ها هي فتوى شيعية جديدة تصدر للعراقيين من أحد المراجع الشيعية المقيمة في إيران، آية الله كاظم الحسيني الحائري، تحرم التصويت في أي مرفق من مرافق الحكم العراقي لمصلحة أي مواطن عراقي علماني· وبمعنى آخر، فإن الفتوى تعني وجوب التصويت لرجال الدين الشيعة فقط، فأي ديمقراطية التي يتحدث عنها هؤلاء؟ وحتى لو قال البعض إن هذه الفتوى صدرت لتشكل دعما لرئيس الوزراء، نوري المالكي، ضد جميع المكونات العراقية الراغبة بتحجيمه - المالكي - أو إسقاطه لكي لا يتحوّل إلى صدام حسين الشيعة، إلا أنها، أي الفتوى، تتجاوز هذا الأمر بكثير، حيث أن لها مدلولات خطيرة تفضح طريقة التفكير الإيرانية الخمينية، وعقلية المراجع الشيعية التي تسبح في فلكها، فكيف يمكن، مع هذه الفتوى الخاصة بتحريم التصويت للعلمانيين بالعراق، فهم الموقف الإيراني من ديمقراطية لبنان، أو مما حدث ويحدث في البحرين، أو ما يحدث في سوريا، ومصر، أو اليمن، وكل الدول العربية التي أصابها ما يسمى ب ''الربيع العربي''؟ فالواضح أن المراجع الشيعية المرتبطة بإيران ترى أن الديمقراطية حلال فقط إن جاءت برجال دين شيعة، وبالطبع لا تقبل إلا بمن ترتبط مصالحه مع مصالح إيران، سواء من الشيعة أو السنة، مثل الإخوان المسلمين المتحالفين مع إيران، وأبسط مثال حماس الإخوانية، أو كثيرون من إخوان مصر، والخليج بالطبع، هذا ناهيك من الحوثيين في اليمن· فإيران، وكل من يسبح في فلكها الخميني، ترى أن الديمقراطية مجرد مطية للوصول إلى الحكم، وليست نهجا سياسيا لخدمة المجتمع، والدولة، في منطقتنا، وإنما لخدمة انتشار الثورة الشيعية الخمينية في المنطقة· وهذا ما يتضح في العراق اليوم من خلال هذه الفتوى، التي تسري بكل تأكيد على البحرين وسوريا ولبنان واليمن، وهو ما يتسق أيضا مع التحركات الإخوانية بمصر، وفي ليبيا التي تجاهل جل الإعلام العربي هذا الأسبوع صرخة مفتيها مما وصفه بالتحركات الإيرانية المشبوهة في ليبيا! فالقصة ليست قصة الحفاظ على المالكي وحسب، وإنما هي قصة المحافظة على النفوذ الشيعي الخميني في العراق والمنطقة ككل، وتعزيزه مع كل القوى الحليفة لإيران، بقصد أو بجهل، أو من أجل الدعم المالي، وحتى من باب أن عدو عدوي صديقي، كعلاقة إيران بتنظيم القاعدة! وهذه مسألة خطرة تعزز خطورة إيران، ودورها بالمنطقة، وبالطبع فإن مثل هذه الفتوى الخاصة بتحريم التصويت لأي رجل علماني في العراق تتطلب اليوم ردا من شيعة العراق أنفسهم، ومثلهم شيعة البحرين، ولبنان، وغيرهم بالمنطقة، والمطلوب هنا رد واضح من عقلاء الشيعة، وهو ما طالبنا به مرارا، فكيف لعقلاء الشيعة أن يطالبوا بحقوق الأقليات، والإصلاح، والمشاركة السياسية، ثم يصمتوا على فتوى صادرة من إيران تحصر حق التصويت برجال الدين الشيعة؟ والأمر نفسه ينطبق على كل حلفاء طهران بالمنطقة، وخصوصا الإخوان المسلمين المصريين والخليجيين الذين يطالبون بالإصلاح السياسي، والديمقراطية· مطلوب من كل هؤلاء الرد لنعلم هل هم إصلاحيون حقيقيون، أم مجرد خمينيين، حيث إن الخمينية لم تعد محصورة بالشيعة فقط، وإنما بكثير ممن يدعون الإصلاح السياسي، بالعراق أو البحرين، أو المنطقة ككل· فهل من إجابة؟