وقف الجنرال إبراهيم بابا نجيدا رئيس نيجيريا أمام الشعب، وألقى خطاباً أعلن فيه إلغاء نتائج انتخابات عام .1993 فحوى الخطاب كان التركيز على محاولة إقناع الشعب بأن اختيارهم كان خاطئاً، وأن الرئيس المنتخب لن يتمكن من تنفيذ خطط الإصلاح والتطوير التي كان الجنرال وحزبه ومجموعة أركانه ينوون تنفيذها· بين تلك الحادثة والمحاضرة التي ألقاها الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في إحدى الجامعات، حين أكد أن العرب هم الذين اخترعوا مصطلح الديمقراطية، موضحاً أنه مكوَّن من كلمتين هما'' ديمو'' و ''كراسي''، أي ديمومة ''الشعب'' على الكراسي تظهر حقائق تكذب هؤلاء· فالزعيمان اختيرا كأكبر عدوين للديمقراطية في استفتاء ل ''قوقل''، لم يؤمن أي منهما بالديمقراطية أصلاً، وكان هذا واضحاً للجميع ''باستثنائهما''· اختلف الرئيسان في الاستراتيجية فقط· رأى بابانجيدا أن تنفيذ الانتخابات من خلال عملية يحق له فيها أن يخطف الأضواء ويحظى بتركيز وسائل الإعلام، ومنع جميع المنافسين من الظهور في الأماكن العامة والإعلان عن برامج انتخابية· وأن إعلان خطة مليئة بالكذب والتلفيق وإيهام المواطن بأن مستوى دخله سيتضاعف، رأى أنه الطعم الذي يمكن أن يجعل الشعب يصوت له· الشعب لم يكن غبياً، لقد اختار أن يسقط هذا الحاكم الذي حكم بالحديد والنار· في المقابل، رأى معمر في إلغاء المؤسسات وشرذمة المواطنين والعودة إلى نظام القبيلة ووضع الواجهات الإعلامية المضللة واستخدام الشعارات التي تغري الشعب بمستقبل باهر وضمان وجود قبضة حديدية تسيطر على الأمن والمجتمع، وتكوين علاقات سرية مع استخبارات القوى الكبرى، الوسيلة الأنسب في السيطرة على عقل المواطن وضمان استمرار خوفه من أن يقوم بأي محاولة لزعزعة النظام غير الموجود أصلاً· كان معمر يئد كل محاولات التغيير في مهدها من خلال استخدام أبشع وأقسى وسائل القمع· مثالان واضحان لمحاربة الديمقراطية حتى وإن ادعى صاحباها أنهما يؤمنان بها· جاءت ثورات الربيع العربي بنوع جديد من المؤمنين بالديمقراطية، الذين يمكن أن نعتبرهم شريحة جديدة ذات مفاهيم خاصة ومختلفة عن كل ما عرفه العالم من الثوار· هؤلاء الديمقراطيون الجدد يمكن تقسيمهم إلى فئتين: - فئة الديمقراطيين الإسلاميين: يؤمن هؤلاء بأن الديمقراطية ليست ممارسة إسلامية، لكنهم ركبوا الموجة باعتبار أن الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق مرادهم والوصول إلى سدة الحكم· هؤلاء انتصروا في تونس وليبيا وبدأوا يحققون نتائج باهرة في مصر· هذه الفئة ترى - اليوم - أن صندوق الاقتراع هو المكان الوحيد الذي تمارس فيه الديمقراطية· عندما تأكد أن الصناديق ستفرز أشخاصاً يمثلون تيارات تعارض توجه هذه النخب، قرر هؤلاء أن الشعب غبي ولا يعرف مصلحته مثلما كان بابا نجيدا والقذافي وغيرهما يرون· إلا أن أولئك بدأوا بتنفيذ حربهم على الديمقراطية بعد أن وصلوا سدة الحكم· أما هؤلاء فرفضوا وهم لا يزالون خارج القصر· لم يجدوا من وسيلة لتحقيق منظورهم سوى إعادة عدم الاستقرار للشارع ومحاولة إيقاف العملية الانتخابية التي كانوا يطالبون بها في الأساس· هذا الانقلاب على المفاهيم والأخلاقيات والقيم السياسية الديمقراطية التي كانوا يطالبون الأنظمة الحاكمة ''الظالمة'' بها، أوجد فئة جديدة من السياسيين العرب الذين لا يختلفون كثيراً عمن سبقوهم· بل أوجد مصطلحاً سياسياً جديداً يمكن تسميته ''الديموعرابية''· الديموعرابية هي عملية سياسية تسيطر فيها الأنا، نشأت عندما قال العربي: ''وقد أغتدي والطير في وكناتها''، وقال آخر: ''فوددت تقبيل السيوف''، فيها يختارني الشعب ''أنا''، وليس غيري من الناس باعتباري الأقدر على الحكم وتطوير الدولة وتحقيق المكاسب للوطن· يقوم الشعب بذلك من خلال عملية انتخابات مقننة يشارك فيها من يؤمنون برأيي وليس برأي غيري، ولا بد أن تكون النتيجة لصالحي وإلا فالبلد إلى خراب· لتستمر مأساة المواطن العربي·