لاحظ قراء كتابي ''تاريخ الزواوة'' المتضمن تعليقا وإعادة نشر لكتاب الشيخ أبي يعلى الزواوي الذي يحمل العنوان نفسه، أني أهديته لابن بلدة بوجليل في ولاية بجاية، وكان ذلك مفاجأة له· وأمزيان الحسيني شيخ يشكل مثالاً للجزائريين الحقيقيين الذين صنعوا أنفسهم بأنفسهم رغم ظلم المحيطين بهم من أهل وأقارب، فهو ابن زاوية بوجليل التي تذكرها الكتب التي تتناول هذه المؤسسات الجزائرية العريقة، فقد ذكرها سعد الله ونسيب··· وغيرهما· واهتم الحسيني منذ سن اليفاع بصناعة الجلود واتخذها حرفة له، إلى أن صار صاحب مصنع جزائري كبير، يشارك بإنتاجه في المعارض الدولية المختصة ويفوز بجوائز وتقديرات تشرف الصانع الجزائري· أعرف أن الحاج محمد أمزيان الحسيني واحد من قلائل الميسورين الجزائريين الذين لم ينسوا بلداتهم ودشراتهم ؟! ولعله الوحيد من أبناء بوجليل الذين أعطاهم الله من فضله، ولا ينقطع عن بلدته ويساعد بلديتها في تنفيذ هذا المشروع أو ذاك من مشاريع الخير والصالح العام· ولعله الوحيد الذي يحج عاماً ويعتمر عاماً· وقد جازاه الله في الدنيا خير جزاء، فقد رأى بعينيه نجاح ولديه السعيد في كندا وعبد الإله في الجزائر، نجحا في تعليمهما العالي وفي عملهما الصناعي الإنتاجي· وعائلة الحسيني عائلة مجاهدة في الجزائر وفي فلسطين، فعدا عن شهدائها في الثورة الجزائرية، نجد منها مجاهدين التحقوا بالجهاد في فلسطين مشياً على الأقدام عام ,.1948 ومنهم من التحق بالثورة الفلسطينية المعاصرة وقاتلوا ضد الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام ,.1982 وعاشوا الكثير من الحقائق الميدانية، وشاهدوا العديد من الوقائع السياسية، وسعدت بإجراء أحاديث مع بعضهم لفائدة بحثي عن المتطوعين الجزائريين في ساحة النضال الفلسطيني· وبالنسبة لي كان محمد أمزيان الحسيني مثابة الوالد والأخ الكبير الناصح والمساعد، أجده في السراء والضراء، وعرفني على جزائريين أفاضل، ولا زلنا على اتصال وتواصل، فكثيراً ما يرن هاتفه يسأل عني ويستفسر عن أمري، فيثلج صدري بكريم مبادراته ومعه الصديق محمد بانوح رئيس الغرفة التجارية والصناعية في ولاية البويرة· وحين أخبرته رغبتي بتحبير هذه السطور عنه، كان جوابه تأكيداً على تواضعه وعدم رغبته في الظهور الإعلامي·· فهو يخصص جزءا من أرباحه لفائدة عائلات جزائرية مستورة لا يعرف ذلك أحد، ورغم مجابهته الحياة وحيدا منذ اليفاع، إلا أنه دائما يصل ذويه وأقاربه ورحمه· ويدهشك في الحاج الحسيني أنه متابع لأخبار الدنيا والنقاشات الفكرية التي تدور بين الفلاسفة والمفكرين· ولعلي استفدت قدر استطاعتي من متابعاته لأفكار محمد أركون ومن معلوماته عن ثورة المقراني، ومن وجهة نظره في كثير من القضايا، وحين سكنت الدرارية بطلب منهئ حتى أكون جاره ونحت رعايته حين مالت صحتي ومعها أيامي حين خوى جيبي، فتلفت، فلم أجد أحدا من صحبي الذين تعلمون ولا تعلمون، وكان يتفقدني هو وابنه عبد الإله صباح مساء· كنت أستمتع بحديثه، فأحاديثه كالنخلة كلما طالت ازدادت حلاوة، وقد زادته أسفاره في أصقاع الأرض ثقافة وحكمة وتواضعا· إني أعتقد أن هذا الرجل أحد صلحاء هذا الزمن الذي يعز فيه الرجال من أصحاب النفوس العالية، ونكثر فيه قشور الثوم·