قال الدكتور أحمد حمومي، إن المسرحي الراحل ولد عبد الرحمان كاكي، لم يكن في حياته رجلا متخزبا أو سياسيا، رغم استعماله الكثيف لعبارات ومعاني سياسية. المحاضر أكد أن كاكي أسس لأسلوب مسرحي جزائري دون أن يكون واعيا بذلك. يرى أحمد حمومي، من وجهة نظره كمختص في تاريخ وسوسيولوجية المسرح، أن الجزائر أصبح لها رجلا من قامة ولد عبد الرحمان كاكي بفضل دور الجمعيات الثقافية الناشطة في الأحياء الشعبية والتي نجحت في استقطاب الشباب إليها، كما هو الحال بالنسبة ل “جمعية السعيدية"، بمستغانم، التي أسست في 1947 وكانت بمثابة نادي الترقي بالجزائر العاصمة. “السعيدية" هذه - حسب حمومي - شكلت المدرسة الأولى لكاكي، حيث تعلم دروس الحياة، وتزود من روادها بثقافة سياسية واجتماعية وشعبية، وهو ما سينفجر، لاحقا، كتابيا، عندما يبدأ هذا الفنان في تأليف نصوصه المسرحية على ضوء نص “132" لولد عبد الرحمان كاكي، قرأ عبد القادر بوكروي، ممثل من وهران، مقاطع منه أمام جمهور فضاء، صدى الأقلام، بالمسرح الوطني الجزائري، وبمناسبة شهر المسرح المحتفي ب 50 عاما من استرجاع السيادة على هذه المؤسسة المسرحية في 08 فيفري 1963. سلط حمومي الضوء على شخصية المؤلف، وقال إنه لايمكن فهم أي نص من نصوص الرجل إذا لم نعد إلى نشأته الاجتماعية، وعلاقته بحزب انتصار الحريات الديمقراطية وبمناضليه، وطريقة تعامله معهم. وقد ساهم هذا الوعي في شحن همة الفنان ليكتب نصوصه، أما بعد الاستقلال، فقد ظل كاكي مستقلا عن أي حزب سياسي أو تيار مشابه: “في حياته لم ينخرط في حزب، ولم يظهر يوما موقفا سياسيا لصالح هذا أو ذاك، رغم ارتباطه الوثيق بالشأن الداخلي للبلاد، إلا أنه فضل أن يكون حرا، أن يتعامل مع المعطى العام للجزائر كفنان"، يوضح حمومي ل« الجزائر نيوز". عندما عرضت مسرحية 132 بالمسرح الوطني الجزائري مطلع الاستقلال، وبحضور الزعيم تشغيفارا، علق هذا الأخير بالقول “هذا العمل يؤكد أن لديكم مسرحا"، في إشارة منه إلى قوة النص، وقوة الريتم المسرحي الذي أشرف كاكي على إخراجه. في مقاطع من 132 يقول كاكي: “يا شعب الغفلة تحدث، هذا ما هو وقت الغفلة"، جملة استنهض بها “عبد القادر" أهل عشيرته، ليحاربوا المستعمر، ويخاطبهم: “تقرصوا بارودكم في الفرحات والزهوات.." متعجبا منددا، ليدعوهم إلى هجرة ساحات الاحتفالات والفانتازيا، والالتحاق بساحة المعركة. دعا الدكتور حمومي إلى الإمعان في اللغة المسرحية لكاكي التي قال عنها: “هي تعكس تشبع عبد القادر بالثقافة الشعبية، وطريقة تعبيره بهذه الصيغة السلسلة، أمر طبيعي بالنسبة له"، ليضيف: “لا أعتقد أن كاكي عندما كان يكتب كان يفكر أنه بصدد التأسيس لمدرسة في التأليف المسرحي، ساعتها كان مبدعا، عاشقا للخشبة لا غير... ولم يدع يوما أنه يؤسس لشيء". رسم أحمد حمومي، لجمهور قاعة الحاج عمر، ملاح شخصية كاكي ابن مستغانم، الخارج من أعتق أحيائها الشعبية حيث الڤوال والحلقة، والباعة المتجولون، والبسطاء والأغنياء يتقاطعون في السوق اليومي، ومجالس المقاهي العروبية تحت نفحات الناي والڤلال... وغيرها من المشاهد التي حولها الفنان إلى لغة مسرحية صارخة، تحاكي الفرد الجزائري، في همومه اليومية وانشغاله بغده: “قوة (132) أنه يتحدث عن مواقف تصلح لحالنا، اليوم، ولد عبد الرحمان استبق الزمن، فتحدث عن الريع، والبني وي وي، والبالالا، وعن الانتخابات والسباق المحموم إلى كراسي الحكم والمنفعة... وكأن الزمن لم يتحرك" يعلق المتحدث. لم يكن كاكي مسرحيا متساهلا في عمله، حسب حمومي: “كان صعب المراس، صارما بل أكثر"، فحتى مسرحية “132" كتبت بريتم سريع للغاية، والممثل مطالب بجهد خارق لأدائها. كما برع الفنان الراحال في الاقتباس ونجا بنفسه عن عملية النقل البارد، مانحا لأي عمل يعتمد عليه، روحا جزائرية محضة، كما هو الشأن في “القراب والصالحين" المقتبسة عن الروح الجميلة (لسات تشوان) لبريشت، وكذا الطائر الأخضر، لكارلو تموتزي والذي أخذه هو الآخر عن “ألف ليلة وليلة".