''أنت الله ربي من ذا الذي يطيق عنك البعد ... عبث هذه الحياة ترمي بالإنسان إلى المجهول ... فما الدنيا إلا عبث فعبث فعبث...'' هي كلمات من مشاهد مختلفة لمسرحية ''عودة العباد''، عرضت مساء أمس، بقاعة الموفار، بحضور جمهور من أهل المسرح وعشاقه. عرضت، أمس، تعاونية براكسيس بالتعاون مع المسرح الوطني محي الدين بشطارزي، مسرحية ''عودة العباد'' لمخرجها سيد أحمد قارة، ومؤلفها عبد الرزاق بوكبة، كما شارك التمثيل على الركح، الذي جاء على شكل ورشة، 24 ممثل من الجيلين على شاكلة محمد أدار، وائل بوزيدي، روبحي فيسة، منيرة مراد، أجيت حنان، بن شعبان مراد، ملياني، تكيرات محمد... وغيرهم من الوجوه المسرحية التي ولجت أقدامها لأول مرة عالم التمثيل، وذلك لخلق جسر التواصل والتعلم من خبرة الآخر، حسب ما أكده قارة سيد أحمد مخرج العرض. تدور أحداث المسرحية حول السيرة الروحية للعلامة ''سيدي بومدين الغوث'' من خلال الوقوف على أهم محطاته الروحية دون التركيز على سيرته الذاتية، حيث قرر المخرج خلال عمله الاشتغال على الجانب الروحاني التصوفي للشخصية التاريخية، هذا ما جسده ركحيا على الخشبة من خلال تسليط الضوء بداية من مرحلة الطفولة للعلامة مرورا بسفره لطلب العلم إلى أكثر من بلد، وصولا إلى منطقة ''العباد'' بتلمسان مسقط رأسه، وذلك كآخر محطة من حياته، وهذا ما قام بتجسيده على خشبة الموفار زوج بالمسرحية الذي جاء لزيارة ضريح الولي الصالح للتبرك بأعماله الصالحة لعلهم يرزقون بطفل يسير على نهج مبادئ علوم الدين الذي كان يسير عليه السلف الصالح، ليرزق بعدها الزوج بمولود، حيث جاء إلى الحياة متشبعا بالثقافة الإسلامية على أصولها الحقيقية ومبادئها الدينية، الأمر الذي دفع بشيخ العوفي ''محمد أدار'' إلى تشجيعه لطلب العلم والمعرفة على يد كبار المشايخ، حيث سافر إلى فاس وتلقى الدروس في أصول الدين عن أبرز شيوخ المدينة ليتوجه بعدها إلى مكة وأخذه مبادئ الفقه والتفسير عن يد سيدي عبد القادر الجيلالي الذي قرر إلباسه رداء العلم ويطلق عليه اسم مشايخ الإسلام. كما دفعه عزمه للتوجه إلى القدس لاكتساب قدر من العلوم والمعرفة، حيث التقى أثناءها بصلاح الدين الأيوبي وشاركه في معركة ''حطين'' الفاصلة بين الصليبيين وقوات صلاح الدين المسلمة، التي أسفرت بدورها عن سقوط المملكة وتحرير معظم الأراضي التي احتلها الصليبيون. وبعدها غيّر العلامة وجهته إلى بجاية وعمل على نشر علوم الدين، حيث تخرج على يده آلاف الطلبة، ليعرّج بعدها على منطقة ''العباد'' بتلمسان مسقط رأسه، وهناك التحق بالرفيق الأعلى ليصبح ضريحه من الأماكن التي يرتادها الزوار. ما ميز العرض أنه قدم بالعربية الفصحى، وقد نجح الممثلون في التلاعب بكلمات اللغة، باستثناء محمد أدار الفنان المخضرم الذي استعصى عليه الأمر في بعض الأحيان، حيث قال ''إنه رغم مسيرته الطويلة على الخشبة، غير أنه بذل جهدا كبيرا لتقديم مشاهد كاملة من العرض باللغة العربية''. أما بالنسبة للممثلين، فقد سجلوا حضورا إيجابيا من خلال لغة العرض، وهذا ما انعكس بصورة جمالية على لوحات العرض. إلى جانب ذلك، فإن الديكور هو الآخر زاد من جاذبية العرض، ففي معظمه كان يمشي على أثر الفضاء الخالي الذي يوحي بالرمزية والتصوف. للإشارة، تعاونية ''براكسيس'' قامت بعد عرضها الأول بجولة فنية في كل من عين تموشنت وسيدي بلعباس وسعيدة ومعسكر وبجاية، كما حطت رحالها، أمس، لتقديم العرض بالعاصمة.