لم تمر الانتخابات التشريعية التي أفرز الصندوق نتائجها يوم 10 ماي الماضي دون أن تترك وراءها ردود أفعال مختلفة تراوحت بين الحديث عن التشكيك في النتائج والتهليل لها. وكالعادة لم يمر الحدث دون أن يقحم المتتبعين لمسارات الوضع في الجزائر خاصة المحللين الذين حاولوا إعطاء تفسيرات موضوعية لانتخابات لم تكن نتائجها طبيعية لدى البعض وكانت متوقعة لدى البعض الآخر، الأمر الذي يبقي الجدل قائما لفترة طويلة حول التجاذبات والرهانات والتحديات التي سيعرفها المشهد السياسي بعد أن ألقت الإنتخابات التشريعية بأوزارها. أحمد لشهب أستاذ العلوم السياسية: الوعاء الإنتخابي للإسلاميين ضيق مقارنة بالتيار الوطني ما هي الملاحظات التي يمكن تسجيلها بعد أن باحت الإنتخابات التشريعية بأسرارها؟ الملاحظة الأولى التي يمكن ذكرها هو أن ما آلت إليه نتائج الإنتخابات جاء مخالفا للتوقعات وما آلت إليه كذلك الحركات الإجتماعية في الربيع العربي بوصول الإسلاميين بمختلف مشاربهم إلى الحكم بخلاف الجزائر التي جاءت الإنتخابات فيها مخيبة لآمال الإسلاميين، حيث تم إبعادهم من السلطة من طرف الشعب الذي قال كلمته. والملاحظة الثانية هو أن الشعب جرّب الإسلاميين في بداية التسعينيات ونتيجة لما آل إليه الوضع آنذاك، فقد أبعدهم اليوم تجنبا لأي نزاع قد يحدث في حالة ما إذا وصلوا إلى السلطة، والملاحظة الثالثة هي أن الوعاء الإنتخابي للإسلاميين ضيق جدا مقارنة بوعاء التيار الوطني ممثلا في الأرندي والأفلان، حيث استعاد هذا التيار قوته من جديد بتوسيع وعائه الإنتخابي. والملاحظة الرابعة هي أن بالنسبة للذين يرون أن هناك تزويرا حدث، فأنا أعتقد بما لا يدع مجالا للشك بأنه لم يحدث أي تزوير في العملية الإنتخابية، بل أن التزوير الذي يمكن التحدث عنه يكمن في القوانين المنظمة للعمل الديمقراطي في الجزائر كقانون الإعلام، الأحزاب، الجمعيات، الإنتخابات، وهذا الفخ لم تعرفه ''الطبقة السياسية'' التي لم تحلل جيدا وعلميا هذه القوانين، بل أن قادتها سارعوا وهرولوا وراء تكوين أحزاب وركبوها للوصول إلى السلطة دون عناء أو تعب أو كد، لأن ذلك يتطلب نضال حياة جيل كامل. والملاحظة الخامسة هو أن ما تحصلت عليه الأفلان يمثل وعاءها الإنتخابي الطبيعي لأن هذا الحزب عمره 65 سنة ولا يمكن مقارنته بحزب جاب الله أو غيره الذي له عمر لا يتجاوز ثلاثة أشهر فقط، إذ كيف يمكن إجراء سباق بين الشاب والكهل المتمرن. ألا تعتقدون أن الأحزاب التي راهنت على هذه الإنتخابات لم تحسن تقرير الوضع السياسي الذي تنشط فيه؟ أنا أقول أن السياسي في أي بلد هو ابن بيئته، يبني أفكاره ومواقفه وبرامجه وسلوكاته إنطلاقا منها، فإذا لم يفهم جيدا بيئته وينطلق منها، فهذا يؤدي به الوصول إلى السباحة خارج التيار، وهذا ما وقع للأحزاب السياسية، وأنا أنصح الأشخاص وقادة الأحزاب أن يتقبلوا الوضع الذي وصلوا إليه بسبب أخطائهم السياسية المتمثلة في سوء تقريرهم للوضع السياسي الجزائري الحالي وعدم فهمهم كذلك لطبيعة النظام السياسي الناجم عن تراكمات نضالية طويلة، حيث تكوّن في ظل الحركة الوطنية، وحرب التحرير، والبناء والتشييد، ثم خلال حرب أهلية ثم الوصول إلى نقطة الإنطلاق في البناء الديمقراطي. كيف تبدو لكم التوازنات السياسية القادمة في ظل ما آلت إليه العملية الإنتخابية؟ أعتقد أن التوازنات السياسية في الجزائر سوف تأخذ بعين الإعتبار عملية الإنتخاب ونتائجها، بمعنى أن التيار الوطني سوف يعيد بناء نفسه من جديد آخذا في الإعتبار المجتمع الجزائري الذي يمثله 13 مليون مقاطع للإنتخابات وهو يمثل في نظري الأغلبية المطلقة التي يحق لها أن تستشار في اتخاذ القرارات مستقبلا في عدة قضايا مثل تعديل الدستور، الإنتخابات، سياسة التنمية الوطنية، ومنها أيضا تركيبة الحكومة القادمة، إذ يتوجب على الفائزين في الإنتخابات أن يأخذوا هذا الوضع مأخذ الجد في تشكيل الحكومة وفي سياستها وهذا لتجنب ما وقع لمصر بعد الإنتخابات المزورة. مسعود شعنان أستاذ العلوم السياسية: لقد عدنا إلى الأحادية في ظل التعددية سجلت ردود متباينة عقب الاعلان عن نتائج التشريعيات تراوحت بين القبول والرفض، برأيكم هل كانت النتائج متوقعة؟ أولا بودي الإشارة إلى نقطة وهي أن النتائج بصفة عامة كانت مخيبة حسب الملاحظين الذين كانوا ينتظرون نوعا من التوازن، غير أن هذه التوقعات جاءت معاكسة بعد أن فاجأ حزب الأفلان الجميع، ويمكن القول اليوم إننا عدنا إلى الأحادية في ظل التعددية والديمقراطية، حيث أن صعود حزب واحد من بين هذا الكم الهائل من الأحزاب، أمر غير منطقي، وهذا ما دفع العديد من الأحزاب إلى التنديد والتشكيك في نتائج الإنتخابات، حيث اتهمت الإدارة وشخصيا أعتقد بأن اللعبة حُضّرت من قبل، خاصة في ترتيب القوائم وتحديد النسب، بالإضافة إلى القانون الذي يلغي الأصوات التي لا تحصل على 5% مما جعل معظمها تذهب إلى حزبي الأرندي والأفلان. وفي جانب آخر كان يفترض اتباع نظام الانتخاب على الأشخاص بدل القوائم، أما الملاحظة الأخرى فهي أننا ما زلنا بعيدين عن الربيع العربي الذي تغنى به الكثير، حيث أن النظام ما يزال يكرر نفسه مع نفس الأشخاص الذين حكموا وسوف يستمرون. لذلك أنا متخوف من أن هيمنة الأفلان قد تؤدي إلى السيطرة على السلطة التنفيذية، كما أن هناك من يرى بأن الانشقاقات التي عرفتها جبهة التحرير الوطني ما كان لها أن تحصل على هذه النتائج، وأن أصوات الإسلاميين جميعا يبدو لي أنها ذهبت إلى الأفلان والأرندي، وأعتقد كذلك أن الشعب الجزائري على وعي تام بما يفعل، حيث صوت وعاقب بعض الأحزاب على منوال الجبهة الوطنية الجزائرية التي روجت بشأنها أخبار عن تلقيها أموالا، وكذلك الشأن لجاب الله الذي لم ينجح في العاصمة، حيث أن ما تداول خلال الحملة الانتخابية عن ترشح زوجته وأقاربه أدى إلى نتيجة وهي أن مناضليه لم يعطوا له الأصوات، وهذا ما يفسر سقوط الإسلاميين. ألا ترون أن نسبة المقاطعين التي تجاوزت %50 قد ساهمت في النتائج التي أفرزها الصندوق؟ ما من شك أن نسبة المقاطعين الكبيرة ألقت بظلالها على الانتخابات وأنا أتساءل لماذا لم تصوت هذه النسبة الكبيرة، وأعتقد هنا بأن اللعبة جرت قبل الانتخابات بعد أن تم اعتماد أحزاب جديدة، مما أدى إلى تفتيت الأصوات، زيادة على كونها أحزاب النظام. ما هي الخطوط العريضة حسب رأيكم للخارطة السياسية القادمة في الجزائر؟ في الحقيقة كل شيء متوقع، فنحن عرفنا في السابق تحالفا ثلاثيا لم يكن له انتماء واحد، حيث اختلف من حيث التوجه والعقيدة، اليوم وبعد التصريحات التي أدلى بها سلطاني، يمكنني القول أنه ترك المجال مفتوحا من خلال إمكانية المعارضة من عدمها. يمكن أن تقحم أحزاب أخرى من التحالف الأخضر، الأفافاس ولا يقتصر تشكيل الحكومة على حزب أو حزبين، لأن ذلك قد يؤدي إلى زيادة الفجوة بين السلطة والشعب. سرير عبد الله (أستاذ العلوم السياسية) النتائج كانت مفاجئة بداية ماهي القراءة الأولية التي يمكن استخلاصها من نتائج التشريعيات؟ بصراحة أرى أن النتائج التي آلت إليها التشريعيات غير طبيعية لعدة أسباب منها خاصة الانقسام البارز في جبهة التحرير الوطني الذي ميز نشاط الحزب خلال الفترة التي سبقت هذا الموعد الانتخابي، وكذا البرودة التي ميزت الحملة الانتخابية وعدم تعاطي الجماهير معها. كما يمكننا أيضا إضافة سبب آخر ويكمن أساسا في تذمر المواطنين من غلاء المعيشة، وربما كذلك إنحياز الإدارة، حيث أنها دعمت تيارا سياسيا معينا، وأخيرا يمكنني الإشارة إلى إشكالية المكاتب المتنقلة وعدم ضبط كتلة الناخبين، وكذا الأصوات السابعة التي تستعمل عند الحاجة. كما أجد أن التبريرات المقدمة من طرف الإدارة تمحورت حول عدم معرفة المواطن للأحزاب خاصة الجديدة منها مما جعل السواد الأعظم من الناخبين يصوتون على حزب الأفلان، لكنني أنا أرى أن كثرة الأحزاب واختلاطها على الناخب خاصة من حيث التسميات ساهم في ذلك. وأعتقد أن نتائج الانتخابات كانت مفاجأة للجميع وغير متوقعة حتى من طرف السلطات التي أعلنت أكثر من مرة بأن البرلمان القادم سيكون عبارة عن فسيفساء لا توجد فيه أغلبية. واستنادا إلى كل هذه المعطيات أقول إن الآثار القريبة والمتوسطة ستجلب المزيد من التذمر الشعبي وبعد تلاحم السلطة مع الشعب، مما يجعل السند الشعبي والمصداقية غائبين. وماذا عن تراجع الأحزاب الإسلامية وإخفاقها في فرض نفسها، واستمالة الناخبين؟ أعتقد أن الانشقاقات الداخلية التي عرفتها وغياب المرجعيات ساهمت بقسط كبير في تراجعها وهو ما استفادت منه الأحزاب الأخرى المنافسة لها. على ضوء كل هذه المعطيات التي أفرزتها التشريعيات، كيف يبدو لكم المشهد السياسي القادم؟ تبعا للنتائج التي آلت إليها عملية الانتخاب لدي إحساس بأن المصداقية هذه المرة ستكون لها تداعيات على مستوى النظام السياسي وكذا الإصلاحات التي ينوي القيام بها، لأنه من غير المعقول أن يكون تيار ما خصما وحكما في نفس الوقت.