وجدت، السيدة زهور ونيسي، في كتابها الضخم: “عبر الزهور والأشواك.. مسار امرأة" (495 ص) من القطع الكبير، الصادر عن دار القصبة للنشر، 2012، على نباهة آسرة! ذلك، لما ينبعث من كلماتها الموضوعة بوثوق، بتبصر، بشجاعة، بجرأة، وبدفء، والتي لا تبهرك فحسب بمكانتها، كامرأة، بين الرجال أهلا وأصدقاء ورفاقا وزعماء، كما النساء قريبات وصديقات ورفيقات درب ونضال، ولكن تجعلك تشعر أيضا أنها كان يمكن أن تكون أمك أو أختك الكبرى. امرأة، تجدها تحكي سيرة عائلتك، التي تشبه سير العائلات الجزائرية كلها ومسيراتها في مواجهة محنة الاحتلال، في هذا التضامن المتجذر إلى حد الغريزة. بل، تجعلك تتوسم أنها المرأة الجزائرية التي كان لا بد لتاريخ الجزائر المعاصر أن يوجدها بهذه الإرادة في التعلم والتحرر والتضحية والعطاء. وجدت السيدة زهور، بقدر ما هي طافحة الروح أنثوية بقدر ما هي صلبة العقل على إيجاد هذا التوازن الهش، ولكن الحيوي، بين كونها امرأة من حولها حصار بجميع إكراهات مجتمع متقوقع على ذاته بفعل الخوف من (آخر) من حتميات التطور، من المسبقات الأخلاقية والدينية، وبين كونها عنصرا، إلى جانب الرجل، يلزمها شرطها التاريخي والاجتماعي بأن تكون في قلب معركة بلدها التحررية ثم البنائية لاحقا. إنه المسار الذي يبغي كتاب “عبر الزهور والأشواك" أن يقوله عن امرأة؛ على لسانها البليغ، بقاموسها الرصين، الجلي، المعاتب، المسامح، بتذكاراتها: مرها، أحلاها. أقبحها، أجملها. الأشد حزنا وإيلاما، الأكثر فرحا وعافية. وأنت مشدود بسردها الجميل، حتى عندما تخوض في السياسي والدبلوماسي، يتنبت في شعورك هذا الإحساس بأنك أمام امرأة تقول لك بتجربتها الإنسانية. تعلن إليك: ها هي الحداثة! ها هو المسار الذي يمكن لكل امرأة جزائرية أن تسلكه إلى حريتها. ولعلك تتمنى، مثلي، أن لو كانت بقية الأمهات والأخوات والبنات الجزائريات على تحضر زهور، مظهرا وروحا، بهذه الأناقة التي لها، بهذا الإشعاع الذي تغمرك به، حين تتحدث إليك، حين تبتسم، حين تترجم ما في مشاعرها عن الوطن، خاصة. يا إلهي، عندما تقرأ، عبر أغلب فصول كتابها، فيضها عن الجزائر في تشكلها الإتني والتاريخي؛ هي زهور الصنهاجية! بيني وبين نفسي، كنت أقول: من مثل ما انعركت به زهور؛ انتماء وثقافة ولغة، كان لا بد أن ينبني مشروع جزائر ما بعد الاستقلال. وأتحسر: يا لخساراتنا، يا لانتكاساتنا! «عبر الزهور والأشواك" لا يتركك، بحال، على حياد مما تقرأه لسيدة رهنت جسدها وقلبها وحبها حبها الحقيقي والمجازي لتنعتق؛ وها هي، بكتابها / اليوميات، لا تسترد الجسد والحب فحسب، ولكن تأخذ من التاريخ فائض القيمة لتهدي ذاكرتنا الجماعية إياه: إنه أثمن عطاء للجزائر! فعلت زهور ذلك “عبر الزهور والأشواك" بعلو درجة من النبل وعلى سعادة زكية من السخاء. سيدتي زهور: “الحب.. هل هو الحل؟" لا مفر! عبر الزهور والأشواك. إنه مسارك! مسار امرأة جزائرية جديرة بالاعتراف والمجد، مثل اللائي أتيت على أسمائهن؛ من لاله فاطمة نسومر إلى والدتك إلى جميلة بوحيرد! «إن ما أريد قوله أقوله بكل صدق وشفافية ودون رتوش، وما لا أريد قوله لا أقوله تماما، حتى أبقى على احترام نفسي والرضا عنها، ولا أخون عهدا قطعته معها ومع قارئ قديم وعزيز، أردت له دائما بتواصلي السابق منذ خمسين سنة، وأريد له اليوم أن يستفيد من تجربتي هذه حتى ولو كانت صغيرة بجانب تجارب أخرى، لكنها حتما مهمة بخصوصيتها ككل تجارب الحياة الإنسانية. «إنني أعتقد أن التفكير في كتابة يوميات خاصة من المحيط ومع المحيط البشري، ينطلق أولا وقبل شيء من مصالحة حقيقية مع الذات، وأنا قمت بمصالحة ذاتي منذ وعيت نفسي وقبل الشروع في كتابة مثل هذا النوع من الآثار الأدبية". ص 124 وها أنت، يا زهور، الأديبة، في البداية والنهاية، تعرضين علينا كتابك هذا بصفته يوميات؛ لا مذكرات! بصفته أثرا أدبيا لأنه يتماس مع السردي؛ بل هو نوع منه لا بصفته كتابا تأريخيا شخصيا فحسب. ثم، وهو ما أعتبره أمرا يدعو إلى التأمل، هذا الإقرار بأننا، مهما نحاول أن نكون أوفياء لقارئنا فإن هناك إكراهات تكبلنا عن أن نقول له ما نريد قوله تماما. يا لك من سيدة، مثل غيرك من بنات الجزائر، تصنع هذه الحداثة! سيدتي زهور: الحب.. هل هو الحل؟ لا مفر! عبر الزهور والأشواك. هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته