في وقت تحاصر الثلوج ثلاثة أرباع قرى ومداشر البلاد، لم يظهر للحكومة الجزائرية أي خبر عبر آليات كانت قد أنشأتها خصيصا للكوارث الطبيعية ومنها اللجنة الوطنية لتسيير الكوارث الطبيعية والصندوق الوطني للكوارث الطبيعية، كما لم يرَ البرلمان من داعٍ لاستدعاء أعضائه كما تخول له صلاحياته ما بين دورتين، للنظر في كيفية فك الخناق ''البارد'' عن أرواح الجزائريين التي لا تزال تحت سطوة الثلوج، يحدث هذا رغم تصاعد أصوات سياسية تنادي بتشكيل حكومة أزمة وتستغرب عدم إعلان حالة طوارئ من طرف الحكومة حسب حركة النهضة. تقول المادة 118 من الدستور إنه يمكن أن ''يجتمع البرلمان في دورة غير عادية بمبادرة من رئيس الجمهورية أو باستدعاء من رئيس الجمهورية بطلب من رئيس الحكومة أو بطلب من ثلثي أعضاء المجلس الشعبي الوطني، ويحدد بالمرسوم الرئاسي المتضمن استدعاء البرلمان في دورة غير عادية، جدول أعمال الدورة ولا يدرس البرلمان في هذه الدورة إلا المواضيع المدرجة في جدول الأعمال الذي استدعي من أجله، وتختتم الدورة غير العادية بمجرد ما يستنفذ البرلمان جدول الأعمال الذي استدعي من أجله''. رغم وضوح هذه المادة الصريحة من الدستور، إلا أن لا شيء من هذا قد وقع، وتعلّق حركة النهضة على لسان نائبها في البرلمان أمحمد حديبي في تصريح أدلى به ل ''الجزائر نيوز'' أنه ''من المفروض ألا يتم استدعاء البرلمان فقط بل حتى تشكيل حكومة أزمة وطوارئ''، مستغربا عدم إعلان حالة الطوارئ في الجزائر ''رغم حصار ما يقارب 23 مليون جزائري في شمال البلاد باعتبار هذه المنطقة من الوطن تعتبر أكثر المناطق المأهولة بالسكان وهي تمثل ثلثا اجمالي عدد الجزائريين''. ويرى أمحمد حديبي أن الحكومة ''بهذا الجماد الذي أصابها تكون قد أرسلت إشارات سلبية للجزائريين ونحن على مقربة مواعيد هامة من الناحية السياسية''، واصفا هذا الموقف أيضا ''بالتاغنانت'' موضحا أن حركته ترى ''أنه من غير الممكن تسيير دولة بهذه الذهنية، فبعد كل مظاهر الإهمال والنهب والسرقة والفساد وتعطيل آليات الرقابة نحن اليوم أمام سياسة الإهمال واللامبالاة عن قصد''، ويعلّق النائب أن الجزائر تسيّر وفق ''سياسة جوّع كلبك يتبعك الغرض منها العقاب الجماعي للشعب''. آليات ومؤسسات خاصة بالكوارث لكنها من ''ورقب أقرت الحكومة الجزائرية قانونا متفردا، يتعلق بالوقاية من الأخطار الكبرى وتسيير الكوارث في إطار التنمية المستدامة من خلال القانون رقم 04 -20 المؤرخ في 25 ديسمبر ,2004 والذي وفقه تسير الكوارث الطبيعية والتكنولوجية في إطار التنمية المستدامة. ويصنف هذا القانون بوضوح الكوارث الطبيعية في الجزائر حسب مادته العاشرة الأخطار التي يتكفل بها القانون وهي ''الزلازل والأخطار الجيولوجية، الأخطار المناخية، الفيضانات، حرائق الغابات، الأخطار الصناعية والطاقوية، الأخطار الإشعاعية والنووية، الأخطار المتصلة بصحة الإنسان والحيوان والنبات، أشكال التلوث الجوي أو الأرضي أو البحري، أو المائي، الكوارث المترتبة عن التجمعات البشرية الكبيرة''. وتبيّن المادة التاسعة من القانون بوضوح مسؤولية الدولة ''من الرأس إلى القدم'' حينما تقول ''تشكل الوقاية من الأخطار الكبرى والكوارث في إطار التنمية المستدامة منظومة شاملة تبادر بها وتشرف عليها الدولة، وتقوم بتنفيذها المؤسسات التنفيذية والجماعات الإقليمية في إطار صلاحياتها بالتشاور مع المتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين والعلميين وبإشراك المواطنين ضمن الشروط المحددة بموجب هذا القانون ونصوصه التطبيقية.ب وكانت الحكومة في العشرية الأخيرة قد أعلنت عدة مدن وولايات من الوطن كمناطق منكوبة إثر كوارث طبيعية وأحداث شغب منها جراء زلزال 21 ماي 2003 بولاية بومرداس وجزءا من ولاية العاصمة وبلديتين من ولاية تيزي وزو إثر تضرر البنى التحتية لهذه المناطق وضخامة حجم الخسائر المادية والبشرية. كما سبق وأُعلنت بلدية باب الواد منطقة منكوبة إثر فيضان 11 نوفمبر ,2001 وأعلنت مدينة تيزي وزو وبعض القرى والمداشر المجاورة لها منطقة منكوبة إثر أحداث الشغب التي شهدتها منطقة القبائل الكبرى في أفريل .2001 وتشير في هذا الباب ''المادة السادسة والسابعة من المرسوم التنفيذي رقم 90-402 إلى أن إعلان منطقة منكوبة من صلاحيات الوزير المكلف بالجماعات المحلية والمكلف بالمالية بعد معاينة مدققة لتقرير والي الولاية التي مستها الكارثة وبعد أن تثبت المصالح التقنية المعنية بالمعاينة والتابعة للبلدية أو للولاية أو للدولة واقع أضرار وآثار الكارثة ومدى الأضرار الناجمة عنها'' مثلما جاء في عدة تقارير إعلامية أعقبت الكوارث الطبيعية سالفة الذكر. أما الصندوق الوطني للكوارث الطبيعية فيقدم بموجب القانون ''تعويضات للضحايا حسب النسبة المئوية للأضرار الجسدية والمادية المحددة من قبل اللجنة الوطنية لدراسة ملفات المنكوبين، وتتكون اللجنة الوطنية من عدد من ممثلي الوزارات والهيئات المعنية، حيث يقدم الضحايا طلب تعويض في أجل لا يتعدى 30 يوما من وقوع الكارثة ليرفع إلى اللجنة الولائية لدراسته ومن ثم إلى اللجنة الوطنية''، بينما لم يُر لهذه اللجنة الوطنية لتسيير الكوارث ولا الصندوق أي أثر أو تحرك حتى لوجيستي لمحاصرة الثلوج ل 30 ولاية يعمرها 23 مليون مواطن. الجزائر معرضة ل 11 خطرا كبيرا من ضمن 14 خطرا مصنفا أمميا وحسب الندوة الإقليمية لتسيير الكوارث الخاصة بدول الحوض المتوسطي التي جرت في أكتوبر 2010 بلندن، صنّف خبراء دوليون مختصون في الكوارث الطبيعية، الجزائر ضمن أضعف دول البحر الأبيض المتوسط في مجال تسيير الكوارث الطبيعية، رغم كونها من البلدان الأكثر عرضة للمخاطر الكبرى. وجاء التصنيف بعد عرض المشاركين في الندوة مختلف تجارب دول المنطقة في مجال تسيير المخاطر الكبرى والإجراءات المتخذة لمواجهة ذلك. وكان رئيس نادي المخاطر الكبرى عبد الكريم شلغوم الذي كان ضمن الخبراء المشاركين في الندوة، صرح أن ''الخبراء عرضوا المخاطر الكبرى التي تهدد دول المنطقة، ومن بينها الجزائر التي صنفت من أكثر الدول عرضة لتك المخاطر لأنها معنية مباشرة ب11 خطرا من الأخطار ال14 التي صنّفتها هيئة الأممالمتحدة على أنها مخاطر كبرى''. وأضاف رئيس النادي آنذاك عبد الكريم شلغوم ''لا تملك الحكومة سياسة لتسيير تلك المخاطر في حال حدوث أي كارثة، سواء كانت طبيعية أو صناعية، عكس دول المنطقة الأخرى، ففي الوقت الذي وضعت فيه الحكومة البريطانية على سبيل المثال لا الحصر قضيتي الإرهاب والكوارث الطبيعية في درجة واحدة من الخطورة التي تهدد أمنها الوطني، فإن الجزائر لا تزال تستخف بتلك المخاطر''. وكان الرجل بتلك المناسبة قد دعا السلطات المعنية إلى الإسراع في تنصيب هيئة لتسيير المخاطر الكبرى التي نصت عليها المادة 68 من قانون ,2004 ''لأنه بدون تنصيب هذه الهيئة لا يمكن تطبيق أي قانون يصدر في هذا الشأن مستقبلا بما فيه قانون 2004 الذي لا يزال حبرا على ورق لعدم وجود هذه الهيئة، لأن تسيير الكوارث، كما يقول محدثنا، يجب أن يكون من صلاحيات هذه الهيئة لأنها وحدها القادرة على التسيير الجيد للكوارث شرط أن تضم خبراء ومختصين وممثلين عن كل القطاعات المعنية''. الوضع الذي خلفه تساقط الثلوج في الجزائر تطلب تسخير آليات تابعة للقطاع الخاص، وجهود مواطنين في فك العزلة عن المعزولين، وفي حالات شهدت استعمال البغال والحمير في صورة نادرة لها صلة زمنية بعصور غابرة، لكن دون إعلان حالة الطوارئ رغم خروج الجيش الوطني الشعبي الى مختلف مناطق البلاد لتقديم يد المساعدة. اللجنة الوطنية لتسيير الكوارث الطبيعية.. هيئة مجهولة عندما تريد أن تبحث عن اللجنة الوطنية لتسيير الكوارث الطبيعية الجزائرية طبعا لا تجد على الأنترنت سوى مجموعة من المقالات التي نشرت بعد حدوث كوارث طبيعية، وكثيرا ما تعلقت هذه المقالات بزلزال بومرداس وفيضانات العاصمة وغرداية وبشار وحوادث أعمال الشغب التي وقعت في الشلف عقب انتفاضة منكوبي زلزال أكتوبر .1980 فاللجنة إذا كان يبدو من الطبيعي أنها تقع تحت وصاية وزارة الداخلية، فإن هذه الوصاية التي تتوفر على مديرية إعلام كانت لا ترد طيلة نهار أمس، رغم أن الحالة التي تمر بها البلاد كارثية بكل المعايير، مناخيا. ورغم توالي الكوارث على الجزائر، فإنها ''لا تملك مقرا خاصا بها، بل يقوم الأعضاء فيها ومنهم عنبر براهيم ممثل ديوان الأرصاد الجوية عادة بالاجتماع كلما صدر أمر بذلك على مستوى مقر ولاية العاصمة'' يقول مصدر من ديوان الأرصاد الجوية. وتفيد المعلومات التي تحصلنا عليها حول هذه الهيئة ''الشبح'' التي يفترض أن تكون مكونة لخلية أزمة على مدار الساعة، أنه شاعت أخبار عن امتلاكها لمقر يتمثل في فيلا فاخرة بمنطقة بارادو في حيدرة وأنه تعلوها يافطة كتب عليها اسمها. لكن بالتنقل إلى المنطقة التي حددتها لنا بعض المصادر ذات العلاقة بالموضوع، فإنك تصدم بأن لا شرطي ولا رجل حماية ولا سكان المنطقة يعلمون مقرها بالرغم من السماع عنها. وبعد كل هذا حاولنا الاتصال بوزير الداخلية شخصيا للاستفسار عن عدم اجتماع هذه اللجنة في مثل الظروف المناخية السائدة في البلاد باعتباره أحد أهم الأعمدة المكونة لها، إلا أن الوزير كان يبدو مشغولا كثيرا بالأمس، كونه كان يرفض الرد على الاتصال، بعد بضعة رنات.