جلست وحماري على المقهى رغبة منّا في التغيير قليلا باعتبار أنه إذا ضاق الخاطر لا يمكن أن تجد مكانا تجلس فيه سوى المقهى. تبرطح حماري على كرسي طويل وطلب شايا وأشعل سيجارة “فايحة" تظن أن قاذورات البلد كلها مجتمعة فيها، أما أنا فطلبت فنجان قهوة مرة حتى “أفطن" مما أنا فيه من دوخة. قلت له... كيف ترى هذه الوجوه الموجودة في المقهى يا حماري؟ نهق نهيقا طويلا وقال... بائسة ولا تملك غير ذلك. قلت... أتعبتها الحياة ربما أم أنك تشك أن في الأمر إنّ؟ قال وهو يسحب نفسا طويلا من السيجارة الفايحة، القلب معمر يا صاحبي وكل وهمه. قلت ساخر... لذلك أخرجتك للمقهى وترى أن الناس كلها تحمل الهمّ ولست وحدك من يستحوذ على الهموم والمآسي. قال باستفزاز... تستطيع أن تختصر كل الشعب في حمار مثلي، فالهمّ نتقاسمه جميعا مع بعضنا البعض ولا يمكن أن يكون همّهم غير همي؟ إنفجرت بالضحك وقلت... أنت همومك سياسية والشعب همومه تتعلق بالمعيشة وصعوبتها. قال معاتبا... ومتى كانت السياسة بعيدة عن هموم الشعب؟ السياسة يا عزيزي هي التي تسير هذه الهموم وإما تنقصها وتمحيها أو تزيد عليها هما على همّ كما يحدث عندنا. قلت... معناه كل الذين في المقهى أصل همومهم سياسية؟ نهق نهيقا مستفزا وقال... تصور معي أنك تعيش في دولة توفر لك السكن والعمل وتعطيك راتبا يجعلك تعيش بكرامة وعزة هل هذا ليس ناتج عن سياسة دولة تحترم مواطنيها؟ قلت... نعم قال... وتصور العكس الآن، دولة تعيش في وادٍ وشعبها في وادٍ آخر، مثلما يحدث عندنا تماما أليست هذه سياسة التسيب والفوضى والعشوائية؟ قلت... نعم، قال صارخا... هاهي إذن السياسة هي التي تتحكم في الرقاب والبلاد وكل شيء وإذا بقيت سياستنا كهذا سنموت يوما من البؤس.