يا أيها الأحبة: وبعد الميزان صراط: جسر يضرب على متن جهنم كهذه القنطرة التي ضربت على متن هذه الترعة (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً}71{ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ) مريم:72 - 71. سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصراط أو عن الجسر كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك، تكون بنجد فيها شويكة يقال لها: السعدان، فيمر المؤمنون) أو مذلة أي مواطن تذل عليه الأقدام، إلا من ثبت الله قدميه اللهم ثبت أقدامنا على الصراط، (فيمر عليه المؤمنون كالطود وكالبرق وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب) كالفارس الذي يركب جواده (فناج مسلم) إجعلنا يا سيدي منهم (ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم) فعلى الصراط الكلاليب: جمع كلوب، وخطاطيف: جمع خطاف، وحسك: نوع من أنواع الشوك يشبه الخطاف· أرجو أن تتصور معي أن هذه الكلاليب والخطاطيف والحسك تعرف بأمر ربها من تخطف إلى جهنم، ومن تسمح له أن يمر إلى الجنة، عليه خطاطيف وكلاليب، وحسك وبعد الصراط قنطرة قد لا يعرف عنها كثير من المسلمين أي شيء· وحديث القنطرة في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصون مظالم كانت بينهم حتى إذا هذبوا ونقوا أذن الله لهم بدخول الجنة) قال: (فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى - أي : أعرف - بمنزله في الجنة منه بمنزله في الدنيا)· يعني : سينطلق المؤمنون بعد هذا القصاص، كل إلى مكانه في الجنة لا يسأل عن بيته في الجنة ملكاً مقربا ولا نبيا مرسلا، لأن الله عرفه منزله في الجنة كما سينطلق هذا الجمع الآن بعد قليل كل فرد إلى بيته لن تسأل عن بيتك أحدا من الناس· لا أريد أن أتوقف عن النار، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار، فالطعام في النار نار، والشراب في النار نار، والثياب في النار نار· طعام أهل النار زقوم وضريع وغسلين، فإذا تأججت النار في البطون استغاثوا وسألوا ربهم أن يغيثهم بماء فأغاثهم (بِمَاء كَالْمُهْلِ) أي: كالزيت الذي يغلي (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً) الكهف: .29 حتى الثياب تفصل لهم في النار من نار قال - جل وعلا: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ}19{ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ}20{ وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) الحج: 19-21. فيستغيث أهل النار بخزنة جهنم (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ}49{ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ). فيتذكر أهل النار مالكا خازن النار: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) يريدون أن يقضي الله عليهم حتى لا يتعرضون لهذا العذاب (قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ) الزخرف:77. فيتذكر أهل النار إخوة لهم دخلوا الجنة، كانوا معهم في الدنيا فينادي أهل النار على هؤلاء الموحدين: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}50{ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) الأعراف: 51 -50. فيستغيث أهل النار بالعزيز الغفار والواحد القهار، (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ}106{ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}107{ قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ) المؤمنون: 106- 108. هذا رد ربك· أما الجنة اللهم -اجعلنا من أهلها- ففيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر لن أستهل بآيات، ولا بأحاديث فالوقت لا يتسع لذلك، لكن اسمح لي أن أذكر حديثا واحداً يبين فيه نبينا الصادق منزلة أدنى رجل في الجنة، وتصور أنت بعد ذلك نعيم الجنة· وحديث هذا الرجل في حديث مسلم من حديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سأل موسى بن عمران) على نبينا وعليه الصلاة والسلام (سأل ربه عز وجل وقال: يا رب ما أدنى أهل الجنة منزلا؟ فقال الرب جل وعلا لموسى: ذاك رجل يجيء فيقال له: ادخل الجنة فينطلق ثم يعود إلى الله ويقول: يا رب قد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم)· يعني: لا مكان لي في الجنة، الجنة مشغولة شغلت كل الأماكن فيها يقول الرب جل وعلا: أترضى أن يكون لك ملكك في الجنة كملك ملك من ملوك الدنيا· وقد لا نعرف نحن جميعا ملك من ملوك الدنيا (فيقول العبد للرب: رضيت يا رب رضيت) أن يكون ملكي في الجنة كملك ملك من ملوك الدنيا رضيت يا رب (فيقول الرب - جل وعلا وفقط، لأن الذي يكلمه الكريم (لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله فيقول العبد في المرة الخامسة: رضيت يا رب فيقول الرب جل جلاله: لك ذلك وعشرة أمثاله معك قال موسى: يا رب هذا أدنى أهل الجنة منزلة فما أعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين غرست كرامتهم بيدى وختمت عليها، فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر)· أرق نفسك بنفسك وتداوى الطب البديل الثوم هو قريب من البصل، وفي الحديث: (من أكلهما فليمتهما طبخاً)· وأهدي إليه طعام فيه ثوم، فأرسل به إلى أبي أيوب الأنصاري، فقال: يا رسول الله، تكرهه وترسل به إلي؟ فقال: (إني أناجي من لا تناجي)· وبعد فهو حار يابس في الرابعة، يسخن تسخيناً قوياً، ويجفف تجفيفاً بالغاً، نافع للمبرودين، ولمن مزاجه بلغمي، ولمن أشرف على الوقوع في الفالج، وهو مجفف للمني، مفتح للسدد، محلل للرياح الغليظة، هاضم للطعام، قاطع للعطش، مطلق للبطن، مدر للبول، يقوم في لسع الهوام وجميع الأورام الباردة مقام الترياق، وإذا دق وعمل منه ضماد على نهش الحيات، أو على لسع العقارب نفعها وجذب السموم منها، ويسخن البدن، ويزيد في حرارته، ويقطع البلغم، ويحلل النفخ، ويصفي الحلق، ويحفظ صحة أكثر الأبدان، وينفع من تغير المياه، والسعال المزمن، ويؤكل نيئاً ومطبوخاً ومشوياً، وينفع من وجع الصدر من البرد، ويخرج العلق من الحلق، وإذا دق مع الخل والملح والعسل، ثم وضع على الضرس المتآكل فتته وأسقطه، وعلى الضرس الوجع سكن وجعه· وإن دق منه مقدار درهمين، وأخذ مع ماء العسل أخرج البلغم والدود، وإذا طلي بالعسل على البهق نفع· ومن مضاره : أنه يصدع، ويضر الدماغ والعينين، ويضعف البصر والباه، ويعطش، ويهيج الصفراء، ويجيف رائحة الفم، ويذهب رائحته أن يمضع عليه ورق السذاب· لمن كان له قلب الإسلام دين التكافل الإجتماعي (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) نصرة الضعفاء والمحتاجين من الأخلاق الحميدة التي لا بد لقيام أي مجتمع من المجتمعات بهذا الخلق الكريم، فحينما نمعن النظر في كتب السنة نرى أن هذا الخلق الكريم موجود حتى عند أهل الجاهلية· ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الأنصار كنتم في الجاهلية لا تعبدون الله و تحملون الكل وتفعلون في أموالكم المعروف وتفعلون إلى ابن سبيل حتى إذا من الله عليكم بالإسلام ونبيه إذ أنتم تحصون أموالكم، وفيما يأكل ابن آدم أجر)· و مما يستفاد من هذا الحديث أن العرب قبل إسلامهم كانوا ينصرون الكل والكل هو من لا يستقل بأمره· أي من يحتاج إلى مساعدة غيره، وأنهم كانوا يساعدون ابن سبيل· وحديث بدء الوحي المشهور قد جاء فيه قول سيدتنا خديجة رضي الله عنها موجها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلا والله ما يخزيك الله أبدا، وأنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)· يفهم من هذا الحديث أن حمل الكل وكسب المعدوم والإعانة على نوائب الحق من الأخلاق المعروفة والممدوحة لدي العرب حتى قبل الإسلام· موقف الإسلام من إعانة الضعفاء والمحتاجين أمر الشارع الحكيم بإعانة الضعفاء والمحتاجين، فقد روي مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نفس عن مؤمن كربه من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه··) يبين الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فضل إعانة المؤمن لأخيه المؤمن في الدنيا، وكذلك فضل ستر عيوب المؤمن· وروى مسلم أيضاً بسنده عن أبي هريرة عن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم· فذكر أحاديث منها· وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل سُلامي من الناس صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس· قال: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة··· إلخ· وقوله: (وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة) فيه حث إعانة الضعفاء والمحتاجين· وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الذي يعين على الأرملة والمسكين له أجر المجاهد في سبيل الله· فقد روى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار)· والمعروف أن الأرملة والمساكين داخلين في الضعفاء والمحتاجين· ومعنى الساعي هنا هو الذي يذهب ويجيء في ما ينفع الأرملة والمسكين. إن من الشعر لحكمة يا من يصيح إلى داعي الشقاء وقد نادى به الناعيان الشيب والكبر إن كنت لا تسمع الذكرى ففيم ترى في رأسك الواعيان السمع والبصر ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل لم يهده الهاديان العين والأثر لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك الأعلى ولا النيران الشمس والقمر ليرحلن عن الدنيا وإن كرها فراقها الثاويان البدو والحضر السنة منهاجنا قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: (تعرض أعمال الناس كل جمعة مرتين يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال اتركوا هذين حتى يفيئا) موطأ الإمام مالك قرآننا شفاؤنا قال الله تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) سورة الأنعام: الآية 122· الله قريب مجيب (الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) اللهم أعنا يا قريب يا مجيب··