أكدت مصادر مطلعة للغاية على خبايا الأزمة التي تمر بها جبهة التحرير الوطني، أن اجتماعا رفيعا جمع منذ أيام شخصيات رفيعة، وكشفت المصادر أن جدول أعمال الاجتماع لم يتجاوز نقطة بحث مصير رأس الأفلان ودوره في الرئاسيات المقبلة. لم يكن نزول عبد العزيز بلخادم، نزولا بريئا إلى مركب 5 جويلية بمناسبة احتضانه السبت الماضي لقاء كان مخصصا في البداية لمنتخبي الوسط، ليتم توسيعه فيما بعد وبشكل مفاجئ لكافة المنتخبين ليُصبح لقاء وطنيا، وضع له عمار سعيداني أمين عام الأفلان المطعون في شرعيته، نقطة في جدول الأعمال، اسمها "التأكيد على ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة". أفاد عمار سعيداني ذاته في الندوة الصحفية الأخيرة أن لقاء مركب 5 جويلية جاء "لتأكيد ترشيح الأفلان لعبد العزيز بوتفليقة"، وما دام الحدث حمل طابع التأكيد، فلابد أنه قد وقع في سرايا الحكم ما وضع ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة موضع الشك والريبة. وقد كان ذلك واضحا للغاية عندما راجت أنباء نشرتها الصحافة عن احتمال تراجع الرئيس بوتفليقة عن الترشح لولاية جديدة، ما اضطر الآلة الأفلانية باعتبارها جهازا في يد السلطة لتفنيد التراجع. لكن اللقاء وإن كان موجها للحفاظ على حظوظ الرئيس قائمة وماثلة في الصحافة الوطنية بخصوص ترشحه، فإن اللقاء كان أيضا بمثابة طوق نجاة لعمار سعيداني الذي خططت المعارضة للإطاحة به في 11 جانفي الماضي، وهي الفترة ذاتها التي سقط فيها بلخادم. فعبد العزيز بلخادم بحسب مصادر أفلانية، نزل إلى مركب 5 جويلية "لإفساد عرس سعيداني" وجس نبض القواعد والمنتخبين حول ما إذا كان ما يزال ذا حظوة بينهم أم أنه ما يزال منبوذا، والمفاجأة أن بلخادم نجح في حشد الجماهير الأفلانية حوله وسرقة الأضواء من عمار سعيداني إلى درجة أن الأخير استهل ندوته الصحفية قبل يومين بتوجيه عتاب شديد للصحافة حينما قال "لقد ركزتم في عناوينكم على شخص واحتقرتم 15 ألف من المناضلين وهذا ليس عدلا"، ما يوحي أن سعيداني إنزعج كثيرا من نزول بلخادم بدليل تصريح سعيداني القائل: "بغض النظر عن نية بلخادم أقول له ما كان يردده.. الجبهة ليست ضرعا يُحلب ولا ظهرا يُركب". ولكن في خضم ذلك تسرب ل "الجزائر نيوز" أن "أعضاء بارزين في اللجنة المركزية تلقوا مكالمات هاتفية تدعوهم للم شمل الحزب تحت قائد توافقي اسمه عبد العزيز بلخادم بدل عمار سعيداني الذي اقتنع الرئيس ومحيطه أنه لم يُساعد على خلق أجواء انتخابية هادئة واستبدلها بتصريحاته النارية، بمناخ سياسي متشنج عكر صفو المشهد السياسي وأدخله في أتون معركة مظلمة مجهولة المصير". دخول الآلة الأفلانية في الأزمة الحادة قبيل الرئاسيات لا يخدم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ولا محيطه سواء العسكري أو المدني، بعد أن أضحى الجميع يؤمن بأن الحلف الذي كان قائما على محور المخابرات والرئاسة، قبل وبعد عهد قائد الأركان الجنرال الراحل محمد العماري، قد تصدع، وحل محله محور جديد، أركان رئاسة، وهو ما يفسره ويبرره أفلانيون في قلب الصراع، بالتهجم غير المسبوق لعمار سعيداني على المخابرات بمناسبة أو من دون مناسبة، حيث بدأ محيط سعيداني حسب عدد من المصادر الموثوقة من داخل الأفلان، في تسريب أن منطق عمار سعيداني هو الذي سيسود لأنه "مُستقوي بنائب وزير الدفاع الجديد القايد صالح ولا يُمكن لأي أحد أن يمسه". وتقول المصادر أكثر من ذلك "فقد عُقد اجتماع طارئ منذ أيام بين 04 شخصيات رفيعة من بينها أمين عام الأفلان الحالي لبحث الأزمة ومخرجاتها"، وتضيف مصادرنا أن الاجتماع جاء في أعقاب "وصول مخطط الإطاحة بعمار سعيداني مرحلة متقدمة، وبالموازاة مع ذلك، وصول مخطط عودة بلخادم، أيضا مراحل متقدمة"، وهو ما أدى إلى إرجاء كلا المخططين إلى إشعار لاحق، خاصة بعد اعتلاء بلخادم المنصة في "لاكوبول" وإحاطة المناضلين به، وهي الرسالة التي فهمها محيط سعداني بأنها محاولة انقلاب سرية تريد تحويل العرس إلى عودة من ذهب لعبد العزيز بلخادم، ما دفع بسعيداني إلى اختصار خطابه في أقل من ثماني دقائق في عرس يجزم جناح سعيداني أنه خطاب حضره 15 ألف مناضل.. وهي الواقعة التي تؤكدها مصادر أفلانية وتستدل بها على أن خطاب سعيداني كان سيطول، لولا أنه اشتم في قدوم بلخادم تهديدا لمنصبه في أجواء كالتي صنعها الأفلان في المركب الرياضي السبت الماضي. وتفيد المعلومات التي بحوزتنا أن "سعيداني نقل لمحيطه أخبارا عن الغيظ الشديد الذي يوجد عليه نائب وزير الدفاع وقائد الأركان بسبب محاولة الإطاحة به وفتور دور شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة في مسألة تثبيته، وهو ما قُرأ على أن موازين التحالفات الحالية غير قادرة على السيطرة على وضع الأفلان الداخلي كما كان متحكما فيها من قبل طيلة سنوات". وهي الأجواء التي أفادت من خلالها مصادرنا بأن عودة بلخادم بهذه الطريقة "لم تكن سوى بترخيص من محيط الرئيس للذهاب نحو قيادة توافقية بديلة لعمار سعيداني يجرها بلخادم، خاصة بعد رواج أنباء تفيد بأن سعيداني يدعي أنه مدعوم من قائد الأركان الذي يرفض تماما مغادرته لسدة الجبهة". هذا السؤال طرحه عدد من أعضاء اللجنة المركزية الذين طُلب منهم التعاون لإعادة عبد العزيز بلخادم على رأس الجبهة بدل سعيداني، فكان الرد على هؤلاء بأن "بلخادم هو خيار الرئيس الذي لا بديل عنه وهو خيار لا يُعترض عليه من عدة جهات مكونة للتوازن"، لكن رد فعل أعضاء اللجنة المركزية الذين كانوا من الرعيل الأول الثائر ضد بلخادم قد أبدوا ممانعة شديدة لهذا الطرح، ومنهم من ذهب إلى غاية تشبيه هذا الطرح بأنه إجبار لهم على "التخيير بين الكوليرا والتيفيس"، ما تسبب حسب معلوماتنا في تقطيع بعض القياديين في المعارضة الأفلانية، لتوقيعات كانت موجهة للإطاحة بسعيداني، أصحابها من اللجنة المركزية. ويقول أفلانيون إنهم لم يفهموا مناورة إعادة بلخادم وفرضه بديلا لسعيداني "وهو مؤسس نظرية ومنطق الشكارة والمال القذر في تاريخ السياسة الجزائري، وهو المنبوذ بالصندوق من طرف أعضاء أعلى هيئة بين مؤتمرين للحزب وكانت نتائج الإطاحة به مقبولة من طرف كل الجزائريين وليس الجبهويين وحدهم". حسب تفسيرات البعض، فإن عبد العزيز بلخادم سيلعب هذه المرة لعبة أبعد من كل التوقعات، "وهي أنه لن يترشح للرئاسيات ولكنه سيقود الأفلان لمساندة ودعم مرشح المفاجأة في حال امتناع الرئيس بوتفليقة عن الترشح، وهو الدور الذي لا يُمكن لسعيداني أن يلعبه بعد أن علم الجميع وعلى لسانه بأن الأفلان لن يُرشح شخصا آخر من غير عبد العزيز بوتفليقة، فمن المنطقي أنه ينبغي على الأفلان أن يتهيأ لمرحلة مفتوحة على كافة الإحتمالات برجل لم يُبد يوما أنه سيُعارض رجلا بديلا عن بوتفليقة في حال لم يترشح الأخير". تسببت الاتصالات بعدد من أعضاء اللجنة المركزية بهدف العمل على إعادة بلخادم، في نشوء قطبين، في المرحلة الأولية من الصدمة التي تعرض لها خصوم بلخادم، القطب الأول هو الرافض بأي شكل لعودة الرجل ذي اللحية البيضاء وهو القطب الذي يقوده منسق حركة التقويم والتأصيل عبد الكريم عبادة، والقطب الثاني هو القطب المرن إزاء هذه الدعوة وهو الذي يقوده عبد الرحمان بلعياط، أما القطب غير المنتظر والذي نشأ مباشرة في أعقاب الاختلاف حول مصير الحزب وقيادته، هو قطب يدعو لانشاء هيئة مديرة للحزب إلى غاية انعقاد المؤتمر، مثلما سبق وأن عرفه الحزب في 2004. ويقول الوزير السابق وعضو اللجنة المركزية الهادي خالدي في هذا الباب "إن قيادة جماعية من الإطارات النظيفة والنزيهة هي الأكفل بإنجاح الرئاسيات التاريخية للجزائر خاصة إذا ترشح بوتفليقة حيث ستضمن التفاف كل الحزب حوله ومن ورائه القواعد لحملة ناجحة لعهدة رابعة، ولكن غير هذا فإن القواعد ستأخذ مسارات أخرى مع مترشحين آخرين خاصة وأن بعض أعضاء اللجنة المركزية سيتمردون على عمار سعيداني بكل تأكيد".