سجل ركح قاعة عبد الرحمن كاكي بدار الثقافة مستغانم، العرضين الأخيرين المبرمجين في اليوم ما قبل الأخير من المنافسة الرسمية لمهرجان مسرح الهواة، بدءا ب “حب في خدعة" للتعاونية الفنية العثمانية لوهران، ثم “حرب الغرائز" للجمعية الثقافية “الهواء الطلق" بودواو. تقاربت كل من الفرقتين المسرحيتين في مواضيعهما، إذ لم يخرجان عن إشكالية علاقة الرجل بالمرأة، وأحوال العلاقات الإنسانية، ورغبة كل طرف في الظفر بشريك الحياة، وما يكتنف ذلك من عراقيل اجتماعية وثقافية ودينية، وإمكانية خروج أحدهما عن الخط المرسوم من قبل الجماعة. اختصرت مسرحية “حب في خدعة" حال عائلة فقيرة، تريد أن تزوج ابنتها لرجل غني، حتى يكون الوسيلة للخروج من دائرة الحاجة. تتكون هذه الأسرة، حسب نص العربي مفلاح، من والدين وبنت وولد وجدة. يرفض الآباء تزويج ابنتهم “جميلة" من “عمار" بائع الحمص، الذي لا يملك المال والجاه، يدفعون به بعيدا خشية أن تكرر الابنة حياة الحاجة والعوز. إلا أن الشابين المتحابين يتمسكان بحلمهما في الارتباط، فيقرران رسم خطة “جهنمية" توهم الوالدان بأنه رجل مقتدر. يتنكر “عمار" في شخصية رجل غني يملك مؤسسة لبيع خبز “المطلوع"، ليجد والدا الفتاة نفسيهما غير قادرين على مقاومة إغراء المال، وبالتالي لا يصمدان طويلا أمام الخطة الجهنمية التي عرضها عليهما ابنهما “كمال"، قصد تمكين العائلة من ضرب عصفورين بحجر واحد، تزويج جميلة من صاحب المال “بائع المطلوع" وجني المال وفوائد لا تعد ولا تحصى والتخلص نهائيا من بائع الحمص الذي لا يزال يطمع في الزواج من جميلة. إعتمد المخرج قادة شلابي، في السرد المسرحي على عنصر الفكاهة والهزل، سواء من حيث الحوار أو في شكل الشخوص المثيرة للضحك. وقد كانت هذه الطريقة مفيدة لتقريب الفكرة من المتلقين، خاصة وأن أغلب المسرحيات السابقة تمسكت بالخطاب الوعظي، ما أشعر الجمهور بأنهم أمام معلمين وليس ممثلين. تحرك أفراد العائلة و«عمار" في ديكور بسيط غير متكلف، عبارة عن منزل جزائري النموذج، رافقته موسيقى وهرانية. حضور بومرداس في الدورة ال 45 كان عبر “حرب الغرائز" للمؤلفة والممثلة منال بن هلال، أما الإخراج فكان لزنتي جمال، وهي عبارة عن مسرحية فلسفية تتحدث عن التباين في الآراء والأفكار بين الرجل والمرأة، فلبست كل من الشخصيتين الأبيض والأسود وتماهت البطلة “مريم" في حوار تارة باللغة العربية الفصحى، وتارة بالدارجة عندما يتعلق الأمر بالانتقال من لوحة سريالية إلى لوحة واقعية تصور حال فتاة متهورة تسعى لتلبية غرائزها واللهو وما ستجنيه لاحقا من مصير مجهول وندم شديد. تحمّلت الممثلة منال بن هلال ثقل العمل كاملا، فهي كاتبة النص، والمؤدية، والراقصة والمغنية، وظلت حاضرة في كل اللوحات تتقمص الشخصيات، دون تعب، فكان واضحا أن منال تريد إقناع لجنة التحكيم بأنها ممثلة كاملة، وتقدر على نيل أحسن دور نسائي. إلا أن المبالغة في السرد والإطناب في الوضعيات، أرهق الجمهور وأشعره بالتعب والملل، خاصة وأن العقدة لم تحكم حبكتها، إذ يتوه الواحد بين القصص دون أن يصل إلى نهايتها، علما أن السواد الذي اختاره المخرج للانتقال من لوحة لأخرى، استهلك وقتا طويلا على حساب اللعبة المسرحية، فكان جديرا به أن يختزل القصة لتكون مقبولة.