاني العقم، مستعد هو لدفع الملايين للحصول على صبي لم يفطم بعد، لإبهاج زوجته التي لا تجف مآقيها من الدمع لأجل أن يكون لها صغير، وهي تسلمها إياه، مآقيها المغرورقة بالدموع، دموع اغتباطها به، جعلتها تشعر أنه سيكون سعيدا في كنفها ··· ابتسمت رغم الدمع الحزين الذي كان يسيل بلا روية منها ليملا قلبها أحجارا صلدة، وهي تنصرف بكيس المال، لم تفكر في عدّ تلك الحزم، تعرف أنها ملايين تكفي لدفع تكاليف الخروج على متن قارب وحبيبها الرائع رغم اعتراض عائلته، فانه لم يتركها ولو دقيقة· ساعدها في العثور على مأوى عند قريبة له، عمّته الأرملة المقيمة مع وحدتها في منزلها الصغير، النظيف الفائح برائحة كل ما هو قديم ··· رحّبت بها أيما ترحيب· لكن لبضعة أيام فقط، أحبتها من قلبها خاصة بعد أن ساعدتها في التخلص من خصلة شيباء برزت في شعرها الأسود· علّمتها كيفية صناعة مسكوتشو بالشكولاطة في أسرع وقت ممكن ··· وتدابير منزلية أخرى، سعيدة بعد أن كانت تعيش وحيدة على الدوام ضجرة منهكة من خلو يومها من أي إثارة أو أنيس، هذا قبل أن تلتقي مصادفة في سوق الشيفون بنساء اخبرنها بقصتها، مجفلة نبست العمة الأرملة: - ''هكذا إذن سليمان ابن الزهراء جاء بوسخة للإقامة معي!'' ··· ألقت بغطاء الطاولة المثقوب جانبا، مسرعة عادت أدراجها، ورأسا بالمكنسة واللعنات طردتها من منزلها النظيف· أن تعيش وحيدة أهون لها من أن تؤنسها فاجرة!· ثم لفترة بغرفة في إقامة جامعية، كل أمسية بيده كيس فواكه وياوورت وبسكويت يزورها سليمان للاطمئنان على صحتها، إلى أن وضعت صغيرها، وتكفل هو بالباقي ··· ثم كان كل شيء على ما يرام لمدّة، إلى أن حان موعد الهروب ··· متوترة· وشعور سيئ يملؤها· نظرت إلى السماء ''سوف تظلم قريبا وسيهطل المطر، ويستمر في الهطول لأيام'' ··· قالت من غير أن تنظر بوجهه· استندت برأسها على كتفه همست من جديد بأذنه:- ''سليمان ·· هل ضروري أن نهاجر كي نبدأ حياتنا من جديد!'' ·· صمت سليمان للحظات، ثم نطق بصعوبة:- ''لسنا مهاجرين إننا هاربان'' ·· ردت عليه مباشرة:- ''لكن لماذا!؟ ما دمنا نملك كل هذا··''، شدّ شيفور التاكسي طرف شاربه الأطول من آخر برقة يشوبها الفضول، نظر من خلال المرآة الأمامية كأنه يود اختلاس صورة لما كان يسمعه، ما الذي يملكانه، كي لا يهربا ·· صمتت برهة· ضغطت بيدها على حقيبة المال، رنت بوجهها إليه، وأضافت:- ''أنا لا أريد أن أهاجر، لا أريد أن أغامر بمثل هذا الجو العاصف ·· لقد أرسلت لأبي رسالة اعتذار· اعتذرت منه·· وقد سامحني·· تفهم لقد سامحني أبي يا سليمان ·· لقد اتصل بي واخبرني بهذا، أدرك خطيئة من، وبوسعي الآن العودة إلى المنزل'' ··· نزعت دبوس شعرها، حرّكت يدها عن خصلات شعرها· بمرونة مالت شفتاها في ابتسامة نحو الأعلى· مبتهجة أضافت:- ''لكني لن أبقي هناك، سأعود ريثما نشترى شقّة بحي النوار وندفع كراء كاراج، نجعله محل ملابس أو موبيليات· ونبدأ حياتنا·أنا وأنت سليمان، نبدؤها من جديد·· مع هذا سيكون كل شيء على ما يرام'' ··· كرّرت وقد استرجعت عيناها الرماديتان القاتمتان بريقهما الدافئ العطوف·· مغتبطة تتمعن وجه سليمان، لم يجاوبها، بعينيه الثاقبتين يحدق عاليا جدا، بعيدا جدا· أخذ سيجارة من العلبة من غير أن يسحبها من الجيب القلبي لمعطفه، ثم لم يشعلها· جعدها داخل منفضة الرماد المدرجة بمقبض الباب وراح يتفرج خارجا عبر النافذة، وعيناه مفتوحتان على سعتهما· في السماء أبصر أمه وهي واقفة في النافذة تطرق بيدها على صدرها والدمع يغطى وجهها، تشير له ألا يغادر· تترجاه أن يعود· ثم سمع صرختها خافتة من بعيد· فيما أنا واقف عند مدخل العمارة· كأني سقطت من الطابق الرابع حيث وقعت هي مغشيا عليها، والدمع يغطى وجهها· ''سقطت! حدث ذلك معي كثيرا، لكن ليس بعد الليلة'' ··· كان الوقت متأخراً ليلاً· عصفت رياح في المدينة كلها، نافضة عن أغصان أشجار البلاتان آخر ما بقي عليها من أوراق صفراء، مطيرة أكياس القمامة عن الرصيف· تعلو وتسقط، تظهر وتختفي من المنظر· أعمدة الإنارة كأنها ستموت؛ بصيصها مخنوق مغلف بغشاوة سميكة يكاد لا ينفذ منها، والعدد القليل من الأخيلة الهائمة على وجهها هنا وهناك، نصفه مسطول أو يفتش عن عقار يسطل به·· مشردة تحمل وليدها وتجرّ آخر إلى موقف للحافلات جعلت منه مسكنا لها· كاد التاكسي أن يدهسها وهو ينعطف يسارا صوب الطريق السريع المقفر ··· انساب ضباب كثيف على امتداده، الشاطئ ليس بعيدا، حتى أنه يسمع هدير أمواجه· بادرته من جديد:- ''هاه! سليمان·· ماذا قلت؟'' ·· لا كلماتها ولا العاصفة القادمة ستثنيه عن قراره، سيهاجر حتى لو كان هناك تسونامي في الأفق· قرّر الخروج بغير رجعة لا يريد أن يترك سبب وجوده في فوضي متسمرة، أن يظل ذليل طاقته التي تعذبه ولم يجد كسينمائي مبدع أين يفرغها· لا يريد أن يشيخ باكرا تحت الأضواء المظلمة، خلق للعب بكل الألوان والحركات والأصوات· ''لن أعيش حياتي في ضوء مظلم، أحلم بلحظة إطفاء الأنوار لبدء عرض فيلمي'' نبس بصوت غير مسموع ··· كان قد صاح بوجهها هكذا كم مرة· أخبرها أنه من الممكن أن يختنق إن بقي هنا، عندما لمحت له في وقت سابق عن ترددها· وأنها مجازفة خطيرة· أشار لشيفور التاكسي أن يتوقف ··· فتح الباب، فاحت رائحة الشتاء قبل الأوان· رائحة قلق ··· أخذ حزمة من المال من حقيبة يدها، دفع بها داخل حقيبته·· لفّ رقبته بياقة معطفه المطري واختفي بين الأحراش·· ثم لم تلحق به· فارس كبيش ---------------------------------------------- إفتحوا مخازن الكتب للشعب منذ 2007 طبعت الجزائر مئات الآلاف من الكتب والعناوين، أي منذ أن تم سن هذه السنوات الملونة بألوان التاريخ والجغرافيا·· السنة الجزائرية في فرنسا، والسنة العربية، والسنة الإفريقية· وفي السنة القادمة ستكون هناك السنة الإسلامية، وبعدها قد تأتي السنة المتوسطية أو المغاربية أو لست أدري··· ومنذ 2007 أنشأت الجزائر وشيدت العشرات من المكتبات العمومية بعضها سميّت ولائية وأخرى سميّت جوارية، وهذه التسمية بالذات لست أدري من أي قاموس تم حذفها علينا، فاستعمالها كثر مؤخرا على غرار الرياضة الجوارية، والشرطة الجوارية، والبيئة الجوارية··· على كل هذا كله غير مهمّ لكن المهمّ هو الأطنان المهولة من كراطين الكتب التي تم طبعها، وبعدها تم رميها في المخازن عرضة للفئران والحشرات ولازالت هناك··· أحيانا يتم التخلص من بعضها بإرسالها إلى المناطق النائية والبعيدة في جغرافيا الجزائر المترامية الأطراف، وذلك كله في إطار سياسة خشبية متوارثة منذ عهد الحزب الواحد عنوانها (تدعيم المقروئية) وأحيانا يعطونها اسما فيه بعضا من الحنان الذي قد يتحول إلى نوع من الرومانسية فيقولون (تقريب الكتاب من المواطن)··· والناشرون الصغار مثلما تناهى إلى سمعي وما قرأت في الجرائد السيّارة أنهم لازالوا ينتظرون من وزارة الثقافة أن تدفع لهم نظير خدماتهم في طبع الكتب التي باعوها والتي لا زالت نائمة في المخازن تحت رحمة الفئران والرطوبة··· لكن المشكلة ليست هنا، وحكمة الجدات تقول إن (الحكومة لا تأكل حق الناس)·· المشكلة في أن الناس لا تقرأ، ولا تريد أن تقرأ، بل إنها لا تعرف كيف تقرأ، وحتى الذين يحبون القراءة، وهم من الندرة بمكان في المجتمع الجزائري لا يجدون ما يقرأون، ولولا ما يتيحه الأنترنت، شبكاته العنكبوتية من فرص للدخول حتى إلى محتويات مكتبة الكونغرس الأمريكي لتحولنا إلى أجهل شعب في التاريخ··· نحن الجزائريون بارعون في اختراع التسميات، موهبة خارقة للعادة، لنتذكر ما تم اختراعه، ألف مكتبة ومكتبة، لنتذكر، القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية، في معرض الجزائر الدولي للكتاب للسنة الماضية كان الشعار سمينا وطنانا، الكتاب سلطان··· على كل فتحليل سيميائي بسيط لهذه التسميات يجعلنا نكتشف مدى سطحيتها وارتجاليتها، واقتباسياتها البسيطة، لقد أصبح سوق الكتاب سوقا للمضاربة، والبزنسة أصبحت سوقه مثل سوق البطاطا والشعير والزيت··· والدولة لا تعرف كيف تجعل شعبها يقرأ، وهي على كل حال مثلما، يقال في لغة الخشب هي نفسها بحاجة إلى من يعلمها فن القراءة···· إن مخازن وزارة الثقافة مليئة بالكتب التي لم تجد لها تصريفا، أنا أقترح مثلا والمواطن هو أساس هذه المعادلة أن يتم إهداء كل مواطن كتاب من هذا المخزون المهول، وذلك مع كل فاتورة كهرباء أو ماء أو أي من الفواتير التي يجلد بها هذا المواطن المغلوب على كل أموره·· إن هذه الخطة ستحقق شعار (تقريب الكتاب من المواطن) تحقيقا كاملا، فالقضية والحال هذا أن الكتاب لن يقرّب من المواطن فقط، بل إن الدولة ستجعله أمام أنفه وكأنها تقول له مثلما قال جبرائيل للرسول محمد (صلعم): (اقرأ)·· حتى وإن كنت أؤمن أن الكتاب المسكين في العالم ككل تحوّل إلى حالة رومانسية من الزمن الجميل·· فالدولة مطالبة بأن تفتح المخازن المكدسة بالكتب للشعب إما ليقرأها أو ليشعل فيها النار تلك مشكلته·· أما أن تبقى الكتب مسجونة في ظلام المخازن وعتمتها، فهذا عار وشنار·