أخيرا استفاق الدب الروسي من القيلولة، ومع الاستفاقة أنياب بارزة، توحي بأن الأمور تغييرت ولم تعد مثل ما كانت عليه أثناء القيلولة، التي انتابته مع الغفوة التي خيمت عليه منذ انهيار صرح الإتحاد السوفياتي، وهي الغوفة التي كادت أن تجعله الرقم المضاف إلى مجموعة دول العالم الثالث، ليصبح مجرد رقم في مجلس الأمن، لكن السياسة تتغيير في المكان والزمان، وها هو يعود الى سابق عهده، بعد أن كان لا يملك القوة إلا الانصياع للقرار الأمريكي في رسم معالم خريطة العالم، حسب منطق القطب الأوحد والسير في ركب الفلك الأوحد الذي يقود العالم، ولقد تجلى ذلك في صياغة قرارات مجلس الأمن الدولي، في العديد من القضايا وأشدها وطأة القرار الذي أجاز، ضرب العراق واحتلاله وضرب ليبيا، وقرارات أخرى كانت تتسم بجزر أظافر أينعت للعديد من الدول، حتى أصبحت قرارات مجلس الأمن الدولي يتخيل لنا بأنها صادرة عن البيت الأبيض الأمريكي، أو في مبنى الكابتول، وهذا المنحى يبدو أنه هو الذي مهمز الدب الروسي للاستفاقة من الغفوة، لنفض غبار الهيمنة التي خيمت على وجوده في الساحة الدولية إلى درجة أصيح معها تابعا يتفرج على عربدة القرار الأمريكي في الساحة الدولية، والحضور الأمريكي في صحراء شمال إفريقيا بعث رسالة إلى صناع القرار في الكريملن، مفذها بأن النفوذ الروسي في التواجد على الساحة الدولية بدأ يتقلص ولم يعد لهم موقع قدم في منطقة، بعد الاستحواذ عليها من قبل القطب الأوحد، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من أن تفقد آخر منفذ إستراتيجي لها في الشرق الأوسط من الجانب المطل على البحر الأبيض المتوسط، وبفقدان هذا المنفذ، تفقد حرية تنقل الأساطيل البحرية الروسية، وغلق المنافذ أمامها، وإضعاف حرية المناورة لها، هذا المنحى يبدو لنا أنه هو الذي جعل روسية، بمعية الصين تقف حجرة عثرة أمام أحلام، توسع النفوذ الأمريكي، ووقفت سدا منيعا أمام المزيد من الهيمنة، تجلى ذلك في الاستماتة الفولاذية، في مجلس الأمن واستعمال حق نقذ القرارات ثلاث مرارت متتالية في مجلس الأمن، من خلال إستعمال الفيتو، دلالة على أن الأوضاع لم تعد كما كانت، وهي سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ تشريع القرارات الموجبة لمجلس الأمن الدولي، في تطبيق الفصل السابع من قبل مجلس الأمن الدولي، الذي أصبح مطية لمأرب القوة الغربية، وهو ما يعطي الانطباع بهذا المنحى، هو العزوف عن الإغراءات المالية السعودية، التي يقال بأنها كانت بصك 15 مليار أمريكي، شراء أسلحة روسية ومشاريع اقتصادية حملها الرجل القوي في السعودية بندر بن سلطان رئيس جهاز المخبارات في المملكة السعودية، عراب النفوذ الأمريكي في المنطقة، وصانع زخرفة الدور الأمريكي، الذي يدور في فلك الجانب الغربي،.يبدو أن صناع القرار في الكريملن استوعبوا الدرس من غزوة العراق وليبيا، وتجلى لهم أنهم خرجوا خالي الوفاض من العملية إتضح لهم بأن السير في هذا المركب أفقدهم آخر موقع استراتيجي لهم في الساحل الإفريقي، وحليف كان من الممكن أن يصبح طيع أوامرهم، وفقدان موقع ثاني إستراتيجي في البحر الأبيض المتوسط، الذي إن فقدوه لن تقوم لهم قائمة، ويصبحوا بين الكماشة، لا يستطعون رفع الصوت، ويصبح صوتهم مبحوح ليس له صدى يشير إلى وجودهم في المحفل الدولي، والتشبث برفض المطلق للتدخل العسكري في المعضلة السورية، والتلويح في الذهاب إلى أقصى درجة مجرد الكلام، مع هذا المنحى يتضح لنا بأن أجواء الحرب الباردة عادت في طبعة جديدة لتخيم على أجواء العالم، وما تحرك الأساطيل الروسية والأمريكية إلا دليل على أن تلك الحقبة بدأ لمعانيها يبرز من جديد، والتنابز بتحريك الأساطيل لاستعراض القوة، دليل على أن الأمور ليست مجرد كلام، والتمسك بقرار رفض الضربة العسكرية لسوريا، موقف أملته المصالح الاستراتيجة لروسيا، والتمسك ببشار الأسد، يعني الاحتفاظ بحليف من الصعب أن يعوض في المنطقة، خاصة وأنها منطقة تعج في مجملها بصراع القوى الدولية. لقد كان تراجع الروس في التواجد على الساحة الدولية من خلال إبراز القوة الروسية، التي إضمحلت مع بداية إنهيار الإتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن المنقضي، بعد الرجوع خطوات إلى الوراء حكاية غزو العراق والاستفراد في فرض الواقع، الصحوة الروسية الجديدة هي التي جعلت صناع القرار في البيت الأبيض الأمريكي، يشيرون إلى الرئيس الأمريكي، خطوة الرجوع إلى الكونغرس الأمريكي، قصد الحصول على الضوء الأخضر من مبنى الكبيتول، لتقنين الضربة العسكرية على سوريا، رغم أن الدستور الأمريكي يوجيز للرئيس التصرف بدون اللجوء إلى نواب الشعب حسب الدستور الأمريكي، بإعتبار الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة، إذن خطوة استشارة الكونغرس، أريد بها التنصل من هول القرار، وامتساس الغضب، خاصة إذا أجاز مشرعي الشعب خطوة الشروع في الضربة العسكرية، وإن كنا نستبعد مثل هذا القرار نظرا لعدة معطيات، وأبرزها الهوة الشاسعة بين دعات قرع طبول الحرب وحمائم السلام في أمريكا الذين ذاق بهم ذرعا الدخول في حروب، لم تندمل جرحها بعد، وأعتقد إن جاز هذا التخمين بأن الضربة العسكرية أصبحت بعيدة المنال اللهم إلا إذا حدث شيء خارق للعادة، والتخبط الذي تعيشه القوة الداعمة للضربة العسكرية، يتجلى في صدور التصريح تلو التصريح المضاد يؤشر على أن أصحاب قرار الحرب لم يحسموا أمرهم، والدليل عند مناقشة قرار الضربة في اللجنة المختصة بالكونغرس وتقديم إفادات الوزراء المعنيين، جون كيري وزير الخارجية، وعيغ وزير الدفاع، عندما طلب هذا الأخير من قائد الجيوش الأمريكية التعقيب على إحدى التدخلات، لم يستجب لذلك وهذا دليل على أن الصمت كان جوابا على أن خيار الضربة العسكرية ليس متوافقا عليه ولم تكتمل فصولها، وكأن قائد الجيوش كان بتلك الحركة أراد أن يعبر عن وجهة نظر غير معلومة، ملتزمون بالخضوع لقرار السلطة السياسية، لكن لسنا معها في المسعى؟ أول مرة يتخلى رئيس أمريكي عن حقه المكفول دستوريا ويلجأ إلى الكونغرس للتفويض، فهل أراد الرئيس أوباما بذلك إخلاء مسؤوليته من قرار الحرب، خاصة وأن الكفة تميل إلى أن نزلاء مبنى الكبيتول أغلبتها تميل إلى رفض هذا المنعطف، خاصة وأن القرار سيكون فاتحة عودتهم من العطلة الصيفية، وتعمد الرئيس الأمريكي الرجوع إلى الكونغرس، مع هذه المدة له دلالة رمزية، وهذا دليل آخر على التخبط الذي تعيشه الإدارة الأمريكية، والارتباك الذي يخم على الرئيس الأمريكي، في فك طلاسم الصحوة الروسية، والرفض المستميت في الغارة على الجزء الأهم من بلاد الشام، يمكن القول إن خيبة الأمل بدأت تلوح في الأفق على ملامح دعاة الضربة العسكرية من الصقور الجارحة في الإدارة الأمريكية ومموليها الخليجيين الذين اتضح بأن أموالهم ستكون وقود هذه الحرب إن أشعلت، وهو الارتباك الذي يكبل قدرات الرئيس الأمريكي في إتخاذ القرار الحاسم؟ هل ينتصر منطق دعاة الحرب أم دعاة السلام، كونوا دعاة سلام لا دعاة حرب، وقرع الطبول أزير بي 52و، خطوة نواب مجلس العموم البريطاني الرافض لمنطق الحرب سوف ترخي بضلالها على التصويت على القرار في الكبيتول، من المنتظر أن الخبر اليقين سوف يكون في الثلاثاء العظيم، الشبيه بالجمعة العظيمة، حسب اعتقادي إن الرجوع إلى الكونغرس للحصول على الضوء منه، ما هو إلا تنصل من القرار الهام للرئيس الأمريكي، وهو الذي قال جئت لأنهي الحروب، وكذلك لحفظ ماء الوجه بعد أن قال، إن السلاح الكيماوي خط أحمر، فأصبح في ورطة من عواقب الكلام غير المحسوب العواقب، ورمي الكرة في شباك الكونغرس، تصب في هذ المنحى وخيبة الدور السعودي الذي استلم الملف السوري من الدور القطري، وهو ما يفسره شد رحال بندرن بن سلطان رئيس جهاز الاستخبارات السعودية إلى موسكو وهو السفير السعودي في واشنطن لمدة فاقت العشرون سنة هناك، ولعب ورقة الجوكر ب 15 مليار دولار ويقال إن رد الرئيس فلاديمير بوتين كان قاسيا وأشبع الموفد السعودي درسا في الرجولة مع الروس. الذين ضحوا بصفقة 15 مليار لتيقنهم بأن فقدان الموقع الاستراتيجي في هذه المنطقة الحيوية أكبر من أن يختزل في صفقة ب 15 مليار، مع تيقنهم من أن ريع ما بعد الحرب سوف يكون لهم لوحدهم أو على الأقل الحصة العظيمة ستكون لهم لوحدهم، وهذا الاستنتاج يبدو أنه أمل على الروس التضحية بهذا المبلغ، مع العلم بأنهم سوف يكونوا اللاعب الأوحد في إعادة إعمار سوريا، بعد أن تضع الحرب أوزاها، وحسب تقرير اقتصادي يشير إلى أن تكلفة نفقات إعادة إعمار سوريا تفوق 75 مليار، ومن غير الشك بأن الحصة العظيمة كما أشرت من هذه الطرطة سوف تعود إلى الروس، كما أن هذه الاستفاقة تؤشر إلى أن التخلي عن سوريا هو انتحار استراتيجي للوجود الروسي في مسرح الوجود في المنطقة وبالتالي فقدان آخر منفذ استراتيجي لهم، وبوادر آفل نجم الروس هكذا يتضح لنا أن الحرب الباردة بدأت تلوح في الآفق، بعد القيلولة الروسية، واستعمال ألفاظ غير معهودة في التخاطب السياسي بين القادة دليل على التشنج الذي بلغ ذروته بين البلدين، والخروج عن اللباقة في الكلام حين وصف الرئيس الروسي وزير خارجية أمريكا جون كيري بالكاذب، وفتور اللقاء بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة العشرين التي إلتأمت في سان بطرسبوغ، والجهر بأن الضربة العسكرية غير مقبولة وتعدي على الشرعية الدولية، أن روسيا سوف تدعم سوريا إقتصاديا وعسكريا، كيف سيكون الدعم العسكري، إن لم يكن بأسلحة متطورة والمشاركة في رسم خطط الحرب، وهذه أول مرة يستعمل هذا المصطلح ربما هذا الرد الحاسم هو الذي جعل الإدارة الأمريكية تتخبط في فك طلاسم، هذا الظهور الغيرالمتوقع والمنتظر، السياسة تتغير في الزمان والمكان، وحركة الدب ليست محسوبة العواقب، اليوم الثلاثاء تقرع طبول الحرب، أم تقرع أجراس السلام؟؟؟