عند الحديث عن فن النحت في سوريا لابد من القول إن التعبيرات النحتية أخذت بدورها طابعا مميزا منذ النصف الثاني من القرن العشرين يختلف عما سبقه، ورواد النحت في سورية وإن كانوا قد تأثروا بمدراس الفن الحديثة في العالم وبنحاتين كبار مثل رودان وجياكوميتي وهنري مور، فإنهم ومع الرواد مثل محمود جلال وفتحي محمد والفرد بخاش وسعيد مخلوف ومحمود جلال وجاك وردة تم الانتقال من الواقعية الكلاسيكية التقليدية إلى الملامح النحتية بشكلها الحداثي مع جيل جديد مثل عبد الرحمن موقت واكثم عبد الحميد وعاصم الباشا ومصطفى علي وعماد كسحوت وبشار برازي ومحمد بعجانو وابراهيم العواد وعروبة ديب وغيرهم. من أقدم التجارب النحتية في الفن التشكيلي السوري الحديث، تجربة النحات فتحي محمد، وهي تعتمد على الواقعية التعبيرية مع التحوير باتجاه عالم الإنسان الداخلي. ولد الفنان فتحي محمد في حي الشماعين وهو حي شعبي من أحياء مدينة حلب، وتردد منذ طفولته على الفواخير القريبة من بيته مراقباً العمال يعالجون الطين، ليكتشف محبته لفن النحت مع أول تمثال صنعه العام 1936، درس النحت في مصر بين العامين 1944 1947، متابعاً في إيطاليا روما في الفترة بين عامي 1948 1954. في عام 1944 فاز فتحي بجائزة المجمع العلمي بدمشق عن تمثاله "أبو العلاء المعري"، وفي عام 1948 سافر فتحي محمد إلى روما؛ ليتابع دراسته في أكاديميتها على نفقة بلدية حلب، أنجز في روما تمثال "المفكِّرة" عام 1950. وحين شارفت دراسته على نهايتها عام 1951 عكف على إنجاز تمثال "اليافع" الذي جعله واقفاً. ونال شهادة دبلوم بدرجة شرف بتاريخ 9 حزيران 1951، ووقع اختيار لجنة التحكيم على تمثال فتحي لوضعه في متحف فلورنسا. وفي العام نفسه اشترك فتحي في معرض خريجي الأكاديميات الإيطالية الذي أقيم في مدينة نابولي. تابع فتحي محمد دراسته في روما، فانتسب إلى مدرسة فن الميداليات، كما انتسب إلى الأكاديمية؛ ليدرس في فرع التصوير الزيتي عام 1952. أنتج فتحي عدداً من الأعمال النحتية، كان أبرزها تمثالا "الموجة" و«الخريف". عاد فتحي بعد انتهاء دراسته إلى حلب عام 1954 ليعمل في بلديتها خبيراً فنياً، ثم أوفد إلى دمشق؛ ليصنع تمثالاً للعقيد الشهيد عدنان المالكي، ولكنه اضطر إلى العودة إلى حلب؛ ليدخل مستشفى القديس لويس في 8 آذار 1958 وهو يعاني آلاماً في أمعائه؛ وتُوفِّي في 16 نيسان من العام ذاته إثر عملية أجريت له لاستئصال ورم خبيث فيها مخلفاً إنتاجا مهماً على صعيدي النحت والتصوير. وأنجز الفنان محمود جلال (1911 - 1973) في بدايته عددا من التماثيل النحتية لقادة عرب تاريخيين كبار معتمدا على الخيال وتداخله مع الملامح الشخصية، لتتطور تجربته مع إعطاء لمسته الحركية الخاصة المتميزة بالدقة والاتقان. وبدا في منحوتات الفنان الفرد بخاش (1917 - 1990) التعبيرات الداخلية عبر تشكيلات التمثال وحركته. واستخدم الفنان سعيد مخلوف (1925 - 2000) العديد من التقنيات والخامات وفتح أبواباً جديدة، جريئة للتجربة والاستكشاف في فن النحت وترك أثرا كبيرا بالحياة الفنية السورية. استخدم الحجر والرخام والزجاج وجذوع شجر الزيتون، شكلت المنحوتات الخشبية لسعيد مخلوف انعطافة كبيرة في حركة النحت السوري الحديث، والمدهش في حياته أن تجربته الفتية بدأت متاخرة (في الأربعين) ولكن المدهش أيضا هو غناها ووفرة عطائها. النحات عاصم الباشا من مواليد بوينس أيرس في الأرجنتين عام 1948 تخرج عام 1977 في معهد سوريكوف العالي للفنون التشكيلية بموسكو ثم انتقل للإقامة والعمل في غرناطةبإسبانيا. وخلال مسيرته الفنية الطويلة عرض الباشا عدداً كبيراً من المعارض الفردية داخل سورية وخارجها ونال عدة جوائز مهمة. ويبدو بشكل واضح الاتجاه التعبيري في الأعمال التشكيلية عند عاصم الباشا الذي استطاع أن يصوغه في تشكيلات نحتية باهرة، أما موضوعات أعماله فبناؤها وفقاً لتاريخه وثقافته السورية، مستفيداً من ترحاله ومشاهداته في تعزيز إمكانياته الفنية والبناء على جذره الأساسي. النحات مصطفى علي من مواليد اللاذقية 1956 سوريا، خريج كلية الفنون الجميلة 1979. تابع دراسته في إيطاليا عام 1991. تتميز أعمال النحات السوري مصطفى علي بطغيان الأسطورة في تصميم أعماله، ويتناول علي في موضوع منحوتاته العلاقات الإنسانية المختلفة ويجسدها بالمنحوتة البرونزية الصغيرة والكبيرة الحجم ذات العناصر المتنوعة من كائنات الطبيعة، وذلك باختزال شديد وبرؤية خاصة لرشاقة الشكل بتأثيرات لونية جمالية جذابة، بحيث تضفي على المادة عمراً زمنياً غائراًً في القدم بأسلوب خاص يتفرد به الفن السوري. النحات "أكثم عبد الحميد" 1955 - ولد في جبلة، سورية. 1981 - تخرج من كلية الفنون الجميلة بدمشق / قسم النحت. عمل مديراً للمعهد المتوسط للفنون التطبيقية منذ العام 1987. ثم مديرا للفنون الجميلة بوزارة الثقافة ليستقر بعدها في إسبانيا، أعماله مقتناة من قبل وزارة الثقافة السورية / المتحف الوطني بدمشق / وضمن مجموعات خاصة. يحاول في العمل النحتي أن يبني الكتلة بطريقة خاصة بنظرته الفنية، كما أن أغلب أعماله تدور في فلك الأنثى التي تعتبر جزءا من الموروث الثقافي لدينا، حيث كانت للأنثى مكانة كبيرة في الحضارات التي مرت على سورية، ومن هنا نرى أن رسالة النحات "أكثم" الفنية متعلقة بتراث وحضارة سورية وعمقها التاريخي والفني. وتميل أعمال النحات عماد الدين كسحوت- خريج كلية الفنون الجميلة ومدير الفنون الجميلة في وزارة الثقافة - النحتية للضخامة النصبية والتعامل مع الأسطورة بأسلوب خاص. ومن النحاتات البارزات، النحاتة عروبة ديب خريجة معهد أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية عام 1989 وخريجة المعهد المتوسط للفنون التطبيقية عام 1991، ولها عدد كبير من المشاركات في معارض فردية وجماعية مهمة كان آخرها في عام 2009 معرض "زهرات الربيع" في صالة أوكجين بلاس بدمشق، ومعرض "خمس فنانات من سورية" في الكويت. وفي عام 2008 شاركت في مزاد خيري تم تخصيص ريعه لمصلحة جمعية "بسمة لدعم الأطفال المصابين بالسرطان" في واشنطن تميل أعمالها النحتية للتعبير عن الواقع المعيش بتفاصيله الغنية.