كانت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة قد دعت الأممالمتحدة إلى إصدار قانون دولي يجرم الإساءة إلى الأديان في أي شكل من الأشكال وتحت أي ظرف من الظروف، وقد جاءت هذه الدعوة مباشرة بعد أن دعت كنيسة دوف وورلد أوتريش سنتر في ولاية فلوريدا الأمريكية لإحراق نسخ من القرآن الكريم في ذكرى هجمات 11 سبتمبر، التي أدانها الكثير من رؤساء الكنائس المسيحية ورجال الدين المسيحيين واليهود، كما أدانتها المفوضية الأوروبية والحكومة الأمريكية والمجلس البابوي للحوار بين الأديان، ووقف العالم الإسلامي كله منددا بها. فكانت هذه الدعوة حافزا جديدا يدعو إلى اتخاذ إجراءات عملية لتجريم كل عمل يسيء إلى الأديان والمقدسات الدينية. لقد اتضح لكل منصف في العالم أن تكرار الهجوم على الإسلام ومقدساته دليل على غياب الروادع القانونية الدولية والمحلية التي تمنع أصحاب الدعاوى العنصرية والمواقف العدائية من القيام بهذه الأعمال المنافية لكل خلق حميد والمناهضة لكل مبدأ إنساني قويم، ومن أقوى الروادع القانونية صدور قرار من الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتجريم ازدراء الأديان والإساءة إلى الكتب المقدسة لدى الملايين من المؤمنين في العالم لما فيه من ترويج للكراهية والحقد وتأجيج للعدوان والنزاعات والأزمات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين ينبني عليه إصدار قوانين محلية في دول العالم بتجريم ازدراء الأديان والإساءة إلى الكتب المقدسة لدى الشعوب. ويمكن البناء في التحرك الذي لابد من أن تأتي مبادرته من العالم الإسلامي على القرار الذي أصدره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في 28 مارس 2008 في شأن مناهضة تشويه صورة الأديان، وهو القرار الذي لم يأخذ حظه من الديوع والانتشار، وهذا ما يجعلنا نقول إن مسؤولية العالم الإسلامي على تحريك الأسرة الدولية في اتجاه إضفاء طابع القانون الدولي. هذا في وقت شهدت المملكة العربية السعودية تطورا هاما خلال السنوات القليلة الماضية أدى إلى تغيير الكثير من الأفكار والعادات التي كانت سائدة منذ قيامها في 23 سبتمبر ,1932 فقد واجهت السعودية تحديا خطيرا لنظامها وعقيدتها عندما قامت مجموعة من الشبان بالاعتداء على الولاياتالمتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001 وتبيّن أن 15 شابا من بين المعتدين ال 19 كانوا يحملون الجنسية السعودية ارتفعت أصابع الاتهام للمملكة على أنها أصبحت منبعا للفكر الإرهابي الذي يهدد سلامة العالم بأكمله، كما دل التأييد الكبير الذي حصل عليه تنظيم القاعدة بين الشباب السعودي وبعض الدعاة في تلك الفترة على مدى الخطر المحدق بالدولة السعودية نفسها، حيث واجه السعوديون منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 وإلى اليوم أسئلة كثيرة عن إشكالية استقرار بلادهم وعن مستقبلها في عالم جديد بدأ يتشكل بعد ذلك التاريخ، كما راهن المقامرون وأرجف المرجفون باسم الإصلاح على قدرة هذه الدولة (المملكة العربية السعودية) على الاستمرار في البقاء بعد الحدث هذا. وبلغ الخطر ذروته في الثاني عشر من شهر ماي 2003 عندما شنت القاعدة هجوما على ثلاثة مبانٍ سكنية في مدينة الرياض أدت إلى مقتل وإصابة أكثر من 200 شخص مما قلب المعايير بالنسبة للحكومة السعودية، وتبع هذا الهجوم عدة مواجهات مباشرة بين قوات الشرطة السعودية ومقاتل تنظيم القاعدة في مناطق عدة من المملكة، عندئذ أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز، وكان وليا للعهد حينذاك، الحرب على ''ما سماهم بالمنحرفين الضالين'' التي وصفها بأنها تمثل صراعا بين الخير والشر ليس فيه حياد أو تردد. وبينما ظهر بعض الدعاة في تلك الفترة الذين تعاطوا مع المتمردين، فقد وقفت المؤسسة الدينية بقوة خلف ولي العهد، وتم استبعاد ما يسمون بالمتطرفين وإعادة تثقيف الباقين، منذ ذلك الحين راح تلاميذ الشيخ محمد عبد الوهاب -رحمه الله- يتناقشون ويتدارسون في أسباب انتشار التطرف بين الشباب السعودي وكيفية معالجة هذه الظاهرة التي تهدد المجتمع. ففي بداية القرن التاسع عشر عندما بدأ الشيخ محمد عبد الوهاب نشر دعوته، كانت المؤسسات الدينية في الجزيرة العربية قد تدهورت إلى حد كبير، حيث انتشرت الزوايا العثمانية التي كانت تضم العاطلين والدراويش، كما صارت قبور الأولياء مزارات للمسلمين ومكانا للدعاء والتبرك في هذه الظروف، حارب الشيخ هذه العادات السيئة التي وجدها منتشرة في عصره، التي اعتبرها بدعة وعودة إلى عبادة الأوثان، وقد أدى تحالف الشيخ مع آل سعود إلى القضاء على السلوك الديني الذي يعاضد تعاليم الإسلام الحنيف وتوحيد نجد والحجاز في الدولة السعودية الجديدة. أما الآن بعد نحو قرنين من بدء دعوة الشيخ عبد الوهاب، فقد واجه المسلمون خطرا جديدا حيث ظهرت جماعات متطرفة تعارض التعاليم السمحة للإسلام، مما يتطلب موقفا جديدا من تلاميذه، وبالفعل ظهر عدد كبير من تلامذة الشيخ محمد عبد الوهاب قاموا بتفسير الأصول الدينية بما يتناسب مع الظروف السياسية والاجتماعية الجديدة التي تواجهها السعودية في العصر الحديث، وأصدر مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ فتوى تخاطب الشباب السعودي وتحرّم الضلوع في عمليات الجهاد بالخارج دون موافقة الحاكم، وصرنا نقرأ في الصحف ونستمع في لقاءات تلفزيونية عربية لعلماء الدين السعوديين وكأننا نستمع للشيخ محمد عبده أو جمال الدين الأفغاني في عهد النهضة الفكرية. وأصبح رجال الدين يشجبون العنف ويدعون إلى احترام المرأة والأجانب وعدم التعرّض لهم، كما جرى تعديل المناهج الدراسية في المملكة التي صارت تتحدث عن مبادئ التسامح والعدل وتقبّل الآخر. ومع ذلك، يبقى دور رجال الدين حاسما في تغيير فكر الشباب وابتعادهم عن التطرف، وهذا ما جعل وزارة الداخلية السعودية مع مجموعة من رجال الدين وعلماء النفس بتطبيق برنامج إعادة تأهيل العناصر الذين تم اعتقالهم بهدف تحويلهم إلى مواطنين معتدلين ينبذون الفكر المتطرف، حيث حقق نجاحا كبيرا بين هؤلاء الشباب. وتغيرت النظرة السعودية عندما أطلق الملك عبد الله مبادرة للحوار بين الثقافات حتى يتم التواصل والتفاهم بين شعوب العالم، مما يمكنها من التعايش سلميا في ما بينها وحل مشكلاتها عن طريق التفاهم بدلا من الصراع، كما نادى الملك بالحوار بين العالم الإسلامي والغرب، ودعا إلى مؤتمر عالمي للحوار بين الأديان انعقد في مدريد عاصمة إسبانيا عام 2008 وشارك فيه مندوبون يمثلون أكثر من 80 دولة، والنتيجة كانت تحالف بين آل سعود والشيخ محمد عبد الوهاب إلى القضاء على عوامل الضعف في الفكر الإسلامي التي كانت سائدة منذ مائتي عام، فقد أدى التحالف بين تلامذة الشيخ وحكام آل سعود إلى دخول مرحلة جديدة لتوضيح الصورة الحقيقية لسماحة الإسلام وحماية الدولة.