يحاول الأستاذ محمد بن زيان في “تأمله المعرفي" الجميل في هذا العدد من الأثر، الإمساك بخيط اللحظة الراهنة، والتأمل بعمق ووعي، بنظرة معرفية فاحصة تتجاوز الأطروحات الإيديولوجية والاستقطابات القائمة حول قراءة “ثورات الربيع العربي"، التي هزت المنطقة العربية خلال العامين الماضيين، مخلفة تداعيات كبرى على المستويات السياسية، الإعلامية، والفكرية، تراوحت بين استقطاب تيارين متناقضين، أحدهما لا يرى في هذا الحراك الشعبي الواسع والقوي، سوى تخطيطاً تآمرياً لتدمير الدول العربية، وآخر لا يستوعب تعقيدات المرحلة ومخاطرها فينظر إليه بعين الرضا التي لا تخطط ولا تتأهب لمواجهة الأسوأ، سيما في الفترة الانتقالية التي يصاب فيها جهاز الدولة بحالة انسياب وترهل غير مشهود، مما يعزز حظوظ انجراف الوضع نحو الفوضى على مستوى مكونات الداخل، وانفراج مساحة مناسبة لتدخلات الدول والمخططات الخارجية من الناحية الأخرى. وهنا يمكن الحديث عن “النخب" ودورها، في قيادة الحاضر واستشراف المستقبل، برؤية معرفية شاملة، تؤسس لجمهوريات جديدة، وفق نظم دستورية، تمارس قطيعة فعلية مع مراحل الاستبداد بكل أشكاله وصوره وتجلياته.. “نخب" تتجاوز ماضيها لصناعة مستقبل مغاير، بعيداً عن الأدلجة، وعن النفعية التي تميزت بها أغلب “نخب الاستبداد"، وهو التفسير المنطقي ليس لطول عمر الأنظمة المستبدة فحسب، بل أيضاً التفسير الموضوعي لغياب دور هذه النخب - غالبا - في الحراك الشعبي الواسع، الذي شهدته المنطقة، حيث بدا صوت الشارع أكثر صخباً بالحرية من أصوات النخب.. وفعلها أكثر تأثيراً على الأرض. الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام هذه النخب في أن تؤدي دورها المفترض، في صياغة رؤية علمية واعية ومدركة لتحديات هذه المرحلة الدقيقة في تاريخ المنطقة العربية.