يعيش سكان العديد من بلديات وقرى ولاية تيزي وزو خلال هذه الأيام المتزامنة مع شهر رمضان الكريم أوضاعا مزرية وعويصة يصعب تحملها بسبب أزمة العطش التي تفرض نفسها بقوة لاسيما في المناطق الريفية، وهي الأزمة التي عمقت من معاناة السكان ودفعتهم للخروج في رحلات البحث عن المادة الحيوية وما خلفه ذلك من شن احتجاجات بغلق مقرات البلديات والدوائر. لا تريد أزمة العطش أن تطلق قرى وبلديات تيزي وزو رغم كل المشاريع التي خصصت في هذا المجال ورغم الوعود التي قطعها المسؤولون على جميع مستوياتهم بحل الأزمة. حيث كانت هذه الظاهرة محل نقاشات متكررة في المجلس الشعبي الولائي وخصصت له يوما دراسيا أواخر شهر أفريل لبحث سبل مواجهتها، وما تبعها من وعود رؤساء الدوائر ومسؤولي الجزائرية للمياه ومديرية الموارد المائية بأن يفعلوا المستحيل لضمان ماء الشرب في فترة الصيف وخصوصا في شهر رمضان. ومع بداية هذا الشهر الكريم، ظهرت وعود المسؤولين أنها مجرد أكاذيب لا أكثر، إذ لم يتم تجسيدها في الميدان ولم تخرج من نطاق الخطاب الإداري المعروف. حيث تواجه حاليا العديد من قرى ولاية تيزي وزو وفي الجهات الأربعة أزمة عطش حادة دفعت بالسكان في عدة بلديات إلى الخروج في احتجاجات وغلق مقرات البلديات والدوائر. وتعتبر قرى الناحية الجنوبية والغربية بكل من بلديات ذراع الميزان وتيزي غنيف وآيت يحيى موسى وفريقات وعين الزاوية ومكيرة ومعاتقة الأكثر تضررا من هذه الأزمة، وهي المناطق التي يتم تزويدها بمياه الشرب بالمناسبات فقط. وما زاد الوضع تعقيدا في هذه المناطق هو قدم قنوات نقل المياه والكميات التي تتسرب في الطبيعة خلال التزويد تقدر بأضعاف التي تصل إلى المنازل وهذا حسب اعترافات المسؤولين عن القطاع بالولاية. والمشكل المطروح ببلدية آيت يحيى موسى أن هذه البلدية استفادت سنة 2006 من مشروع تموين قرى المنطقة بماء الشرب من ناحية ذراع بن خدة بغلاف مالي قيمته 27 مليار سنتيم، وهذا المشروع كان حلما راود السكان منذ الاستقلال وتم تجسيده بعد احتجاجات عارمة، لكن إلى يومنا هذا لا تزال 42 قرية تتضمنها هذه البلدية تعيش جحيما حقيقيا بسبب جفاف الحنفيات، والمسؤولون يتحججون في كل مرة بالتكسرات التي تتعرض لها القناة الرئيسية على مستوى منطقة عفرون. وأكد سكان قرية ثافوغالت الواقعة على بعد حوالي 20 كلم غرب بلدية آيت يحيى موسى أن المياه لم تسل في حنفياتهم منذ 6 أشهر، ودفعهم الأمر إلى الاحتجاج وغلق مقر البلدية والطريق الوطني رقم 25 للمطالبة بحل أزمة العطش والتنديد بخيانة رئيس البلدية الحالي للوعود التي قدمها لهم خلال الحملة الانتخابية لاسيما أن هذه القرية التي تتضمن أكثر من 7 آلاف نسمة هي التي أوصلت "المير" إلى منصبه. وببلدية مكيرة التابعة لدائرة تيزي غنيف، قرر السكان انتهاج أسلوب الاحتجاج كوسيلة وحيدة للضغط على المسؤولين بهدف التدخل لإيجاد حل لأزمة العطش وهذا بعدما سئموا الوعود "الزائفة". وأكد أحد أعضاء تنسيقية القرى أنهم يحضرون لأكبر حركة احتجاجية بالبلدية لأجل المطالبة بالماء، مشيرا إلى أن هناك قرى لم تسل المياه في حنفياتها لأكثر من ثلاثة أشهر. وكانت آخر حركة احتجاجية بمكيرة يوم 30 جوان المنصرم من طرف سكان خمس قرى وهي إمعنذن، إمليكشن، محنوش، ثالة عزيزث بوحاج. وببلدية معاتقة خرج سكان العديد من القرى في أولى أيام رمضان للاحتجاج وغلق مقر البلدية والدائرة للتنديد بانقطاع مياه الشرب عن قراهم منذ أسابيع في بعضها ومنذ أشهر للعديد من القرى على غرار دوار برقوقة. وما يثير الاستغراب بالناحية الجنوبية والغربية للولاية هو أن المسؤولين وفي كل مرة يقدمون وعودا للسكان عن وضع حد نهائي لأزمة العطش بعد ربط المنطقة بمياه سد كوديات أسردون من ولاية البويرة، لكن هذا الحلم لم يتحقق رغم مرور عدة سنوات. وبالناحية الساحلية للولاية، لا تزال أزمة المياه تطرح نفسها بقوة بكل من واقنون وبوجمعة وميزرانة وإفليسن وتيقزيرت، حيث أكد مصدر محلي أن هناك أحياء وقرى ببلدية تيقزيرت لم يتم تزويدها بالماء منذ شهر ونصف رغم أن المناطق الساحلية تم ربطها مؤخرا بمشروع من سد تاقصبت. ونفس الأمر بجارتها بلدية إفليسن التي يعيش سكنها في 39 قرية معاناة حادة بسبب المرارة في استمرار رحلات البحث عن المادة الحيوية بالاعتماد على الطرق البدائية واللجوء إلى الجبال والغابات. وأكد أحد سكان قرية "إيقر نسالم" أن قريته لم تعرف ما يسمى "مياه الحنفيات" منذ الثمانينيات. وبالناحية الشرقية لا تزال قرى دائرة بوزقان في عزلة حقيقية ومحرومة من ماء الشرب فهي تعتمد بالدرجة الأولى على مياه الينابيع الطبيعية والآبار في انتظار ربطها بمياه سد سيدي خليفة الذي ينتظر أن تنطلق به الأشغال في 2014. وتشهد بلدية إيعكوران من جهتها تذبذبات حادة في التزويد بالماء، وحسب ما أكد أحد السكان فإن البلدية تزود بالمياه بضع ساعات فقط في الأسبوع هذا رغم أن البلدية تم ربطها من سد تاقصبت. وأكثر من ذلك، تعيش عدة قرى محاذية لسد تاقصبت أزمة عطش حادة بكل من آث عيسي وبني دوالة وآث يني والأربعاء نآث إيراثن وإرجن وثيزي راشد لأسباب تبقى مجهولة، علما أن هذا السد الذي يعتبر أكبر مشروع تنموي استفادت منه ولاية تيزي وزو منذ الاستقلال يضخ مياه الشرب إلى عدة ولايات على غرار بومرداس والجزائر العاصمة والبليدة لكن قرى وبلديات تيزي وزو لا تزال إلى يومنا هذا تعيش في عطش. وحسب ما أكده مصدر من مديرية الجزائرية للمياه فإن أزمة العطش التي تفاقمت حدودها خلال هذه الأيام مست أكثر من 80 بالمائة من قرى تيزي وزو وأكثر من 50 بالمائة من الأحياء بالمناطق الحضرية. ولم يجد سكان عدة قرى الولاية من حل إلا العودة إلى طرق بدائية وجلب المياه من الجبال والينابيع الطبيعية، وآخرون يجدون مياه الصهاريج الحل الوحيد رغم ارتفاع أسعارها التي تصل في أغلب البلديات إلى 2500 دج.