قال تعالى: ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )) (سورة القصص: 68)· فلقد خلق الله السماوات سبعا والأرض سبعا، واختار السابعة من السماوات فاختصها لعرشه، وخلق الله الجنان واختار منها جنة الفردوس وجعل عرشه فوقها وخلق الله الخلق واصطفى من الخلق الأنبياء واصطفى من الأنبياء الرسل، واصطفى من الرسل أولي العزم الخمسة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين، ثم اصطفى من أولي العزم الخمسة: الخليلين الحبيبين إبراهيم ومحمداً ثم اصطفى محمداً ففضله على سائر خلقه فرفع ذكره وشرح صدره وأعلى قدره، وخلق الله الأمم خلق سبعين أمة اصطفى من هذه الأمم أمة الحبيب المحبوب فجعلها خير أمة قال تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)) (سورة آل عمران: 110)· فلقد اصطفى الله أمة الحبيب المصطفى فشرفها وكرمها قال تعالى: ((أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)) (سورة القلم: 35 ، 36)· وقال تعالى: ((أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (سورة ص: 28)· وقال تعالى: ((أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ)) (سورة السجدة: 18)· فكرامة أمة النبي تكمل في أنها وحدت ربها وآمنت بالحبيب النبي فشتان شتان على الكفر والمعصية وشتان وشتان من الشرك والذنب، روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر- رضى الله عنهما- أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ يوما قول الله تعالى في إبراهيم: ((رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) (سورة إبراهيم: 36)· وقرأ قول الله تعالى في عيسى: ((إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) (سورة المائدة: 118)، فبكى الرحمة المهداة والنعمة المسداة صاحب القلب الكبير البشير النذير فقال الله تعالى لجبريل الأمين: يا جبريل أنزل إلى محمد وسله: ما الذى يبكيك؟ وربي أعلم الله يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون لا يغيب عن علمه شيء سبحانه وتعالى: فتزل جبريل الأمين إلى أمين أهل الأرض المصطفى وقال: ما الذي يبكيك يا رسول الله؟ قال: (اللهم أمتي يا جبريل) فصعد جبريل إلى الملك الجليل وقال: يقول: اللهم أمتي أمتي· فقال الله لجبريل: أنزل إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك· روى مسلم من حديث ابن عباس- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عرضت علي الأمم- في رواية، في سنن الترمذى بسند حسن أن هذا العرض كان ليلة الإسراء والمعراج- فرأيت النبي معه الرهط ورأيت النبي ومعه الرجل والرجلان ورأيت النبي وليس معه أحد· أرجو أن تتخيلوا معي أمة كاملة يبعث الله فيها نبياً كريماً من الأنبياء فتكفر كل الأمة بهذا النبي، فتدخل الأمة كلها إلى النار، ويدخل نبي هذه الأمة وحده إلى الجنة· (ورأيت النبي وليس معه أحد) قال: (وبينا أنا كذلك إذ رفع لي سواد عظيم أي رأى النبي سواداً عظيماً فى طزيقه إلى الجنة) فظننت أنهم أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم، وقيل لي أنظر إلى الأفق الآخر فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب)· وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه قال: (يدخل الجنة من أمتي زمرة هم سبعون ألفا تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر)· وفى الحديث الذي رواه أحمد والبيهقي بسند صحيح بشواهده كما في السلسلة الصحيحة من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سألت ربي عز وجل فزادني مع كل ألف بسعين ألفا ثم يحثى ربي بكفه)- فلا تعطل ولا تكيف ولا تشبه فكل ما دار ببالك فالله بخلاف ذلك ليس كمثله شيء وهو السميع البصير- قال: ثم يحثى ربى بكفه ثلاث حثياتا فكبر عمر- قال عمر بن الخطاب: الله أكبر- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وإن السبعين ألفا الأول يشفعهم الله فى آبائهم وأمهاتهم وعشائرهم، وإني لأرجو أن تكون أمتي أدنى الحثوات الأواخر· واعلم أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الخلق والأمم، واصطفى أمة الحبيب على هذه الأمم وكرمها بهذه الطاعات وبهذه المواسم العظيمة من مواسم العبادات، فأمة النبي هي أفضل أمه بجدارة واقتدار بشهادة العزيز الغفار كما أسلفت في قوله تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) ( سورة آل عمران: 110)· أرق نفسك بنفسك وتداوى بالطب البديل الرقى الشركية: لذا فلننظر إلى الهادي البشير والسراج المنير عليه أفضل الصلوات وهو يعلمنا هذا الدرس العملي، والذي يصفه لنا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك رضي الله عنه·· فقد ثبت في صحيح البخاري أن عبد العزيز قال دخلت أنا وثابت على أنس بن مالك، فقال ثابت: يا أبا هريرة اشتكيت! فقال أنس ألا أرقيك برقية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال بلى· قال: اللهم رب الناس، مذهب الباس أشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقما· كل هذا يريد صلى الله عليه وسلم أن يجنبنا أن نقع في الشرك فكيف به لو أنه عاش زماننا هذا والذي كثر فيه الذين يقرؤون الكف ويقرؤون الفنجان، ويقرؤون الحظ الذي لا تخلو منه مجلة تحت مسمى الأبراج، والضرب في الرمل وقراءة الودع، والاستعانة بالجن المسلم كما يدعي البعض، والتبرك بمن في القبور وسؤالهم، وطلب المدد منهم والذبح لغير الله· لم يعش صلى الله عليه وسلم كل هذا في زماننا ولكن حذرنا أن نرجم أو نتكلم بالغيب وحذرنا أن نذهب إلى العرافين والكهنة ومن يعمل عملهم من السحرة والمشعوذين وغيرهم ممن يكذب لأن أعمال هؤلاء جميعا مبنية، على الكذب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) (رواه أحمد)· لذا فإن كل من أتى هؤلاء فقد صدقهم بما يقولون· لمن كان له قلب الدنيا سبب الزيغ والضلال عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (آلفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صبا، حتى لا يزيغ قلب أحدكم إن أزاغه إلا هي، وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء· فالدنيا كلها فتن لذلك حذرنا الله منها، لأنها تغوي البشر فيضيعون في التكالب على زخرفها) (أخرج الإمام أحمد في مسنده)· عن مصعب بن سعد قوله صلى الله عليه وسلم : (احذروا الدنيا فإنها خضرة حلوة) وفي الصحيحين عن عمرو بن عوف الأنصاري قال صلى الله عليه وسلم: (فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم)· والناس عادة ما يقعون فريسة النظر إلى من هم أعلى منهم في الدنيا، وقد يرى أهل الإيمان الكفار يتطاولون في البنيان، ومن لا يفقه سنن الله الربانية قد يصاب بهزيمة نفسية، وقد يتطلع بعضنا إلى حضارة الغرب الآن فيحسدهم على ما هم فيه من ترف وثراء، ويمضي ليحاكيهم في هذه ويترك الأهم· وقد أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عالية، شعار حزب الله المفلحين (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟) (متفق عليه)· وللأسف نحن في عصر يقول القائل فيه: ''من معه دولار أو جنيه فإنه يساوي دولارًا أو جنيهًا''، وهذه من علامات استحواذ الدنيا على الناس، فصارت هي المعيار والمقياس الذي يقاس به كل واحد· وصدق رسول الله إذ يقول كما في حديث بريدة الذي أخرجه الإمام أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم في مستدركه وحسنه الشيخ الألباني (إن أحساب أهل الدنيا: الذين يذهبون إليه هذا المال)· إن من الشعر لحكمة هذا سؤال القدس وهي جريحةٌ تشكو، فكيف نُجيب يا سَلْمانُ؟ ستقول، أو سأقول، ما هذا الندى إلاَّ عطاءٌ ساقه المَنَّانُ هذا النَّدى، بَذْلُ الذين قلوبُهم بوفائها وحنانها تَزْدَانُ أبناءُ هذي الأرض فيها أَشرقتْ حِقَبُ الزمان، وأُنزِل القرآنُ صنعوا وشاح المجد من إِيمانهم نعم الوشاحُ ونِعْمَتِ الأَلوانُ وتشرَّف التاريخ حين سَمَتْ به أخبارُهم، وتوالت الأَزمانُ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين قال الإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله: أما الآن فقد قيدت الأطماع ألسن العلماء فسكتوا، وإن تكلموا لم تساعد أقوالهم أحوالهم فلم ينجحوا ولو صدقوا وتصدوا حق العلم لأفلحوا ·· ففساد الرعايا بفساد الملوك·· وفساد الملوك بفساد العلماء ·· وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه·· ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل فكيف على الملوك والأكابر! والله المستعان على كل حال· وشر سلاح المرء دمع يريقه ذا الحرب شبت نارها بالصوارم قرآننا شفاؤنا قال الله تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} (سورة ابراهيم) السنة منهاجنا قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم : (لقد قرأتها ''سورة الرحمن'' على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله {فبأي آلاء ربكما تكذبان} قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد) (حسن)· الله قريب مجيب (اللهم إني أسألك رحمة من عندك، تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري، وتلم بها شعثي، وتحفظ بها غائبي وترفع بها شاهدي، وتبيض بها وجهي، وتزكي بها عملي، وتلهمني بها رشدي، وترد بها الفتن عني، وتعصمني بها من كل سوء) (آمين يا قريب يا مجيب)·