هل بإمكاننا أن نعرف لماذا اخترت فن ''الحكي''؟ لم أختره بل هو من اختارني لأني كبرت في وسط يسوده فن الحكي، لأن والدتي كانت تمتهن هذا الفن وكانت تعلمني يوميا وتحكي لي الحكايات وتأثرت بها كثيرا، كما أن الحي الذي ولدت فيه ويسمى حي ''القرابة'' وكبرنا مع ''القوالين والحكواتيين''، ومن ثمة عقدت لي والدتي لقاء جد مهم في حياتي مع الكاتب مولود معمري الذي أعتبره أحد أكبر الكتاب في الجزائر والمغرب العربي، وبعدها اكتشفت حكاياته ''أمشاهو'' وكانت أول الحكايات ترجمتها إلى اللهجة الشعبية، كما بدأت العمل الفني في سنوات السبعينات بسيدي بلعباس في المسرح إلى غاية التسعينات، ونظرا للوضع الأمني الذي عاشته الجزائر أين دخلت الجزائر في دوامة جديدة، وكفنان كان من واجبي أن أواصل التعبير عن ما كان بداخلي ونظرا للوضع الذي آل إليه المسرح في التسعينات، فضلت العودة إلى ما حكته لي والدتي في الصغر· ما هو هدفك من المشاركة في هذا المهرجان؟ أريد أن أنقل إلى تمنراست فن ''الحكي'' وخصوصا أسعى للتعريف بالطريقة التي أعمل بها والتي هي لغة شعبية، كما أني أهدف إلى حكاية الموروث غير المادي والتشهير بهذا الفن، والحمد لله وجدت جمهور تمنراست فريد من نوعه وذواق جدا لهذا الفن· لاحظنا أنك تركز أكثر في عملك الفني على مؤلفات الكاتب مولود معمري، لماذا؟ هذا صحيح، وأعترف به، والسبب أني جد متأثر بالكاتب مولود معمري وهو من أعمدة الأدب في المغرب العربي وليس فقط في الجزائر، وتأثرت تأثيرا بليغا بمقولته المشهورة ''أنه ضرورة واستعجالي للحفاظ على الحكايات والأساطير''، وباعتبار أن الحكاية موروثا غير مادي قررت دخول عالم هذا الفن بكل فخر واعتزاز· لكن ألا ترى أن فن الحكي والكلام صعب مقارنة بالواقع المعيشي للجزائريين؟ صحيح أوافقك الرأي، فن الحي والكلام صعب جدا، وليس سهلا، لأن أمام الجمهور لا يوجد أي شيء ما عدا الكلام، ولا توجد موسيقى لترافقني أو ديكور معين، بل جمال الكلام هو الوحيد الذي يحقق لك النجاح، لا سيما وأن الحكاية تتطلب أن تتجسد بطريقة تجذب بها انتباه الجمهور وتجعله يرحل بقرون طويلة وكبيرة إلى الماضي· ما هي المشاكل الفنية أو التقنية التي يواجهها الفنانون الذين يمارسون فن ''الحكي''؟ هناك مشاكل كثيرة، وأنا كفنان مختص في ''الحكي'' أجد صعوبات كبيرة في الكتاب كونه غال وسعره مرتفع، والقوال ضروري عليه قراءة الكتب، والمشكل الذي عمق الفجوة هو أن المنظمين لمختلف المهرجانات بالجزائر لديهم نظرة احتقار وتهميش لفن القوال، ولا يعرفون أن ''الحكي'' فن مهم جدا يزخر بموروث ثقافي وفني غير مادي يتطلب حمايته والمحافظة عليه، إضافة إلى مشاكل غياب الدعم الرسمي· ولهذا نجد العديد من الفنانين يعيشون وضعية صعبة· هل نفهم من كلامك أن النقص الكبير في فنانين متخصصين في فن ''الحكي'' راجع إلى المشاكل التي ذكرتها؟ صراحة أنا لا أخفي عليكم، أن ''الحقرة'' التي يعانيها هذا الفن لم تدفع فقط بالفنانين إلى التوقف عن مزاولته بل حرمت العديد من الذين يريدون ممارسته لأنهم يدركون المشاكل والتهميش المفروض على هذا الفن وغياب أدنى الاهتمام به، لكن ورغم ذلك نجد فنانين آخرين صامدون، وأنا شخصيا أتحدى أي كان أن يقول لي أن النجاح الذي حققته كان بفضله، بل كان بجهدي الفردي ورغبتي الكبيرة في إظهار محاسن وإيجابيات هذا الفن، لأن التراث غير المادي مهدد بالزوال وإن لم نحافظ عليه فلن يدوم· ما هي مشاريعك الفنية في المستقبل؟ حاليا أحضر لعمل جديد بعنوان ''لو كنت بغزة'' وهو عمل اقتبسته من التراث الشعبي الفلسطيني وكذا من رحلات ابن بطوطة، وأسعى لأن أنقل حكايات الشعب الفلسطيني لأبنائنا، وأنا لا أخفي عليكم أن حلمي الكبير في هذه الحياة والذي أطمح لتحقيقه هو أن أذهب إلى غزة وأعرض حكاياتي على أطفالهم·